التقارب التركي-المصري: هل يتخلّى أردوغان عن دعم الإخوان المسلمين في المنطقة إرضاءً للقاهرة؟

التقارب التركي-المصري: هل يتخلّى أردوغان عن دعم الإخوان المسلمين في المنطقة إرضاءً للقاهرة؟

على مدار أكثر من سبع سنوات، وبالتحديد منذ عام 2013، تاريخ سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في #مصر، لم يتوقف الرئيس التركي رجب طيب #أردوغان عن توجيه الانتقادات للحكومة المصرية، والهجوم على الرئيس المصري عبد الفتاح #السيسي.

ومع التغيير الذى شهدته الإدارة الأميركية، ووصول الرئيس #جو_بايدن لحكم البيت الأبيض، بدأت كثير من العواصم بمراجعة سياساتها، وعلى رأسها #أنقرة، التي يبدو أنها تحضّر لانقلاب شامل في علاقاتها مع #القاهرة. ففاجأ أردوغان الجميع بخطاب تصالحي تجاه مصر، قال فيه إن «التعاون التركي-المصري، في مجالات الاقتصاد والدبلوماسية والاستخبارات، مستمر، ولا توجد أي مشكلة فيه».

كما أعلن “مولود جاويش أوغلو”، وزير الخارجية التركي، أن لدى أنقرة «اتصالات مع مصر، سواء عبر الاستخبارات أو الخارجية». فيما دخل “خلوصي آكار”، وزير الدفاع التركي، ورجل أردوغان القوي، إلى خط المصالحة، قائلاً إن «أنقرة على وشك إعادة الاصطفاف مع القاهرة». مضيفاً: «لدينا عديد من القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر، وتتطلع #تركيا إلى اتفاق متوسطي مع القاهرة، لإضعاف العلاقات المصرية مع اليونان».

الرد المصري على التودد التركي لم يتأخر كثيراً، فقد أكد وزير الخارجية المصري “سامح شكري” أن «المواقف السلبية للساسة الأتراك لا تعكس العلاقة بين الشعبين المصري والتركي».

وأوضح “شكري” أنه «إذا وجدت مصر تغيّراً في السياسة التركية، وعزفت أنقرة عن التدخل في شؤوننا الداخلية، وانتهجت سياسات إقليمية تتوافق مع السياسة المصرية، فقد تكون هذه أرضية ومنطلقاً للعلاقات الطبيعية بين البلدين».

واعتبر الوزير المصري أن «الأقوال الصادرة عن الساسة في أنقرة، بشأن فتح قنوات حوار مع القاهرة، لا تكفي، بل لا بد أن تقترن بأفعال».

وبحسب مراقبين فإن التودد التركي لمصر، ومحاولة أردوغان فتح صفحة جديدة مع السيسي، ناتجة «عن حالة العزلة التي يعانيها الرئيس التركي، بعد تغيّر الإدارة الأمريكية».

كما أن التقارب التركي مع مصر، إن تم، سيكون له تداعيات على أزمات المنطقة، مثل الأزمتين السورية والليبية، وسيؤثر على مصير جماعة الإخوان المسلمين، التي تصنّفها القاهرة جماعةً إرهابية، في حين تُعتبر أنقرة الداعم الأكبر لها.

وكشف تحليل لوكالة “VOA” الأميركية أن «أنقرة أدركت أن عودة الإخوان إلى السلطة في مصر مستحيلة، وأن الجماعة باتت من الماضي، وبالتالي حان الوقت للتخلّص من إرثها»، إلى أن بعض المراقبين يشككون بهذا التحليل.

 

الهدف واشنطن

“أنس مامامش”، الخبير الأرميني المتخصص في الشؤون التركية، يرى أنه «بعد وصول جو بايدن للرئاسة الأميركية انتظرت حكومة أنقرة اتصالاً أو مكالمة من #واشنطن، لكن هذه المكالمة لم تأت حتى الآن، رغم أن بايدن أجرى سلسلة اتصالات مع رؤساء كثير من الدول».

وأكد “ماماش” لـ«الحل نت» أن «عدم اتصال بايدن بأردوغان إشارة واضحة  لعدم رضا واشنطن على حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا»، مشيراً إلى أن أنقرة «تعرف تماماً أنها لا تستطيع الاستغناء عن أميركا، ولذا تريد التودد لها، عن طريق إجراء بعض التغيير على سياستها الخارجية».

ويري خبير الشؤون التركية أن هدف أنقرة من التودد للقاهرة والخليج هو «فتح طريق أمام التقارب بين أنقرة ودمشق، برعاية عربية. كما تريد تركيا ترسيم الحدود البحرية مع مصر، مثلما فعلت مع #ليبيا، وتسعي لسحب القاهرة من اتفاقية التنقيب عن الغاز، التي وقعتها مع اليونان».

