تزايد حالات الانتحار في السويداء: من يتحمل مسؤولية مقتل عشرات المواطنين بالسلاح المنفلت؟

تزايد حالات الانتحار في السويداء: من يتحمل مسؤولية مقتل عشرات المواطنين بالسلاح المنفلت؟

لم تكن حوادث الانتحار مألوفة في محافظة #السويداء قبل العام 2011، فنادراً ما كانت تقع في مجتمع متماسك، تحكمه منظومة من العادات والتقاليد، لكن ما عصف بالبلاد من حروب وقتل وفقر وتشريد، أدى إلى لجوء كثير من الموطنين، ومنهم نساء وشباب يافعون، بل وحتى أطفال، إلى إنهاء حياتهم، فكانت حصيلة عمليات الانتحار في السويداء كبيرة قياساً بباقي المحافظات.

في شتاء العام 2019، وعند الساعة الرابعة فجراً، أقدم شابان على تفجير نفسيهما بواسطة قنبلتين، في حديقة “الفيحاء” بمدينة السويداء، تاركين تسجيلاً مصوراً عن الأسباب التي دفعتهما للإقدام على الانتحار، فالشاب الأول كان طفلاً يتيماً، تربى مع شقيقته الوحيدة في دار للرعاية الاجتماعية، والثاني كان لا يستطيع تحقيق الاستقلال المادي، وما يزال مقيماً في منزل عائلته. وكانت آثار المخدرات والسكر بادية على الشابين وهما يودعان ما تبقى لهما من أهل.

هذه الحادثة، التي هزّت المجتمع المحلي، لم تكن فريدة من نوعها، ولكنها أكثر الحوادث درامية، وأدت لجعل قضية الانتحار الشغل الشاغل لكثير من المهتمين بالشأن الاجتماعي في المحافظة.

 

قتل لا انتحار

الناشط المدني “عماد. ع”، العامل بأكثر من منظمة مدنية في المنطقة، يؤكد لموقع «الحل نت» أنه « لا يمضي شهر في السويداء دون حدوث حالة انتحار، كثير منها باستعمال السلاح، الذي بات موجوداً في كل بيت بالمحافظة، إضافة للانتحار شنقاً».

ويستدرك بالقول: «إلا أن هناك أشخاصاً قُتلوا عمداً، وادعى أهلهم أنهم قضوا انتحاراً، لوقاية الفاعلين الحقيقيين من الملاحقة القضائية، كما جرى مع أكثر من سيدة وفتاة في المحافظة، تم قتلهن لأسباب تتعلق بالميراث، أو الاتهام بتدنيس شرف العائلة».

وأشار الناشط المحلي إلى أن «الجهات القضائية والشرطية اتبعت سياسة التجاهل المتعمّد لهذه الحوادث، وتركت الحلول للمجتمع المحلي والقضاء العشائري، ما أفسح المجال أمام حالة من الفوضى، راح ضحيتها كثير من المواطنين».

 

«خطأ في استعمال السلاح»

واذا كان الانتحار أهون، بالنسبة للمجتمع المحلي، من الموت لأسباب تتعلق بالشرف، إلا أنه يبقى أمراً مرفوضاً من الناحية الاجتماعية والدينية، ولذلك يدّعي بعض الأهالي أن أبناءهم المنتحرين قضوا نتيجة «خطأ في استخدام السلاح، والتدرّب عليه». الشيخ “عبد الوهاب أبو فخر”، مستشار الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، يبيّن لموقع «الحل نت» الموقف الديني من المسألة: «الانتحار قتل عمد للنفس، التي حرّم الله قتلها، ولذلك لا يُصلى على جثمان المنتحر، ولا يقام له مجلس عزاء. وعليه تسجّل غالبية حوادث الانتحار في ضبوط الشرطة، على أنها خطأ في استعمال السلاح، في حال كان الشخص قد قتل نفسه ببندقية حربية أو مسدس أو حتى قنبلة».

