لَمْ تضع القِوى التقليديّة الجاثمة على النّظام السياسي في حساباتها، أنها قد تواجه في يومٍ ما خيار إسقاط حكومةٍ خاضعةٍ لها من جانب جمهورٍ أيقنت أنه لن يتحرّك ضدَّ كل ما تُنتِجه هذه الطبقة السياسية من دمارٍ لمستويات الحياة العامة،  كونها ضربت أطواق من الفوبيات الوهمية من ضياع حقوق المذهب إلى الإرهاب مروراً بعودة البعث، إلى التلويح بضياع الحكم (المفقود منذ قرون).

كان خيار الانتخابات المبكرة، خطوةٌ متقدّمة في النضج السياسي والديمقراطي الذي أفرزته ثورة تشرين 2019،  لكسر القيود المقدّسة التي وضعتها هذه القوى لحماية عمليتهم السياسية،  لذلك رفضوا هذا المطلب بفوهات البنادق التي قتلت المئات وجرحت عشرات الآلاف من المتظاهرين، معتمدين لون الدم ليقرر القوة والشرعية،  لكن تحرّك مرجعية النجف الدينية نحو الانتخابات المبكرة والقلق من التصعيد الدولي، دفعهم للقبول المؤجل بها.

أعلن وتمسّك رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عن موعد 6 من حزيران 2021،  لإجراء الانتخابات المبكرة،  وهذا جعل القوى التقليدية أمام مواجهة استحقاقٍ مُبكِّر لم تكتمل ظروف التحضير لطقوس هذه المناسبة المباغته،  فما بين رافضٍ للموعد وبين صامتٍ يراقب وبين موافقٍ يتهيّأ، بدأ الماراثون الدعائي مبكراً لكن بصيغٍ مختلفة،  منها إحياء الدور الرقابي في البرلمان والعودة المنكسرة إلى الناخبين بعد سنواتٍ من طلاق انتخابات 2018،  والإكثار من المواقف؛ لإظهار الثقل السياسي وتحريك أنصار الظلّ المسلّح في كبح الخصوم الآخرين وتحفيز القاعدة الجماهيرية لاستظهار مساحة وجودها الانتخابي، وكل شيء يبدو متاحاً لهذه القوى لفرض واقعٍ قد لا يتطابق مع حقيقة توجّهات الرأي العام، مما يدفعني إلى أن أضع كل ما أقدمت عليه هذه القوى ضمن مفهوم النتائج الأبكر.

التيار الصدري كان من القوى السياسية التي لم تمانع خوض وإجراء الانتخابات في أيِّ وقتٍ يُحدَّد، لأن قاعدة الناخبين تستند على قاعدتين: عقائدية ترتبط بالإرث الديني، وسياسية تُركّز على التّفوّق السياسي أمام القوى الشيعية الأخرى، لكن لأولِّ مرة يتحدث زعيم التيار السيد مقتدى الصدر عن أن حركته السياسية سوف تحصد 100 مقعد برلماني، ومن ثم الحصول على منصب رئاسة مجلس الوزراء،  وهذه النتيجة أبكر حتى من موافقة الكتل السياسية الأخرى على خوض الانتخابات، سواء على موعد الحكومة في حزيران القادم أم على الموعد شبه المتفق عليه من الأحزاب السياسية في تشرين الأول القادم أو في أقصاه كانون الأول 2021.

وانطلق الصدر بتحشيد اتباعه انتخابياً من خلال صورة دينية باعتماد صلاة الجمعة للبدء بمشروعه السياسي القادم في ذات الساحات التي طالبت بالانتخابات المبكرة.

على الأرجح أن النتائج الأبكر التي حددها الصدر بـ 100 مقعد برلماني والظفر بالسلطة التنفيذية، قد تعود إلى عوامل منها:  إن الصدر يحاول من خلال تحركاته الأخيرة؛ إظهار وحدة التيار الصدري،  لا سيما بعد الحديث عن حصول انقسامات في صفوفه مؤخراً،  فضلاً عن أن هذه التحركات تأتي أيضاً في إطار الوصول لأغلبية داخل البيت السياسي الشيعي.

فقد وجد الصدر أن هناك تراجعاً كبيراً في مساحة التأييد والقبول للقوى الشيعية الأخرى التي فشلت في إدارة أغلب الحكومات السابقة، لذا يعتقد أنه استحقاقٌ مؤجّل بعد أن كان ركناً أساس من عملية اختيار ودعم رؤساء الحكومات السابقين، وبذلك يجد أن من حقه تقديم البديل عنهم.

ويبدو أنه بذلك مطمئنٌّ من تحقيق أغلبية المقاعد الشيعية في دوائر الوسط والجنوب الغارقة في فوضى الفساد والمحاصصة والتيه السياسي.

كما أن إعلان النتائج الأبكر من جانب الصدر، خطوةٌ لاستقطاب تحالفاتٍ أولية مع جهات سنية وكردية ومحاصرتهم بعدم عقد أيِّ تحالفٍ مع قوى شيعية أخرى وإيصال رسالة لهم بأن بوابة مصالحهم تمرُّ من خلال تفاهمات أبكر مع حركته السياسية وإشعار منه أيضاً للقوى الصاعدة التشرينية منها أو الباحثة عن مساحة سياسية لأفكارها، بضرورة الاتفاق الأبكر على الانخراط مع الثقل الرقمي الافتراضي والمنصب المؤجّل لما بعد توافقات الكبار.

لم يكن الصدر، الوحيد مَنْ أعلن عن نتائج أبكر للانتخابات المبكرة؛ بل هناك قوى سياسية اعتمدت صورةً أخرى لهذه النتائج الأبكر حين شككت بمخرجات العملية الانتخابية وهدّد قسمٌ منها بالمقاطعة المبكرة قبل أشهر من إجراءها أو حتى انتظار استعدادات الحكومة بتوفير البيئة الانتخابية الآمنة ليوم الاقتراع أو مراقبة عمل مفوضية الانتخابات ومن ثم تحديد مواقفها بالمقاطعة. وهذا قد يضع هذه القوى في زاوية إعلان الخسارة المبكرة،  رغم دقة طرحهم حول مستوى نزاهة الانتخابات وآليات إجراءها.

ما بين النتائج الأبكر والانتخابات المبكرة تقف الأحزاب والقوى والتيارات والحركات السياسية لتنظر حجم تواجدها القادم فقط والقلق على مستقبلها ونفوذها المتآكل، في حين أن الشعب ينظر للانتخابات المبكرة على أنها رافعة لكل أزماته،  لكن فقط وبشرط أن يختار ويعزل كل قوى قتل الدولة والفساد والإقصاء والنهب والمحاصصة،  وعلى الشعب أن يدرك بأنه الوحيد الذي يمتلك النتائج ويحصدها، فلم يعد هناك وقت للتجربة والعودة لدائرة الصفر.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.