نهب وتخريب الإرث الحضاري السوري: هل أصبحت تركيا الوسيط الأساسي لتجارة الآثار السورية حول العالم؟

نهب وتخريب الإرث الحضاري السوري: هل أصبحت تركيا الوسيط الأساسي لتجارة الآثار السورية حول العالم؟

تزخر كافة مناطق سوريا بآثار وتحف ذات قيمة تاريخية وثقافية عالية، وأدت #الأزمة_السورية إلى تهريب كم كبير من هذه الكنوز، وبيعها بأثمان بخسة، عبر شبكات التهريب الدولية، المتعاملة مع الميلشيات المسيطرة على الأرض، وبعض المواطنين.

وبعد السيطرة التركية على مناطق شاسعة في الشمال السوري، بمساندة فصائل المعارضة الموالية لها، باتت آثار المنطقة عرضة للنهب والدمار والسرقة، وازداد نشاط شبكات التهريب بشكل كبير، تحت أنظار القوى المسيطرة على المنطقة.

وباتت مناطق الشمال السوري تشهد عمليات تنقيب علنية عن الآثار، وبيعها لوسطاء وسماسرة بثمن بخس، يتراوح بين مئة إلى ألف دولار للقطعة الواحدة، قبل أن يتضاعف سعرها مئات المرات، بعد عبورها للحدود التركية، ووصولها إلى مزادات بيع الآثار في أوروبا، بحسب ما أفادت مصادر محلية لموقع «الحل نت».

وأكدت المصادر «تزايد عمليات التنقيب عن الآثار وتهريبها، خلال الآونة الأخيرة، خاصة في مناطق محافظة #إدلب، بمشاركة بعض الضباط الأتراك، وعصابات محلية، لها ارتباطات وثيقة بمافيات تهريب الآثار، التي ينشط معظمها في جنوب تركيا، قرب الحدود السورية. ويستغلّ الضباط الأتراك، المتورطون بتجارة الآثار، طبيعة عملهم، التي تقيهم من التفتيش لدى التنقّل عبر الحدود السورية-التركية، خاصةً إذا كانوا يرافقون الأرتال العسكرية، وسيارات إدخال المؤن، وحافلات نقل الجنود».

مضيفةً أن «عناصر من #هيئة_تحرير_الشام يقومون باستخدام الجرافات للتنقيب عن الآثار، في الأراضي العامة والخاصة والبيوت الأثرية، ضمن مناطق سيطرتهم في إدلب، متذرّعين بامتلاكهم تصاريح وموافقات للحفر، ثم يقومون بتهريب الآثار المسروقة إلى تركيا».

وفي السياق نفسه نقل “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، عن مصادر وصفها بالموثوقة، أنباءً عن «تواجد ضباط أتراك في محافظة إدلب، يعملون في تجارة الآثار السورية، ونقلها لصالح جهات مجهولة. وقيام المخابرات التركية باعتقال ضابط تركي في نقطة “المسطومة”، في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، كان يشارك في عملية تهريب آثار من سوريا إلى #تركيا، باستخدام سيارات “الترفيق”، التي تتنقل مع الأرتال التركية».

وسبق هذا بأشهر «إلقاء القبض على مجموعة أخرى من ضباط وجنود قوات حرس الحدود التركية، لتورّطها بالتهريب أيضاً»، وفقاً للمرصد الحقوقي.

وعلى الرغم مما تعلن عنه وسائل الإعلام تركية من أخبار دورية، حول إيقاف مهربيّ الآثار السورية، إلا أن الكمية المضبوطة قليلة جداً بالمقارنة بكم القطع الأثرية، التي يتم نهبها وإيصالها لدول أوروبا، بغية بيعها بمبالغ خيالية، أو القطع الأخرى، التي ماتزال متواجدة داخل تركيا، بانتظار ارتفاع سعرها مجدداً، بعد الركود الأخير في عمليات البيع والشراء، نتيجة التأثر بجائحة #كورونا، والقيود المفروضة لمواجهتها في عموم البلاد.

 

أساليب التهريب وطرقه

“ناصر”، اسم مستعار لأحد تجار الآثار المحليين في إدلب، أوضح لـ«الحل نت» أن «عملية بيع الآثار تتم من خلال وسطاء، لهم علاقات وثيقة بتجّار الداخل السوري، الذين يقومون بتهريب القطع سواء إلى تركيا أو #لبنان، لبيعها لتُجّار آثار أوربيين، أو من الخليج العربي أحياناً».

وأضاف أن «عمليات التنقيب، التي يقوم بها الأفراد العاديون، تتم بأساليب تقليدية، مثل الأجهزة الكاشفة للمعادن، والتي تستخدم للكشف عن الألغام في الوقت ذاته. والحفر يتم بالأدوات الاعتيادية مثل الفأس والرفش».

وعن نوع القطع الأثرية المستخرجة يقول التاجر: «أغلب القطع عبارة عن عملات أثرية، مصنوعة من المعادن، فبعضها نحاسي والآخر ذهبي، إلى جانب قطع أخرى مصنوعة من الزجاج وغيره. وتقيّم القطعة حسب نوعها وجماليتها والحقبة التي تعود إليها، فيبدأ سعرها من مئة دولار، وصولاً إلى مليون دولار للقطعة الواحدة». متحدثاً عن «بيع عملة ذهبية، بقيمة مئة مليون دولار، بعد تهريبها إلى ولاية أورفا التركية، مطلع هذا العام».

