الإدارةُ الذّاتيّة ومَخاطِر التّفاؤل بتغييرات الخارطةِ السّياسيّة في سوريا

الإدارةُ الذّاتيّة ومَخاطِر التّفاؤل بتغييرات الخارطةِ السّياسيّة في سوريا

هواجس التغيير الشامل لمنطقة تُحيط بها الأعداء، وتتعشّش في مناطق سيطرتها المخاطر، ويُقامر ساستها بالتعوّيل الكبير على الحكومة القادمة في واشنطن خلال الفترة القريبة القادمة، هي مرآة واضحة لكيفية تبسيط المخاطر المحلية والخارجية، وكيفية تأطير العلاقات الدولية بلحاف مركزية الجغرافية التي تديرها جماعة ما في سياسات الدول الكبرى.

هذا النمط من التفكير المُتهالك، بدأت ملامحه تظهر مع تبنّي الجهات الإعلامية والوسائل المحسوبة على الإدارة الذاتية وقسد في شرق الفرات للأخبار التي تتحدّث عن وعودٍ من حلفاء بايدن وفريقه على تحقيق قفزة النصر المنسية لصالح الإدارات في شرق الفرات، والتي طالت انتظارها بعد النكبات السابقة التي هزّت الكثير من دعائم شمال شرقي سوريا بعد الصفقات المشبوهة التي كانت تركيا الرابح الأكبر منها، وبعدها دمشق وموسكو من خلفها.

هذا النوع من التبنّي والتساهل في تحليل المعطيات الجديدة على الساحة السياسية في واشنطن، وتصغير الروابط وطبيعة العلاقات الدولية لواشنطن مع شرق الأوسط، سيكون له أثرٌ واضح في تثبيط المعنويات في قادم الأيام لدى القواعد الشعبية والمتابعين للشأن السياسي في المنطقة. هذا بالإضافة إلى تحميل المنطقة مخاطر وضغوطات تزيد عن طاقة التحمّل لديها. هذا كله في حال لم تأتِ نكبة ما للمنطقة في الفترة التي تسبق عملية تتويج السيد جو بايدن الرسمي في واشنطن.

الحديث الصاعد عن خططٍ أميركية لتغيير الواقع بشكلٍ موسّع في شرق الفرات لصالح  قسد؛ فيه الكثير من التفاؤل، فالتغيير الأميركي الفضفاض الذي يتم تمريره في وسائل الإعلام التابعة للإدارات المحلية في شرق الفرات، هو بعيدٌ كل البعد عن التغيير الذي من الممكن تطبيقه على الأرض، وبعيدٌ كل البعد عن الوقائع وخارطة النفوذ والتواجد على الأرض للقوى الإقليمية والمحلية في عموم شمال سوريا.

لا يمكن الحديث عن تغييرٍ شامل مُفتَرض، وروسيا تتبجح بوجودها في القامشلي لمدة نصف قرن قادمة، ولا يمكن القول أن فريق بايدن سيدفع قسد لتحدي الوجود التركي في عفرين وتل أبيض ورأس العين “سري كانيه”، حيث تقوم تركيا بالانتهاكات الفاضحة ضد من  تبقّى من المدنيين الأكراد هناك وحيث الخسائر الكبرى لعلاقات متداخلة بين واشنطن وأنقرة.

هذا كله، ونحن نسمع هذه الأيام من جديد عن أخبار قضم المليشيات المُتطرفة التابعة لتركيا بعض الأراضي الزراعية في ريف عين عيسى على حساب قسد وبمناوراتٍ روسية واضحة.

مخاطر الترويج لتغييراتٍ شاملة للخارطة السياسية في سوريا، تُفقد تلك الخطط القادمة فضائلها المُمكنة، وتدفع الجهات المُضادة لـ (قسد) للتفكير بتَثبيط تلك الخطط قبل أن تلد. هذا كلهُ واضح من خلال مناوشات عين عيسى، وهذا جزءٌ مفهوم من سياسة زيادة الضغط وبث الشائعات عن مصير تل رفعت ومنبج السوداوي القريب.

التباهي المُفرط بهكذا مسارات، يُحمّل فريق بايدن ما لا طاقة له به، ويُحمّل المُخيلة الجمعيّة للناس المنهكين أصلاً مما يحدث حالياً في البلد؛ أحلام ورديّة سيكون لتبخّرها مع الوقت وقع الصدمة عليهم.

هذا التباهي، يدفع دمشق للتعنّت أكثر في ملف التفاوض، ويدفع الروس أكثر لرسم المكائد لقسد، ويحفّز الأتراك أكثر لقراءة وفهم علاقتها مع واشنطن وموسكو وطهران ودمشق، للقيام بهجماتٍ عدوانية أخرى. هذه الحراكات كلها؛ تسير معاً في وجه طموحات قسد والإدارة الذاتية، وفي وجه رافد التفاؤل الوحيد لديها المُرتبط بفوز جو بايدن في الانتخابات الأخيرة على حساب الرئيس ترامب.
في العادة، تبحث القوى المُتضادة عن مسارات تلاقي فيما بينها على حساب الآخرين، وقد تُقدّم حراكات الإعلام الموالي للإدارة الذاتية وقسد هكذا فرصة لأنقرة ودمشق وموسكو وحتى طهران. هؤلاء المُتخاصمون على ملفات عديدة فيما بينها في سوريا، قد يجدون في شعور اللاعب الموالي لواشنطن بالزهو فرصةً للتكاتف، وتبادل المصالح والأرباح. هذا كله يتم، ومشاعر البرود في تفهّم هذه المخاطر من الموالاة في قامشلي؛ هي الطاغية.

علاقة الجهات التي تدير الأوضاع في شمال شرق سوريا وواشنطن، تحكمها قضايا مختلفة. ولكن، الأكيد أن تلك العلاقة ستكون أكثر استقرار بظهور فريق بايدن على ساحة الحكم في واشنطن.

الاستقرار هذا، لا يعني الانتصارات الساحقة وعودة المسلوب وانهيار الأعداء، فالرومانسية السياسية تلك التي يتم مُلاحظتها في المنافذ الإعلامية القريبة من الجهات التي تُسيّر الأمور في شرق الفرات، لها انعكاسها على الشارع العام. فأي نقاطٍ قد تكسبها قسد في عهد بايدن- إن تمت مقارنتها بما يحدث حالياً من ترويج- سيكون كأنه “هَبَاءً مَنْثُورًا”.

لا يدرك هؤلاء المروّجون أن عملية النظر إلى الملف السوري نفسه من قبل فريق بايدن، يحتاج إلى وقتٍ ليس بقليل على وساعة كمية الملفات المرتبطة بها داخلياً وخارجياً. هذا تفصيلٌ مهم لا بد من تذكّره دوماً للتعامل مع القضايا المُرتبطة بمصير المنطقة سواء الداخلية أو سواء الخارجية.

أي أن عملية زراعة المخاطر من قبل مؤسسات الإدارة الذاتية وقسد في شمال شرق الفرات لنفسها؛ صارت أوسع بكثير من المخاطر التي يُحاك لها من الخارج المُراقب لما يحدث على الأرض في سوريا، ولما يحدث على الساحة السياسية في واشنطن. هذا كله يوضح أن لجَم عربة التفاؤل وتبسيط الأمور الدولية وتمرير الرسائل غير المُستندة على حقائق للناس؛ أهم بمراحل من لبس درع التصدي لمخاطر الخارج.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.