أدّت الأزمةُ المالية التي تجتاح #إيران إلى انتشار مهنة تهريب الأغنام على حدودها مع العراق، وهي منطقة يسكنها الأكراد بشكل أساسي. وهذا النشاط الجديد يجني منه بعض أصحاب الأغنام الكثير من المال.

لكنه قد يُكلّف أولئك الذين يخاطرون بأنفسهم على الأرض حياتهم، فالاشتباكات بين المهربين والشرطة الإيرانية أصابت بالفعل العديد من السكان وأدت إلى اعتقال عشرات الأشخاص في المنطقة.

فعادةً ما تكون المناطق الكردية على الحدود الإيرانية العراقية نقطة ساخنة لتهريب السجائر والكحول أو غيرها من الأجهزة المنزلية. وفي كل عام يُقتل العشرات منهم، إما ضحايا لحرس الحدود الإيراني، أو ضحايا الألغام المضادة للأفراد أو حتى ضحايا الشتاء القارس لهذه المنطقة الجبلية.

ومنذ نحو شهر تقريباً، ظهرت عدة مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق نوع جديد من التهريب في هذه المنطقة. فقد أظهر مقطع فيديو نُشر على تيليغرام، قيام حرس الحدود الإيراني بإطلاق النار على ما يبدو أنهم رعاة.

ووفقاً لسكان محليين، فقد التُقِطت المشاهد بالقرب من “دولتو”، وهي قرية في مقاطعة #أذربيجان الغربية، غرب إيران. وهؤلاء الرعاة هم في الواقع مهربون يحاولون تهريب قطعان عبر الجبل لإعادة بيعها بسعر أعلى بكثير. وبحسب ما ورد، لم يُصب أي من المُهربين أو رجال الشرطة في هذا الحادث.

وتم تصوير مقطع فيديو آخر مشابه على بعد 900 كيلومتر، في منطقة #أهوار_الحويزة في #خوزستان، جنوب شرقي إيران. ونشرته وسائل الإعلام الإيرانية في الثاني من شهر تشرين الثاني الجاري. وفي هذا المقطع، نرى مهربين يحاولون تهريب الأغنام من إيران إلى العراق عن طريق القوارب، عبر منطقة مستنقعات تفصل بين البلدين.

كما صُوِّر مقطعي فيديو آخرين في الخامس من الشهر ذاته، هذه المرة في قرية “زردوية”، وهي قرية في محافظة #كرمنشاه وتبعد 400 كيلومتر عن “دولتو”.

وفي المقطع الأول، نسمع مرة أخرى إطلاق نار من قوات الأمن الإيرانية، ونرى شاحنات صغيرة مليئة بالأغنام. وفي المقطع الثاني، يقوم القرويون، ومعظمهم من النساء والأطفال، بإلقاء الحجارة على قوات الأمن لطردهم من قراهم.

وبالتالي، فإن عمليات تهريب الأغنام هذه تتم على طول الحدود العراقية الإيرانية وفقاً لمقاطع الفيديو المتوفرة على شبكات التواصل الاجتماعي، من قرية “دولتو” إلى قرية “زردوية”، من الشمال الغربي إلى الجنوب الغربي من إيران.

وتعاني المناطق الكردية في إيران من معدل بطالة مرتفع للغاية، مما يدفع الكثيرين إلى اللجوء إلى التهريب للبقاء على قيد الحياة.

ووفقاً للأرقام الرسمية، يبلغ معدل البطالة حوالي 10 ٪ في جميع أنحاء الأراضي الإيرانية، ومن 14.8٪ إلى 16.9٪ في مناطق كرمنشاه وخوزستان الكردية. وهي أرقام يرى خبراء اقتصاد إيرانيين أنها أقل من الواقع بكثير.

وفي بعض الأحيان يكون ممثلو السلطة المحلية هم من يلجؤون إلى هذا النوع من التهريب. ففي الثالث من الشهر الجاري، كشفت وسائل الإعلام المحلية أن “تشافوس كوريساني” عضو مجلس قرية رافيان، قُتِل على يد حرس الحدود الإيراني، بينما كان يعمل حمالاً أو “كولبار” وهو مصطلح كردي يطلق على العتالين الذين يحملون بضائع على ظهورهم عبر الجبال الوعرة.

