جَسُّ نبض إيراني لحكومة “بايدن” وصَرامةٌ أميركيّة ثابتة في الرَّد

جَسُّ نبض إيراني لحكومة “بايدن” وصَرامةٌ أميركيّة ثابتة في الرَّد

شَهِدت الأيام القليلة الماضية، لمْحة من لمحات العلاقة الأميركية الإيرانية المتوقعة خلال الفترة القادمة في الشرق الأوسط. العلاقة التي شهدت حرارة عالية أيام حكومة السيد ترامب، وبالأخص، من طرف واشنطن، تميل إلى التغيير النسبي مع وصول بايدن إلى السلطة، ومحاولة الإصلاحيين الصمود في سُدّة الحكومة في طهران بوجه تنمّر المحافظين الذين يجدون أن انتظار الانفتاح على واشنطن لا طائل منه.

اللمحة التي جاءت على شكل ضربةٍ دقيقة ومنضبطة ضد مواقع تابعة للمليشيات العراقية الموالية لإيران شرقيِّ سوريا، هي مؤشّرٌ على أن توقعات طهران بإن تكون حكومة بايدن مماثلة لحكومة أوباما، غير واقعية.

الإيرانيون، الذي بدأوا عن طريق حلفائهم غير العلنيين في العراق بعملية، من نوع ضرب مطار أربيل ببضعة صواريخ، كانوا يهدفون لجسّ نبض سادة القرار الجدد في واشنطن، والذين بدورهم يعتقدون أن الوصول إلى اتفاقٍ مع طهران حول ملفها النووي؛ أفضل بكثير من سلك الطرق الأخرى المكلفة على الأطراف كلها، والتي قد تُدخِل المنطقة في دوامة الصدامات والعقوبات والخلافات المستمرة.

جاءت الضربة الأميركية لتفسّر كيف أن الطرفان يحاولان تحييد الآخرين من حواراتهم الساخنة، فالجماعة التي نفذت الهجوم على مطار أربيل بنظر واشنطن هم أدوات إيرانية محلية في العراق ليس إلا.

إيران، التي تضغط كثيراً على الأوروبيين ورعاة الاتفاقية النووية التي انسحبت منها واشنطن بعهد ترامب، من خلال تجاوز التزاماتها، تستهدف زيادة الضغط على حكومة بايدن للعودة إلى الاتفاق بشكله الأولي.

إذ يعتبر الكثيرون أن العملية الأخيرة في أربيل هي جزء من تلك الآلية التي تهدف للضغط على واشنطن في أراض حليف محلي هو إقليم كردستان العراق. هذا كله، والظن في طهران أن بايدن سيعاملها مُعاملة أوباما الناعمة.

في المقلب الآخر، كانت الضربة الأميركية في شرقي سوريا، وضد جماعة عراقية، هي بحثياتها رسالة مفادها أن الرد سيكون حاضر على كل تجاوز إيراني، وفي أراض حليفٍ علني لها، أي حكومة دمشق.

واشنطن لم ترغب في وضع بغداد في موقفٍ صعب، وحاولت إبعادها عن لعبة تصفية الحسابات مع طهران فيما يبدو، ورغبت في نفس الوقت بالتعبير عن رفضها للتحركات الإيرانية في عموم الشرق الأوسط، أي ببساطة رفض تواجدها في سوريا.

الضربة الأميركية المُباشرة لمجموعة من الجنسية العراقية وعلى أراضٍ سوريّة وفي منطقة حدودية تبحث إيران على الحفاظ عليها، توضّح للجميع كيف تنظر واشنطن لإيران.

واشنطن التي تحاول العودة إلى الاتفاق النووي، تعلن من خلال ردها، عن رفضها لوجود جماعات مسلحة محلية موازية للجيش العراقي، وتبغض النفوذ الإيراني المُتنامي في سوريا، وتدرك مخاطر الرغبة الإيرانية في تعزيز وجودها على الحدود بين سورية والعراق، هذا ما دفع حكومة بايدن المُنشغلة بترتيب البيت الداخلي هذه الأيام للقيام بتلك الضربة المحدودة.

