من دولة تنتج بين 3 – 4 مليون طن من القمح القاسي قبل 2011، إلى نحو 2.2 مليون طن في 2019، ومن دولة تصدّر الفائض بنحو 1.5 مليون طن لتستبدله بقمح طري لزوم الخبز، إلى دولة تستنزف خزينتها لاستيراد القمح من الخارج.

وتعاني حتى في الحصول على قمحها المنتج محلياً نتيجة سيطرة أكثر من طرف على المساحات المزروعة.

أعلنت السلطات السورية مؤخراً، أنها اشترت فقط 700 ألف طن قمح فقط من الفلاحين خلال 2020، بينما استوردت نحو 675 ألف طن من الخارج، وبجمع الرقمين بالكاد يصل الرقم إلى 1.375 مليون طن فقط.

وهي لا تكفي حاجة البلاد، البالغة على الأقل 2.5 مليون طن من القمح لزوم الخبز فقط سنوياً، يتم تأمين بعضها من القمح المحلي فيما تستورد الباقي من روسيا، وذلك بعدما كانت مكتفية ذاتياً قبل 2011.

مضاربة وحصار وأزمة خبز

عدم قدرة السلطات السورية على تأمين القمح المحلي أدى إلى تفاقم أزمة الخبز وتخفيض المخصصات عبر البطاقة الذكية ورفع سعر الربطة 100% لمحاولة تقليل الاستهلاك المحلي، ورغم ذلك، لا تزال الطوابير بالمئات يومياً تصطف على الأفران للحصول على الخبز القاسي المنتج من قمح مخلوط بالنخالة وفقاً لبعض الخبازين.

أزمة دمشق مع القمح لها عدة أسباب داخلية وخارجية، وتتمثل الأسباب الداخلية بتوزع الأراضي المزروعة بالقمح على مناطق تخضع لسيطرة جهات مختلفة.

فبعد أن كان إنتاج سوريا في 2011 يتجاوز 4 مليون طن، انخفض بشكل حاد إلى أقل من مليون طن في 2018، ليعود إلى التحسن في 2019  – 2020.

وهنا بدأت الحكومة السورية، والإدارة الذاتية، والحكومة السورية المؤقتة، بالتنافس فيما بينهم لجذب الإنتاج لصالحهم وتأمين حاجة مناطقهم من الخبز، ليكون الخاسر الأكبر في تلك المنافسة، الحكومة السورية.

مزادات وتنافس لكسب إنتاج القمح المحلي

وظهر التنافس جلياً من خلال رفع أسعار استجرار القمح من الفلاحين بما يشبه المزادات بين الأطراف الثلاثة، ليصل العرض من السلطات السورية، إلى 550 ليرة سورية للكيلو (450 ليرة + 100 مكافأة)، لكن ذلك لا يزال غير عادلاً بالنسبة للفلاحين مع تأرجح الليرة السورية وانخفاض قيمتها وارتفاع التكاليف.

وبخاصة إذا ما قورن بعرض الحكومة المؤقتة الذي قدمته حزيران الماضي لشراء القمح بالدولار بسعر 220 دولاراً للطن تقريباً وهو يساوي إلى حد ما السعر العالمي حينها، حيث أكدت أن التسعيرة التنافسية هذه تهدف لمنع تهريب القمح إلى مناطق السلطات السورية.

في حزيران أيضاً، حددت الإدارة الذاتية سعر كيلو القمح بـ17 سنت أميركي لعام 2020 فيما قالت إنه حل لمشكلة تقلب سعر الصرف ينصف الفلاح، وأصدرت أيضاً قراراً بمنع تصدير أو إخراج محصول القمح للموسم الحالي من مناطقها، أو توريدها إلى المراكز التابعة للسلطات السورية.

لكن ليست فقط مضاربات الإدارة الذاتية والحكومة المؤقتة من أضر الحكومة السورية، التي لم تحصل سوى على 700 ألف طن قمح محلي في 2020، بل أيضاً روسيا التي انسحبت شركاتها من مناقصات توريد القمح.

وأعلن مدير التجارة الخارجية بالمؤسسة السورية للحبوب “نذير ضبيان” نهاية 2020، أن 6 عقود موقعة مع شركات روسية ألغيت لأسباب تتعلق بالتأخر في فتح الاعتمادات نتيجة العقوبات وارتفاع الأسعار العالمية، موضحاً أن الكمية الإجمالية لجملة العقود التي اعتذرت عنها الشركات الروسية تُقدّر بنحو 450 ألف طن بسعر 224 دولاراً للطن الواحد.

وبحسب مركز التحليل “روس أغرو ترانس”، فقد ارتفعت أسعار القمح الروسي، في الأسبوع قبل الأخير من 2020، إلى أعلى مستوياتها في 4 سنوات، عند 260 دولاراً للطن الواحد، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر، أي أن الشركات الروسية كانت لتخسر بعقودها لو تمت.

