ينهمك القصر الرئاسي في “جبهة الدعاية والإعلام والنشر” للتحضير لبروباغاندا جديدة تروّج للمرشح، الأسد، بأنه القائد الأصلح للمرحلة المقبلة.

فعلى الصعيد الإعلامي، التقى ب75 إعلامياً من الموالين؛ حيث سيتولى مكتبه الإعلامي بقيادة لونا الشبل، توجيههم حول الخطاب الذي عليهم تبنيه في هذه المرحلة. وصدر في الأشهر الأخيرة عدة كتب تتحدث عن الصمود ودور الأسد وثوابته المبدئية وقيادة البلاد وسط المحن، وأنه الأكثر كفاءة في فهم حاجات أمته وقضاياها.

وفي الوقت نفسه، يطلق حملة اعتقالات واسعة ضدّ المنتقدين لسياساته الاقتصادية والفساد، وبتهمٍ من نوع الخيانة العظمى والجرائم الإلكترونية ووهن نفسية الأمة وغيرها.

وقد أكْثَرَ الأسد من ظهوره إعلامياً في الأسابيع الأخيرة، حيث حضر إلى التكية السليمانية ومعرض “منتجون”، وزار مركز خدمة المواطن في دمشق، وقبلها حضر الاجتماع الدوري لوزارة الأوقاف وألقى كلمة مطولة، وأكثر من زياراته، هو وزوجته، إلى الساحل السوري المتضرر من حرائق الصيف الماضي، وقدم وعوداً بتعويض الخسائر، دون أن يصل المتضررين شيءٌ يذكر.

يحاول النظام إخراج انتخابات متقنة، يوحي بمشاركة الأكراد فيها، والنازحين في لبنان وسوريا، وشخصيات محسوبة على المعارضة؛ فهو يتفاوض مع الإدارة الذاتية في الشمال السوري لإدخال صناديق الاقتراع إلى مربعه الأمني في الحسكة، ويخطط لإقامة حفلات انتخابية في مناطق لبنانية وتشجيع اللاجئين على الانتخاب، مع وعود بمنحهم بطاقة عبور إلى الداخل السوري دون دفع الرسوم الجمركية (عبر تصريف 100 دولار)، ويفاوض الحكومة الأردنية لإدخال صناديق اقتراع إلى المخيمات، مع وعود بضبط الحدود أمام عناصر داعش وأمام المخدرات، وبإعطاء مزايا للشاحنات الأردنية العابرة إلى لبنان.

صحيحٌ أن فوز الأسد بنتائج انتخاباته، إن تمّت، مضمونٌ بغالبية ساحقة، كالعادة، حيث السيطرة الأمنية تضمن ذلك؛ لكن ما يريده الأسد وداعموه الروس هو إعطاء شرعية دولية وإقليمية لهذه الانتخابات.

فالانتخابات الرئاسية التي ستجري بين شهري أيار ونيسان المقبلين، ليست كانتخابات 2014، التي مددت للأسد سبع سنوات في الحكم، بل تختلف من حيث ظرفيتها؛ فالحل العسكري شبه متوقّف، مع تثبيت مناطق النفوذ وفق توازنات دولية وإقليمية، ما يصعب على الأسد إثبات أنه سيحكم كل سوريا.

الآن، تلاشى الانقسام الشعبي الحاد بين موالين متعصبين ومعارضين، بسبب تردي الوضع المعيشي في مناطق النظام، وتفشي الفساد، وظهور أثرياء الحرب الجدد، وهناك تخوف لدى النظام من مقاطعة شعبية للانتخابات، وفي مقابل ذلك أطلق ناشطون من درعا حملة مضادة بعنوان “لا شرعية للأسد وانتخاباته”، والتي تخاطب السوريين في مناطق النظام، وكذلك المجتمع الدولي والإقليمي والعربي.

يواجه الأسد إحراجاً في مناطق المصالحة؛ ففي درعا ظهرت خلايا مسلحة من مقاتلين سابقين، وتنامت مع انضمام شبان غاضبين إليها، بل توسع التمرد إلى ريفي القنيطرة ودمشق، ما دفع الأسد للتهديد بحملة عسكرية وتهجير المسلحين، أي حسم مسألة سيطرته على المنطقة قبل الانتخابات، فيما لا ثقة للأهالي بالوساطة الروسية والوعود بالكف عن ملاحقة المطلوبين للخدمة الإلزامية.