وحول مستقبل الكُرد في سوريا، في ظل التودد التركي للقاهرة، أكد “ماماش” أن «أنقرة لا تستطيع مواجهة الكُرد، بسبب الدعم الأميركي الكبير لهم، واعتبارهم حلفاء استراتيجيين لواشنطن»، لافتاً إلى أنه في حال عودة العلاقات بين واشنطن وأنقرة، فإن أميركا «قد تجمع تركيا مع الكُرد على مائدة تفاوض، لأن الحرب، التي تدور بين الحين والآخر، بين الكُرد وأنقرة، تؤثر سلبياً على المصالح الأميركية، الساعية لمحاصرة إيران».

 

إعادة تموضع

من جانبه يري المحلل سياسي الإماراتي “د.سالم الكتبي” أن «خطاب أنقرة التصالحي تجاه القاهرة ليس سوى إعادة للتموضع الاستراتيجي لتركيا، بعد التغير الحاصل في الإدارة الأميركية، واحتمالات فرضها عقوبات، تؤثر على الوضع الاقتصادي المتدهور في تركيا».

وأضاف “الكتبي”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أن «التحوّل في الخطاب التركي يُرجّح أيضاً الوزن الاستراتيجي القوي لمصر، وقدرتها على إزعاج تركيا، التي لا تريد الصدام المباشر مع القوة العسكرية المصرية، كما ظهر واضحاً عندما أوقفت تحرك ميلشياتها بليبيا نحو الشرق، بعد تهديدات مصر».

ويختم المحلل السياسي الإماراتي حديثه بالقول: «الأمر في النهاية يتعلّق بالمصالح السياسية وليس المبادئ، فسواءً كانت التحركات التركية هروباً أو تراجعاً أو تغييراً في التكتيكات، فمبدأ المصلحة البراغماتية يفرض نفسه دائماً، وكل الاطراف ذكية بما فيه الكفاية لتفرض شروطها وتراعي مصالحها، وسط التحولات الجديدة في المنطقة».

 

زواج كاثوليكي

“د.هشام النجار”، الباحث المصري في شؤون الجماعات الإسلامية، اعتبر أن «التودد التركي لمصر يتعلّق بالوضع الداخلي التركي، لأن أردوغان مقدم على أهم انتخابات بالنسبة له، وهو يتوخى كل السبل لربحها، فهي التي ستوصله إلى تعديل الدستور التركي لمصلحته، وحظر “حزب الشعوب الديمقراطي”، ما سيؤمّن له الانفراد الكامل والأبدي بالسلطة».

وأوضح “النجار” لـ«الحل نت» أن «رغبة أردوغان في الانفراد الكامل بالسلطة تواجه عقبة نشاط المعارضة التركية الملحوظ، التي وظّفت فشل أردوغان الذريع، في ملف شرق المتوسط، للدعاية ضده، مروجةً أن سبب هذا الفشل هو إعلان العداء للدولة المصرية، وتبنّي جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك يحاول أردوغان وحزبه الهرب للأمام، بإعلان سعيه للتقارب من مصر، لامتصاص هجوم المعارضة واحتوائه».

وبحسب الباحث المصري فإن هذه المحاولات تنطوي على «رغبة أردوغان المحمومة في إفساد التحالف المتوسطي الجديد، الذي حقق حضوراً وانتعاشاً على المستوى الدولي، وتمثّل في “منتدى غاز شرق المتوسط”، الذي تلعب فيه مصر دور المركز. ويخطط أردوغان لإحداث تفاهم وتقارب مع مصر، يُبعد القاهرة عن #أثينا، ويسهم في تحقيق الأطماع التركية في المتوسط، على حساب #اليونان وقبرص».

وأشار إلى أن «الردود المصرية، المقتضبة والواضحة، تحرص على أمرين رئيسيين: الأول دفع تركيا للتنازل في الملفات العالقة بين البلدين، وهي معروفة للجميع، وأهمها ملف جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من التنظيمات الإسلامية، وملف التدخل التركي العسكري، المباشر وغير المباشر، في عدد من الدول العربية، وخاصةً ليبيا؛ والأمر الثاني احترام القانون الدولي، بمعنى أن أي تقارب لن يكون على حساب دول الجوار، الحليفة والصديقة لمصر، مثل اليونان، بل لابد وأن تكون هذه الدول حاضرة، بمصالحها وحقوقها، في أي تفاهم تدعو له أنقرة».

ولدى سؤاله عن مدى تأثّر علاقة أردوغان مع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في حال نجح التقارب مع مصر، أكد خبير الجماعات الإسلامية أن «علاقة أردوغان ونظامه بجماعة الإخوان علاقة متجذّرة، وهي أهم أركان مشروع أردوغان وحزبه خلال العقد الأخير، والمحرّك لسياساته وأطماعه في كل ملفات المنطقة. ومعنى الانفصال عن الإخوان أن ينهي كل مشاريعه، وأن يحكم على كل إجراء خارجي اتخذه بالفشل، والاعتراف بهزيمته في كل الملفات، متراجعاً، في الداخل والخارج، كثيراً من الخطوات، وهذا ما لن يفعله أردوغان بالتأكيد،  فالعلاقة بين الإخوان والرئيس التركي أشبه بزواج كاثوليكي، لا طلاق فيه».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.