يعيش سيرفان (تم اختيار اسم مستعار حفاظاً على سلامته) في قرية “زردوية” وقد شهد ما حدث في الخامس من شهر تشرين الثاني الحالي، عندما هاجمت قوات الأمن القرية.

يقول: «في ذلك اليوم، وصلت قوات الأمن إلى قريتنا لأنهم كانوا مهتمين بهذا “النشاط الجديد” الذي بدأه الأولاد الصغار، لقد كانوا يشترون الأغنام في إيران، ويأخذونها عبر الحدود إلى العراق، لأن سعر لحم الضأن أعلى بكثير مما هو عليه في إيران».

وفي الواقع، فإن سعر صرف (التومان) مقابل الدولار يجعل العملية مربحة للغاية، ووفقاً لوسائل الإعلام المحلية، يجلب الخروف في العراق ضعف ما يجلبه في إيران.

ففي إيران، يجلب كيلو لحم الضأن 45 ألف تومان (أي 1.41 يورو)، مقابل 100 ألف تومان للكيلو في العراق (أي 3.15 يورو). ويمكن أن يبلغ وزن الخروف في المتوسط ​​50 كيلوغراماً، مما يعني مكاسب رأسمالية محتملة قدرها 87 يورو إذا بيعت في العراق. وفي بلد مثل إيران متأثر بالتضخم والأزمة الاقتصادية، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 60 يورو، فإن هذا المبلغ يبدو كبيراً.

ويتابع “سيرفان” قائلاً: «في يوم الحادث، نصب حرس الحدود والحرس الثوري الإيراني، كميناً على الحدود بالقرب من قريتي، وأخذوا الكثير من الأغنام وحملوها في شاحنتهم».

لكن القيمة المضافة التي تنتج عن عمليات التهريب الجديدة هذه، تنتهي عموماً في جيوب “الحيتان الكبيرة”، وليس في جيوب “الكولبار المساكين”.

ويوضح “سيرفان” أن أولئك الذين يشاركون في عمليات التهريب، «لا يفعلون ذلك باختيارهم، بل يفعلونه من أجل البقاء. وخاصةً الشباب منهم، لأنه لا يوجد عمل في مناطقهم، كما هو الحال في جميع المناطق الحدودية في إيران».

ويضيف قائلاً: «حتى أنني أعرف شاباً ذكياً حاصل على درجة الدكتوراه في الإدارة ويعمل كـ “كولبار”. وهناك الكثير من الأشخاص المؤهلين مثله في المنطقة، ولكنهم لا يجدون عملاً فيلجؤون إلى العمل في التهريب».

بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأموال لا تعود بالكامل إلى هؤلاء المهربين. فعادة لا يملك أولئك الذين يعملون كـ “كولبار” المال لشراء قطعان كبيرة. ويتم استئجارهم من قبل مهربين أكثر ثراءً قاموا بشراء الأغنام وباعوها بالفعل لمُهربين على الجانب العراقي من الحدود، عبر تيليغرام.

وبالتالي فإن “الكولبار” هم مجرد أيدٍ صغيرة تقوم بالعمل القذر بالمرور عبر الحدود لمسافة 40 كيلومتراً من أجل بضعة مئات الآلاف من (التومان). ويمكن أن يصل الأجر في عملية التهريب الواحدة إلى 30 يورو، لكنها رحلة معقدة للغاية يمكن أن تستغرق ليلتين إلى ثلاث ليالٍ عبر الجبال.

ويعمل “الكولبار” في مجموعات، وهناك كشاف يذهب للتحقق مما إذا كان الطريق آمناً، ومن ثم يقوم آخرون بتمرير الخراف، كما لو كانوا أي قطيع يقوده راعي. وفي بعض الأحيان، يتم رصدهم من قبل حرس الحدود الذين ينصبون لهم الكمائن، كما حدث في أول فيديو تم تصويره في قرية “زردوية”.

ولا توجد حالياً إحصاءات رسمية توثق بدقة عدد “الكولبار” الذين قتلوا في سياق عمليات تهريب الأغنام الجديدة، لكن وبحسب منظمة غير حكومية محلية لحقوق الإنسان، فإن هناك 79 شخصاً على الأقل من “الكولبار” قد لقوا حتفهم في عام 2019 كجزء من عمليات تهريب مختلفة في المنطقة الحدودية بين إيران والعراق.

المصدر: (Les Observateurs)


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.