واتخذت روسيا قراراً للحد من تصدير القمح لحماية مصالح السوق المحلية، وتأمين الاحتياجات المحلية وإجهاض مخاطر زيادات جديدة على الأسعار المحلية التي طرأت بسبب جائحة كورونا، بحسب وزير الاقتصاد الروسي “مكسيم ريشيتنيكوف”.

وأعلن ريشيتنيكوف منذ أيام، أن روسيا بصدد فرض ضريبة على تصدير القمح بدءاً من آذار القادم لتصبح 50 يورو، مقابل ضريبة 25 يورو للطن بدءاً من 15 شباط حتى آذار.

وكل ما يرد أعلاه، يشير إلى عدم قدرة السلطات بدمشق على تأمين مبالغ كافية بالقطع الأجنبي لاستيراد القمح، وسط صعوبات أكبر نتيجة الحصار وحزمة عقوبات قصير الأخيرة التي طالت “مصرف سوريا المركزي” وجعلت من فتح الاعتمادات البنكية أمراً شبه مستحيل لتحويل الأموال.

خطة خروج في 2021

وكشف تقرير صادر عن مؤسسة الحبوب التابعة للسلطات السورية، عن دعوة شركات محلية هي: “ماغا ورافكو وسيستوس” و”الشرق الأوسط”، للتفاوض معها لتأمين احتياج البلاد من القمح.

لكن العروض التي تقدمت بها الشركات بحسب التقرير، وضعت سعر 310 دولارات للطن الواحد، لكن تم خفض السعر بالتفاوض إلى 280 دولاراً للطن الواحد حيث تم الاتفاق على توريد 150 ألف طن حتى نهاية الشهر الجاري.

وأشار التقرير إلى عرض مقدم من شركة فريحة اللبنانية بسعر 285 دولاراً للطن الواحد واصل إلى الموانئ السورية مع دفع رسوم التأمينات الاجتماعية.

مساحات زراعة القمح في موسم 2021

شرقاً: بلغت المساحة في دير الزور نحو 20 ألف هكتار، وفي الحسكة نحو 125 ألف هكتار، وفي الرقة 7000 هكتار فقط رفم تحديد مساحة أكبر للزراعة وصلت إلى 17 ألف هكتار.

شمالاً: بلغت المساحة في حلب 142 ألف هكتار من أصل 204 آلاف هكتار، منها 100 ألف هكتار قمح مروي و104 آلاف هكتار قمح بعل وبنسبة تنفيذ 74%، وفي إدلب نحو 40 ألف هكتار.

الوسط والساحل: بلغت المساحة في سهل الغاب نحو 40 ألف هكتار من أصل 62 ألف هكتار، وفي حمص وصلت المساحات المزروعة بالقمح المروي نحو 17861 هكتار وبالقمح البعل أكثر من 24132 هكتاراً، بينما قدرت المساحة المزروعة في اللاذقية بـ2552 هكتار من إجمالي الخطة المقررة والبالغة 2900 هكتار.

جنوباً: بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالقمح في درعا 10500 هكتار، وفي السويداء 40763 هكتار، وفي القنيطرة تمت زراعة نحو 7800 هكتار.

ليس القمح فقط!

لم تخسر السلطات السورية القمح فقط، بل خسرت الكثير من المحاصيل الرئيسية أهمها القطن والشوندر السكري، وهذا الأخير كان يؤمن إنتاج السكر المحلي، بينما تضطر دمشق اليوم لاستنزاف قطعها الأجنبي مقابل استيراد السكر.

تفاصيل إنتاج المحاصيل الرئيسية قبل الحرب مقارنة بالسنوات الأخيرة، بالاستناد إلى التقرير السنوي للهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية عام 2016 إضافة إلى الإحصائيات الرسمية الأخيرة:

القمح

انخفضت المساحة المزروعة من 1.6 مليون هكتار عام 2010  إلى 1.3 مليون في ،2014 وتراجع الإنتاج من 3 مليون طن في 2010 إلى 2 مليون طن 2014، وفي 2018 وصل إلى 1.2 مليون طن، ليعود الإنتاج في 2019 إلى نحو 2.2 مليون طن، و2.6 مليون طن في توقعات الموسم الحالي بمساحة مزروعة نحو 1.2 مليون هكتار.

الشعير

مساحة زراعة الشعير تراجعت من 1.5 مليون هكتار في 2010 إلى 1.2 مليون هكتار في 2014، لترتفع بداية 2020 إلى نحو 1.5 مليون هكتار.

كان انتاج الشعير أقل من 400 ألف طن في 2018 ليرتفع إلى 1.99 مليون في 2019 ليعتبر هذا الانتاج استثنائياً بتاريخ سورية، حتى قبل 2011 إذ إن الإنتاج في عامي 2010- 2011 لم يتعدَّ 680 ألف طن.

القطن

بلغت المساحة المزروعة 172 ألف هكتار في 2010 لكنها انخفضت إلى 72 ألف هكتار 2014، وانخفض الإنتاج من 472 ألف طن 2010 إلى 162 ألف طن في 2014،  لتنخفض المساحة أكثر إلى 32 ألف هكتار فقط أنتجت 120 ألف طن في 2020 بحسب مدير عام مؤسسة “حلج وتسويق الأقطان”، التابعة لوزارة الصناعة في الحكومة السورية “زاهر العتال”.

