عَيّنت الإدارة الذاتية، في وقتٍ سابق، موظفاً مدنياً من الكرد الحاملين للجنسية السورية يدعى “هفال سركفتن” مديراً لمعمل غاز “الشدادي” بحقول “الجبسة” جنوب الحسكة شمال شرقي سوريا، بعد عزل مديره السابق، وهو قياديٌ في حزب العمال الكردستاني يُدعى “هفال نبز”، بحسب مصدرٍ محلي.

لكن مصادر أخرى في حقول رميلان، أكدت لـ (الحل نت) أن خبر عزل المدير القديم، لا صحة له، وأنه لا يزال على رأس عمله، دون ذكر معلومات إضافية عن الموضوع.

وإن صحّت رواية عزل قيادي الكردستاني، فسيكون ذلك تمهيداً لاتباع خطواتٍ أُخَر من جانب قوات سوريا الديمقراطية بالتنسيق مع الإدارة الذاتية، تنفيذاً لتعهداتٍ أعلنتها (قسد) للولايات المتحدة الأميركية بإخراج عناصر الحزب الكردستاني من سوريا.

وقد تكون تلك الخطوة، وغيرها في قادم الأيام، والتي ينفذها قائد (قسد) “مظلوم عبدي”، ترجمةً لجهود واشنطن في مساعدة الإدارة الذاتية وإضفاء شرعيةٍ سياسية عليها بمناطق شمال وشمال شرقي سوريا في مواجهة الأطماع التركية.

تركيا تهاجم المناطق الكردية بذريعة العمال الكردستاني:    

تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني على أنه جماعة إرهابية، وقد اُختير العديد من قادة الإدارة الذاتية، بما في ذلك “عبدي”، من صفوف حزب العمال الكردستاني.

وقد خدم ذلك، كمبرّرٍ لهجمات تركيا المستمرة على الإدارة المُعلنة ودفعِ العلاقات الأميركية التركية إلى الهاوية، حيث ترى أنقرة أن حليفها في الناتو يتشارك مع مَنْ تُسميهم «الإرهابيين» الذين يشكّلون تهديداً وجودياً لتركيا، وفق اعتقاد الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”.

من جهتها، سعت واشنطن إلى تهدئة المخاوف التركية، مدّعيةً في البداية أن شراكتها مع قوات سوريا الديمقراطية كانت «تكتيكية ومؤقتة وتعاملاتية ومقتصرة على القتال ضد تنظيم داعش».

لكن استمرار وجود القوات الأميركية منذ سقوط #الباغوز آخر معقلٍ لتنظيم #داعش ربيع 2019، أدى إلى تعميق جنون الارتياب التركي بشأن خطط واشنطن، والقلق الدائم في المؤسسة الأمنية التركية هو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين عازمون على إقامة دولةٍ كردية مستقلة من شأنها أن تقضم تركيا.

ارتيابٌ دفعت بالرئيس الأميركي المنتهية ولايته #دونالد_ترامب لاسترضاء تركيا في شهر تشرين الأول 2019، عندما سمح للقوات التركية بالسيطرة على مساحة كبيرة من الأراضي التي يديرها الأكراد، بما في ذلك مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين، وأمر القوات الأميركية بالانسحاب لتمهيد الطريق للجيش التركي والمعارضة السورية المسلحة.

في حين توغّلت القوات الروسية والقوات الحكومية السورية في المناطق الحدودية التي أخلتها القوات الأميركية التي تحرّكت إلى أقصى الجنوب، ما أدى إلى قلب التوازنات في المنطقة الخاضعة لسيطرة (قسد)، بحسب تقريرٍ نشره موقع (المونيتور) الأميركي.

بقاء القوات الأميركية في المنطقة من أولويات (قسد)

لكن يبدو أن بقاء القوات الأميركية في المنطقة، حتى لو كان وجوداً متواضعاً، هي من أولويات الجنرال “مظلوم عبدي”، لأنها (القوات الأميركية) تحمي المنطقة الكردية من هجمات القوات النظامية وخلايا تنظيم داعش، ولكن ليس ضد هجمات تركيا.

كل ذلك، دفع “عبدي” الرجل الأكثر شعبية في المنطقة التي يديرها الكرد، إلى فتح قنوات تواصل مع المجلس الوطني الكردي المناهض لمشروع الإدارة الذاتية، والذي له علاقات وثيقة مع المعارضة السورية المدعومة من تركيا وجناح الحزب الديمقراطي الكردستاني في حكومة إقليم كردستان العراق.

فالمحادثات مع المجلس الوطني الكردي، والتي نجح الجنرال “عبدي” في إقناع واشنطن بالتوسط فيها، تخدم عدة أغراض مهمة: إذ ستوسع الدعم العام للإدارة الذاتية، وتقوي العلاقات مع حكومة إقليم كردستان وتكون بمثابة بابٍ خلفي لتحسين العلاقات مع تركيا.

وهذا بدوره، سيُسهّل على القوات الأميركية البقاء في الشمال الشرقي لسوريا، ويقوّض المعارضة التركية لمشاركة حزب الاتحاد الديمقراطي في المحادثات التي تيسّرها الأمم المتحدة لتحديد مستقبل سوريا.

وينسب الكثيرون إلى الجنرال “عبدي” باستيعاب مطالب المجلس الوطني الكردي بشكلٍ مستمر، والذي يطلب 50٪ مما يملكه حزب الاتحاد الديمقراطي أكبر الأحزاب المُشاركة في مشروع الإدارة الذاتية.

تلك الموافقة من جانب “عبدي”، قد تستحق المتابعة، خاصةً وأن الجنرال الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي مهتمان بإصلاح الإدارة الذاتية، ونيل الشرعية الدولية التي قد تؤدي في نهاية المطاف إلى دورٍ لهم في العملية السياسية تحت إشراف الأمم المتحدة.