ووثق الناشطون  المحليون انتحار ثلاثة عشر مواطناً خلال العام 2019، بينهم ثلاث سيدات، فيما لقي ستة مدنيين، في العام نفسه، مصرعهم في ظروف مختلفة، إثر أخطاء في استخدام السلاح، كما ادعت عائلاتهم أمام الشرطة. ومن هذه الحوادث مقتل امرأة برصاصة بندقية داخل حمام منزلها، ادعى زوجها أنها انتحرت، نتيجة معاناتها من مرض نفسي.

وشهد العام الماضي انتحار اثني عشر شخصاً، غالبيتهم من الشباب، في حين انتحر خمسة أشخاص في العام الجاري، بينهم يافعان، لا يتجاوز سن أولهما سبعة عشر عاماً، انتحر بقنبلة يدوية؛ وثانيهما في الثالثة عشر من العمر، انهى حياته بشنق نفسه في منزل عائلته.

ووفق تقرير #منظمة_الصحة_العالمية فإن «الانتحار يعتبر من القضايا المعقدة، وبالتالي تتطلب جهود الوقاية منه التنسيق والتعاون بين قطاعات المجتمع، بما في ذلك قطاع الصحة والتعليم والعمل والزراعة والعدل والقانون والدفاع والسياسة والإعلام».

وتؤكد المنظمة أنه «ينبغي أن تكون هذه الجهود شاملة ومتكاملة، فلا يمكن لأي نهج أن يؤثر بمفرده على قضية معقدة، مثل قضية الانتحار».

 

من المسؤول عن مقتل هذه الأرواح؟

المرشد النفسي “عبد الله. ج” يحاول الإجابة على هذا السؤال بالقول: «الانتحار يتم نتيجة حالة تراكمية، تجعل من الشخص قابلاً لارتكاب أي خطوة تنهي حياته الكئيبة، غير مبال بكل القيم والمعتقدات. والانتحار في السويداء لم يكن حالة مألوفة، لكن سنوات الحرب الطويلة غيّرت المفاهيم والواقع بشكل كامل، فقد اصطدم الشباب بقضايا شائكة، حطّمت آمالهم بالحياة، مثل التجنيد الإجباري، والالتحاق لسنوات طويلة بالخدمة العسكرية، دون أي أمل بالتسريح، ما جعل كثيراً منهم يعتكفون بمنازلهم، دون عمل أو دراسة، ومنهم من اتبع طرقاً ملتوية، بعد أن حاصرهم الجوع والبطالة، مثل الانضمام للميلشيات والعصابات الإجرامية المنتشرة في المحافظة».

ويضيف المرشد النفسي، الذي فضّل عدم ذكر اسمه الكامل، أن «ما جرى في محافظة السويداء من فوضى عارمة كان دافعاً وراء حالات القتل والانتحار»، مشيراً، في إفادته لموقع «الحل نت»، إلى أن «انتشار السلاح العشوائي بيد جميع أفراد المجتمع، بحجة الدفاع عن النفس، كان وراء غالبية حالات الانتحار، فقد تضافرت المشاكل النفسية مع الحالة المعيشية لتجعل السلاح المنفلت يسيل أنهاراً من الدم»، حسب تعبيره.

وأكد أن «غالبية العائلات تدرّبت على استعمال السلاح، وهذا شمل النساء والفتيات، كي يستطعن الدفاع عن أنفسهن، في حال هجوم جديد من تنظيم #داعش مثلاً، لكن النتائج كانت وخيمة، فقد استسهل الجميع استعمال السلاح وحمله، بمناسبة ودون مناسبة».

ورغم أهمية العلاج النفسي للوقاية من الانتحار، إلا أن “عبد الله. ج” لا يرى أنه حلٌ كافٍ، إذا لم يترافق مع «حملة لجمع السلاح ومصادرته؛ وتحسين الأحوال المعيشية؛ ودعم الأسر بمشاريع اقتصادية، تنتشل الشباب من عزلتهم؛ وقوانين توقف جرائم الشرف بحق النساء، وتغلّظ عقوبتها، وتهيء للشباب الانطلاق في حياتهم، وتنهي ملاحقتهم أمنياً. وكل هذا يتوقف على إيجاد حل سياسي للمسألة السورية عموماً، وإقامة نظام أكثر عدالة، قادر على تحقيق السلم المجتمعي».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.