الشوندر السكري

انخفضت مساحة زراعة الشوندر السكري من 27 ألف هكتار 2010 إلى 1600 هكتار 2014 ومن إنتاج 149 ألف طن 2010 إلى 65 ألف طن 2014، إلى 10 آلاف طن فقط 2018 – 2019 – 2020، لتصل القضية إلى مناقشة توقيف هذه الزراعة الهامة حيث رفعت اللجنة الاقتصادية بداية 2020 توصية بإيقاف زراعة الشوندر نهائياً لمدة عامين.

وتراجعت المساحات المزروعة بالشوندر السكري خلال الأعوام الماضية، وباتت متركزة في حماة وريفها فقط، بسبب إحجام الفلاحين عن هذا المحصول، مع ارتفاع تكاليف إنتاجه والتي تصل إلى 32,500 ليرة للطن، مقارنة بسعر شرائه والبالغ 25 ليرة للكيلو (أي 25 ألف ليرة للطن)، ما دفعهم للانتقال إلى زراعات أخرى أقل تكلفة وأكثر ربحاً.

الزيتون

من 647 ألف هكتار بإنتاج 1.2 مليون طن في 2010، إلى 69 ألف هكتار تنتج 850 ألف طن في 2020.

الحمضيات

من 39.5 ألف هكتار بإنتاج نحو 1 مليون طن في 2010، إلى 43.8 ألف هكتار لكنها لم تنتج سوى 788 ألف طن في 2020،حيث تأثرت هذه الزراعة بصعوبة التصريف.

الحرائق أتت على 25% من مساحة الغابات السورية

ساهمت الحرائق المفتعلة والناتجة عن الظروف الجوية، إضافة إلى الحرب وضررها على الحقول والمزارعين، وتقلب العوامل الجوية وارتفاع تكاليف الزراعة وتشرذم البلاد، بانخفاض إنتاج معظم المحاصيل، وبحسب صحيفة (البعث) فقد “أحرقت الولايات المتحدة وحلفاؤها 85000 هكتار من الحبوب في عام 2019” وحده.

وبحسب موقع EFFIS الدولي لرصد الحرائق عبر الأقمار الصناعية: The European Forest Fire Information System، فإن المساحات المتضررة بالحرائق في سوريا خلال الفترة بين 2008-2018 وصلت إلى 130 ألف هكتار تقريباً، وهي نسبة 23- 25% من مساحات الغابات السورية، وفق تقديراتها الرسمية وتقديرات منظمة الفاو.

2020

ورصد مركز الإنذار المبكر والاستشعار عن بعد في لبنان بتاريخ 21 أيلول 2020 تقديراً لمجموع الحرائق السورية بالفترة بين 11 آب- 21 أيلول حيث بلغت 9000 هكتار من أراضي الغابات، الجزء الأكبر منها كان في محافظة حماة في مناطق الغاب ومصياف بحوالي 3970 هكتاراً تقريباً، ثم في مناطق متفرقة في اللاذقية بحدود 4000 هكتار تقريباً، أعلاها في الحفّة بمساحة: 2000 هكتار تقريباً، مع 400 هكتار في جسر الشغور، والباقي موزع في مناطق أخرى في تلكلخ في حمص وصافيتا والدريكيش القدموس في طرطوس، وهي بمجموعها أراض حراجية.

وفي تشرين الأول 2020، اندلعت حرائق واسعة في سوريا من جديد، طالت الكثير من الأراضي الزراعية في الساحل السوري ومحافظات أخرى، وحسب إحصاءات وزارة الزراعة فقد تضررت 252 قرية نتيجة الحرائق، بينما بلغ عدد الأشجار المثمرة المتضررة 2.1 مليون شجرة بين زيتون وحمضيات وتفاح.

وقال وزير الزراعة في الحكومة السورية “حسان قطنا” إن عدد الأشجار المقدر أنها ميتة بلغ 1.792 مليون شجرة، بنسبة 5% من عدد أشجار الزيتون والحمضيات، أما كمية الإنتاج المتضرر فبلغت 22.4 ألف طن من الزيتون وبنسبة 7% من متوسط الإنتاج في المحافظات المتضررة، و2.6 % من إنتاج البلاد.

وفي ذات شهر الحرائق، حذّرت منظمة (الفاو) من أن نحو 16 دولة من بينها سوريا مهددة بحدوث مجاعة نتيجة زيادة مستويات الجوع، كما حذّر برنامج الأغذية العالمية في الأمم المتّحدة من أن 2.2 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات عاجلة لأنهم يقفون على حافة الإنزلاق في الجوع والفقر.

وأشار البرنامج إلى أن الإحصاءات الأممية سجلت 9.3 مليون شخص في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في اتساع متسارع لدائرة الجوع والفقر، التي كانت محددة بـ 7.9 مليون شخص نهاية العام الماضي، وفي أواخر 2019 أشارت الأمم المتحدة إلى أنّ 83% من السوريين باتوا تحت خط الفقر.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.