فقد دفعت إيران بتصرفاتها الأخيرة واشنطن للنظر إليها من باب العقاب وليس الحوار، هذا ما يفسره الكثيرون من المطلعين على الشأن الإيراني على كونه لهاث إيراني لإنهاء العقوبات القاسية عليها، والتي فيما تظهره السياقات السياسية أن واشنطن ليست في عجلة لرفعها، وتبحث في ذات الوقت عن مخرجٍ تقني وقانوني مُناسب لكافة الأطراف المرتبطة بدور إيران في المنطقة ككل.

الحاجة إلى الرد، هو في حد ذاته ضرورة لدى واشنطن التي تتحدث عن هدفها في إعادة تفعيل دورها في القضايا الدولية بعد انكماش حكومة ترامب على ذاتها في الأربع سنوات الماضية.

إيران بدورها تحاول تذكير الحكومة العراقية بوجود حلفائها، مع الحديث الصاعد في الشأن العر اقي عن رغبة حكومة الكاظمي بضبط السلاح ضمن مؤسسة الدفاع العراقية. الضبط البطيء حتى اللحظة عاجز عن وضع حد لتلك الانفلات.

هذا التمرد من مجموعة غير معروفة المصدر والهوية، هي في شيء منه رسالة عن تأكيد الوجود على الأرض العراقية من جهات محلية مسلحة مارقة بالتزامن مع  محاولة كافة الأطراف السياسية العراقية ترتيب أوراقها قبل الدخول في الانتخابات البرلمانية القادمة.

النتيجة المفهومة من الضربتين في أربيل وريف دير الزور، هي أن واشنطن رغم تغيير استراتيجيتها في التعامل مع ملف إيران؛ إلا أنها مُصرة على الرد العسكري على أي خطر قد تواجهه في الشرق الأوسط بغض النظر عن طبيعة الحكم هناك.

الضربة نفسها في ديرالزور توضّح كيف أن روسيا- الطرف الأقوى في الملف السوري من جهة دمشق- يهمّها تراجع الدور الإيراني، حيث اعترفت أنها تبلغت بالضربة قبل حدوثها، وهذا يعطي مؤشر جديد على كون موسكو ترغب أن يُختزل التفاوض على الملف السوري بينها وبين واشنطن، ويهمها التركيز أكثر على حصر الحوار القادم حول سوريا مع الغرب بين يديها.

الوجود الإيراني وحلفاء إيران في سوريا بعد انتهاء جل المعارك هناك، هي معوق من معوقات حرية الحركة للدبلوماسية الروسية. حاولت واشنطن أيضاً تقديم بعض من الطمأنينة لتل أبيب والدول الخليجية القلقة من طريقة واشنطن القادمة في تعاملها مع الملف الإيراني.

ضربة أربيل التي استهدفت واشنطن، وعكّرت صفو الاستقرار في الإقليم الهادئ، لم تكن إيران وحلفائها العراقيين يتوقّعون من واشنطن الرد العسكري في سوريا عليها، ففريق بايدن في واشنطن لم يكن يريد الدخول في صدامٍ مباشر ضد حلفاء طهران في هذه الفترة الأولى من حكم بايدن.

التصادم الجديد، سيدفع الطرفين للبحث عن تسريع ملف الدخول في التفاوض حول جلّ الملفات العالقة في المنطقة، فواشنطن ستبحث في قضية توسيع ملف التفاوض ليكون أبعد من مجرد ردع طهران عن التطور النووي، وستكون لضربة أربيل، دور في تراجع الدول الأوروبية بلعب دور الوسيط بين الطرفين مع ازدياد شكوكها من تصرفات طهران.

إيران بدورها ستراجع خطواتها وستحاول الابتعاد أكثر عما كانت تعتقده مجرد تحرش، وستوقف تحرشاتها، إلا إذا كان الفريق الراديكالي في قيادة طهران يرغب في زيادة حرارة المواجهة، ولا يناسبه التوصل إلى اتفاق مع واشنطن، كل ذلك قد يكون له دور في تعزيز دور الإصلاحيين خلال الانتخابات القادمة في البلاد التي أنهكتها العقوبات الأميركية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.