ضغطٌ أميركي على (قسد) بسبب العمال الكردستاني

مع ذلك، فإن النقطة الوحيدة التي ظلّت المحادثات تتعثّر عندها، هي حزب العمال الكردستاني، إذ يُصرّ المجلس الوطني الكردي على ضرورة أن تحتوي وثيقة وبنود الاتفاق بين الجانبين، على صيغةٍ تؤكّد على تنصّل الإدارة المستقلة والشركات التابعة لها من جميع العلاقات مع حزب العمال الكردستاني.

بدورها، تضغط واشنطن على قائد قوات سوريا الديمقراطية منذ فترةٍ طويلة، لكي “ينأى بنفسه” عن حزب العمال الكردستاني، لأسبابٍ ليس أقلها أن وجودهم في مناطق الإدارة الذاتية، هو بمثابة تبرير لهجمات تركيا المتكررة وتسمّم العلاقات الأميركية التركية.

وبالفعل من خلال توليه دور الرعاية المشتركة إلى جانب الولايات المتحدة في محادثات الوحدة الكردية، نصّب “عبدي” نفسه فعلياً على أنه مستقل عن حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. ليس ذلك فحسب، بل أعلن عن استعداده للتوسط بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني، بشرط أن يكون الأتراك مخلصين.

ويدعم الأكراد الجنرال “عبدي” وجهوده لتأمين مستقبل المنطقة الكردية أو كما يسميها الكرد (روج آفا) من خلال مزيجٍ من البراغماتية والدبلوماسية وحلمه بأن يصير الشمال الشرقي في نهاية المطاف؛ أنموذجاً لسوريا ديمقراطية ومزدهرة راسخة في الغرب وتربطها علاقات ودية مع جميع جيرانها.

استمرار تجنيد القاصرين عثرة أمام المحادثات الكردية

لكن يبدو أن استمرار تجنيد القاصرين في صفوف وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة (العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية)، سيعكّر صفو المحادثات الجارية بين الجانبين الكرديين.

إذ تلقي أحزاب المجلس الوطني الكردي اللوم على مجموعاتٍ شبابية مقرّبة من حزب الاتحاد الديمقراطي تسمى (الشبيبة الثورية)، بتورطها في تجنيد القُصّر في مناطق الإدارة الذاتية، إما ضمن وحدات حماية الشعب أو حماية المرأة، أو حتى إرسالهم للانضمام إلى صفوف حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل شمالي العراق.

كما تتهم تلك الأحزاب، ذات المجموعة الشبابية بالوقوف وراء تخريب مكاتبها في القامشلي في أوقاتٍ متفرّقة.

ويقول “إبراهيم برو” أحد كبار الشخصيات في المجلس الوطني الكُردي: «في كل مرة تتقدم فيها مفاوضات المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، يتزايد نشاط هذه المجموعة أكثر فأكثر، إنها إشارة واضحة من حزب العمال الكردستاني، على أنهم لا يريدون أن تنجح هذه المفاوضات».

وفي 29 حزيران 2019، وقّع الجنرال “مظلوم عبدي” خطة عمل مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاع المسلح “فيرجينيا غامبا” في جنيف «لإنهاء ومنع تجنيد الأطفال واستخدامهم، ولتحديد وطرد الفتيان والفتيات الموجودين حالياً في صفوف قوات سوريا الديمقراطية، ووضع تدابير حماية وقائية وتأديبية تتعلق بتجنيد الأطفال واستخدامهم».

قائد (قسد) ضد تجنيد القاصرين.. ولكن!

وبعد شهر من ذلك التاريخ، فتحت الإدارة الذاتية مكتب حماية الطفل لمكافحة تجنيد الأطفال، لكن وبعد مرور أكثر من عام، وفي تحدٍّ واضح لسلطة الجنرال “عبدي”، خرجت تقارير مستمرة تفيد بتجنيد شباب وفتيات تقل أعمارهم عن 18 عاماً من قبل (الشبيبة الثورية- جوانن شورشكر).

وبالمحصلة، يبدو أن “عبدي”، لديه سلطة على قوات سوريا الديمقراطية كمنظمة، لكن الشخصيات العسكرية في حزب العمال الكردستاني، ومعظمهم من الأتراك والإيرانيين، لا يلتزمون بقراراته.

إذ من المرجح أن تكون عمليات التجنيد التي يرفضها “عبدي” لإرضاء جميع الأطراف المشاركة في المحادثات الكردية الكردية، تشير إلى رغبة حزب العمال الكردستاني إلى إفشال تلك المحادثات، عبر تشجيعه عمليات تجنيد القاصرين والقاصرات من خلال وسطاء محليين ضمن مناطق الإدارة الذاتية، لأن الحزب  يعتقد أن الاتفاق الكردي سيكون على حسابه.

بالمقابل، يرفض “ناصر عفرين” عضو لجنة التنسيق العامة لمجموعة (الشبيبة الثورية)  التلميحات بأن المجموعة شاركت في تجنيد الأطفال، قائلاً: «لسنا منظمة عسكرية تمكننا من تجنيد الأطفال».

ويضيف: «هدفنا هو أن نكون قادرين على تنظيم الشباب في جميع مناطق شمال شرقي سوريا، والشباب المتعلم، والشباب المهتم بالرياضة والثقافة والموظفين والعاطلين عن العمل، يعني كل الشباب في كل مكان».

لكنه أقرّ بأن جزءاً من الجهود المبذولة «لتطوير الفكر والمواهب وعلم النفس لدى الشباب تضمنت تدريبات عسكرية». وادّعى أن هذا «يهدف إلى تمكين الشباب من حماية أنفسهم وتطوير إمكاناتهم».


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.