وفي السويداء، التي لا يسيطر عليها النظام كما يفعل في دمشق وريفها، بسبب الاعتبارات الطائفية والتواجد المسلح لحركة رجال الكرامة التي ترفض الالتحاق بالخدمة العسكرية، ويبدو أن الأسد اضطرّ للاعتذار بنفسه، قبيل انتخاباته، من شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، المعروف بولائه للنظام، بعد الإهانة التي تعرض لها من رئيس فرع الأمن العسكري.

ويواجه النظام، على الصعيد الدولي، مشكلة التحقيق في مجلس الأمن في 19 قضية تتعلق بالكيماوي السوري؛ ويواجه أيضاً التشدد الأميركي المستمر في عهد بايدن، حول تطبيق قانون قيصر، إلا إذا “غيّر سلوكه” وفقاً للشروط الأميركية حول تحجيم إيران في سوريا، والتوقف عن الاعتقالات، والعودة إلى القرارات الدولية، الأمور المرفوضة لدى النظام.

إذاً، الأسد يسابق الزمن لتمرير انتخاباته قبل اتضاح سياسات الرئيس الأميركي، جو بايدن، تجاه سوريا، أو أنه يعتقد أنّ إعادة انتخابه ستؤثر في تلك السياسات لتمرير اللاحل الروسي، أي إبقاء النظام على حاله، وإعادة سيطرته على شرقي الفرات وإدلب، وعودة العلاقات الدولية معه.

وعلى هذا بنى وزير خارجيته، فيصل المقداد، تصريحه بأن الانتخابات ستجري في موعدها بغض النظر عن نتائج اللجنة الدستورية، ويبدو أن وفد المعارضة سينسحب من اللجنة بسبب اقتناعه أخيراً بعدم جدواها.

وعلى ذلك، يركز النظام على تبييض صفحته أمام المجتمع الدولي لقبوله، من بوابه محاربة الإرهاب ممثلاً بتنظيم داعش، حيث يتصاعد نشاط التنظيم مؤخراً في البادية السورية الممتدة من تدمر إلى دير الزور إلى الضمير في ريف دمشق وحتى شرقي السويداء؛ رغم أنه بكل الأحوال، لا يملك، النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، أو ربما لا يسعون لامتلاك استراتيجية للقضاء على التنظيم فعلياً، خاصة أن تمدد التنظيم يخدم أجنداتهم، وقد سبق مراراً، أن وُجِّهت شكوكٌ حول علاقات النظام مع عناصر التنظيم المتواجدين في البادية.

وغير بعيد عن مسألة التحضير للانتخابات الرئاسية للنظام، تلك الرسائل التي رفعتها شخصيات عربية وعالمية ورجال دين مسيحيين وغيرهم، إلى قادة العالم في فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا، لرفع العقوبات الاقتصادية عن النظام، وإلغاء حزم قانون قيصر على وجه الخصوص، باعتبارها أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سوريا، وأنها عقاب جماعي وانتهاكات لحقوق الإنسان، مستندين في ذلك إلى تقرير ألينا دوهان، الخبيرة في مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

يبدو الأمر غريباً للمتابع، أن يتمكن الأسد من تمرير انتخاباته، رغم المجازر التي قام بها، ورغم الإدانة الدولية، ورغم الرفض الشعبي وتقلص حجم مؤيديه.

فيما تبدو حملته الانتخابية هذه شديدة الانفصال عن الواقع، خاصةً مع التردي الأخير لقيمة الليرة السورية بعد إصدار ورقة الخمسة آلاف ليرة، واضطراره، بطريقةٍ غريبة، إلى قرارات من قبيل تصدير المواد الغذائية الأساسية وفقدانها من الأسواق، للحصول على القطع الأجنبي، ومن قبيل التهديد باحتجاز ممتلكات ذوي المطلوبين للخدمة العسكرية، أو أن يدفعوا بدلاً بقيمة 8000 دولار.

بكل الأحوال، من المُبكّر التكهن بما سيحصل خلال الأسابيع القادمة قبل موعد الانتخابات؛ وقد يمرر النظام انتخاباته، ويستمر الوضع السوري في استنقاعه حتى ينضج الحل لدى الدول الفاعلة، وهنا يراهن النظام والروس على توافق صعب مع تل أبيب يدعم بقاءه في السلطة.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.