كما ودعتنا سنة 2019 بولادة فيروس جديد سبّب جائحة القرن، تودّعنا سنة 2020 الفريدة بأخبار عن ظهور سلالة متحورة من هذا الفيروس استكمالاً لمسلسل الرعب الكوروني المستمر..  وكأن هذه السنة تأبى إلا أن تتحفنا بمفاجآتها حتى اللحظة الأخيرة!

فهل نشهد في هذه السنة الجديدة  ولادة لجائحة كورونية أخرى أم أنها فعلاً سنة اللقاح وبداية النهاية للفيروس الذي شلّ أوصال العالم؟

يقول الخبر: أعلنت الحكومة البريطانية أن سلالة جديدة من فيروس الكورونا  تسببها الطفرة VUI – 202012/01،  قد تكون السبب وراء الانتشار الكبير للمرض في لندن وجنوب شرق البلاد، حيث تنتشر السلالة الجديدة  بنسبة 60 بالمئة من الإصابات حسب آخر الدراسات. كما أصدر المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض ECDC  بياناً بضرورة تقييم التهديد الذي يمكن أن يشكله انتشار هذه السلالة على القارة الأوروبية.

فهل هو فيروس جديد مختلف ؟  واذا كانت هذه السلالة المتحورة سريعة العدوى، فهل هي اكثر خطرًا وفتكًا من الفيروس الأصلي؟  وهل ستعمل لقاحات الكوفيد-١٩ المتوفرة ضد هذه الطفرة الجديدة؟

هذه بعض من التساؤلات التي تثير الكثير من المخاوف سنحاول الإجابة عنها في هذا المقال.

– ما هي هذه الطفرة الجديدة ( VUI – 202012/01 )؟

تعتبر الطفرات وسيلة تطور طبيعية تلجأ إاليها الفيروسات عادة، وقد طرأ على الفيروس المسبب لمرض الكوفيد منذ ظهوره العديد من الطفرات التي لا تؤثر بشكل كبير على صفاته وامكانية انتقاله.  ولكن ظهور هذه السلالة التي تحتوي على تغيرات جينية في 23 نقطة أثار قلق العلماء، خاصة وأن تغيراً أصاب البروتين الشائك (Spike Protein) في  6 نقاط، وهو البروتين الذي يستخدمه الفيروس للدخول إلى الخلايا.

-هل حقاً هذه الطفرة تزيد من قدرة الفيروس على إحداث العدوى؟

حتى الآن لا يوجد إجابة قاطعة حول ما إذا كان هذا الانتشار الكبير في بعض مناطق بريطانيا سببه هذا التغير الجيني، أم أنه جاء نتيجة عدم الالتزام الكافي بقواعد التباعد الاجتماعي تزامناً مع زيادة انتشار الفيروس في أوروبا في فصل الشتاء.

وبحسب البيانات الإحصائية يمكن أن تكون هذه السلالة مسؤولة عن زيادة قابلية العدوى حتى 70% بالمقارنة مع الفيروس الأصلي.

– هل هذا التغيير الجيني يسبب زيادة في شدة وخطورة الإصابة ؟

تعتبر الطفرة عند الفيروسات جزءاً من عملية التأقلم والحفاظ على البقاء، و ليس الهدف منها أن تزيد من إمراضية الفيروس وخطورته، وعادة ما تكون النتيجة لصالح البشر من ناحية تخفيف خطورة وحدّة الإصابة وليس العكس. ويبدو أن التحوّر الذي أصاب الفيروس لن يؤدي لزيادة خطورة الإصابة، وإن كان يمكن أن يزيد من سرعة الانتشار.

-هل تؤثر هذه الطفرة على فاعلية اللقاحات المتوفرة؟

صرح  البروفيسور داني التمان الأخصائي في علم المناعة والأمراض المعدية في إمبريال كوليدج لندن: ” إن الاستجابة المناعية الناجمة عن اللقاح لن تتغير بسبب التغيرات الجينية”

فأغلب اللقاحات المتوفرة حالياً تعتمد على تحريض الجسم على إنتاج أجسام مضادة للبروتين الشائك بشكل عام، وما لم يحدث تغيير جيني كامل، لن تؤثر هذه التغيرات المتفرقة على صفات هذا البروتين ولا على قدرة الجسم على التعرف عليه وتكوين أجسام مضادة له.

إضافة إلى أن مصنّعي اللقاحات الحالية قد أخذوا بعين الاعتبار قدرة فيروسات الكورونا على التحور الطبيعي البطيء نسبياً. وإذا ما قارنا فيروسات الكورونا والانفلونزا، فإن سرعة تحور الكورونا أبطأ بكثير، وبالتالي فالحاجة للقاحات جديدة ليست واردة على الأقل في الوقت الحاضر.

هناك أبحاث تجري لفهم انتشار السلالة الجديدة في المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، تشمل تقييم شدة الإصابة وسرعة الانتقال، كما وتتم مراقبة إمكانية العدوى بهذه السلالة عند الاشخاص الذين تم تلقيحهم بلقاح الكوفيد في المملكة المتحدة.

– هل يمكن كشف هذا الشكل من الفيروس المتحور بتحاليل PCR المتوفرة في المخابر الطبية؟

هذه الطفرة قد تسبب سلبيات كاذبة للكوفيد بتقنية PCR. وبحسب المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ECDC : إن التغيير في البروتين الشائك للفيروس قد تسبب في إعطاء نتائج سلبية كاذبة في بعض المخابر في المملكة المتحدة التي تعتمد على هذا البروتين في تحاليلها. وتوصي المخابر بمراجعة طرق التشخيص والأخذ بعين الاعتبار التغيرات الجينية الحاصلة.

نحن اليوم في سباق بين لقاحات واعدة وبين فيروس يتطور مع الزمن، وبما أنه لا يمكننا التنبؤ بسلوك الفيروس في المستقبل، فعلينا أن نكون أسرع منه وذلك باتخاذ الإجراءات الحاسمة للقضاء عليه. و ربما يكون ظهور هذه الطفرة في هذا الوقت وسرعة انتشار الوباء بمثابة جرس إنذار لضرورة التوعية بأهمية التلقيح للقضاء على الفيروس، فما زال اللقاح هو الأمل الأكبر في القضاء على هذه الجائحة.  وإلى ذلك الوقت ما زال علينا الالتزام بكل الإجراءات الوقائية لمنع نشر العدوى بكل أشكال هذا الفيروس القديمة منها والمتحورة.

وبدلاً من أن يلقي فيروس كوفيد-20 بظلاله على السنة القادمة، الأمل كل الأمل أن يكون الإنسان هو الرابح في هذا السباق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.