وعن كيفية تمييز القطع الحقيقة عن المزوّرة أجاب أن «خبرة التاجر، التي يكتسبها خلال ممارسته الطويلة في هذا المجال، تمكّنه من معرفة القطع الأصلية، ذات القيمة العالية، ويوجد تُجّار لديهم معرفة أثرية كبيرة، لأن المنطقة شهدت دوماً عمليات تنقيب غير شرعية، حتى في الفترة السابقة لاندلاع #الحرب_السورية، إلا أنها كانت تتم خلال ساعات الليل فقط، وفي أماكن غير مكشوفة للسكان، أما الآن فقد باتت أمراً اعتيادياً، يتم في وضح النهار، وعلى مرأى من الجميع، بل وتقوم القوى المسيطرة على المنطقة، على اختلافها (القوات النظامية، هيئة تحرير الشام، القوات التركية) بالتنقيب عن الآثار أيضاً، مستخدمة أحدث وسائل الحفر والتنقيب».

“خالد”، وهو مواطن من أهالي قرية “دير سيتا” شمالي إدلب، يحوز على  قطعة أثرية، واكتفى بذكر اسمه الأول، أكد لـ«الحل نت» أنه «تلقّى عروضاً لبيع القطعة، التي عثر عليها خلال عمليات التنقيب في قريته، إلا أن البعض نصحه بعدم بيعها إلا داخل تركيا، حيث يوجد تُجّار يدفعون مبالغ أكبر»، وفق قوله.

 

دور داعش والفصائل المتشددة

وسبق أن وثَّق نشطاء سوريون في الداخل عمليات نهب وتدمير الآثار السورية في شمال وشرق وغرب سوريا، بمئات الصور ومقاطع الفيديو، وفي تقرير نُشر أواخر شهر أكتوبر/تشرين الثاني 2020، أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن «تركيا لم تكتفِ بنهب وسرقة الآثار والشواهد الحضارية، من المناطق السورية التي احتلتها، بل حتى الآثار التي سرقها تنظيم #داعش، وغيره من التنظيمات المتشددة، التي سيطرت على بعض المناطق لفترات متفاوتة، وكانت تبيع الآثار داخل الأراضي التركية، وعلى مرأى وعلم مخابراتها».

وكانت صحيفة “ذا إندبندنت” البريطانية قالت في تقرير لها، نشرته في السادس والعشرين من نيسان/إبريل 2015، إن «تنظيم داعش يعتمد بشكل رئيسي على الإتجار غير الشرعي بالآثار السورية والعراقية، التي يقوم بسرقتها وتهريبها إلى أوروبا عبر تركيا، ويعدّ هذا مصدراً أساسياً لتمويله».

وأشارت الصحيفة حينها إلى أن «القطع الأثرية تُنقل من سوريا إلى الموانئ في مدن مرسين وأنطاليا وأزمير التركية، ليتم نقلها لاحقاً إلى أوروبا، حيث يقوم التُجّار بتزوير وثائق استيرادها، وبيعها بأسعار باهظة».

الناشط (م.ق)، من مدينة #تل_أبيض، تحدّث للموقع عن «عمليات التنقيب عن الآثار في ريف المدينة، التي تحتلها تركيا والفصائل السورية الموالية لها، ومن بينها موقع “كفيفة” الأثري»، مشيراً إلى أن «المخابرات التركية، والفصائل السورية المسلّحة الموالية لها، تقوم بسرقة التاريخ السوري، وبيعه  في سوق تجارة الآثار داخل تركيا»، وفق تعبيره.

شهود عيان، التقى بهم «الحل نت» من منطقة #عفرين والنواحي التابعة لها، وجهوا أصابع الاتهام لأفراد يتبعون لفصيلي “السلطان مراد” وفرقة #الحمزات، مؤكدين أنهم «يقومون بالتنقيب عن الآثار علانية، باستخدام جرافات وآليات ثقيلة، في منطقة التلال الأثرية الواقعة بسهل عفرين، دون حسيب أو رقيب، إذ يقومون على الفور باعتقال أي شخص يتجرّأ على معارضتهم أو انتقادهم».

 

موقع “فيس بوك” بات سوقاً لبيع الآثار

وفي تحقيق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية “BBC”، في أيار/مايو 2019، ورد أن «عملية تجارة الآثار تتم عبر  مئات من المجموعات على موقع “فيس بوك”، التي يتبادل أعضاؤها معلومات حول كيفية حفر المواقع الأثرية، وفي بعض الأحيان تنشر عليها “طلبات نهب” خاصة، للتنقيب عن آثار معينة وتهريبها إلى الأراضي التركية».

ووفق التحقيق فإن «تركيا ليست المحطة الأخيرة للتهريب، لكنه من غير المعلوم أين ستصل هذه القطع الأثرية، التي ستختفي عن الأنظار غالباً».

والتقى «الحل نت» شاباً سورياً يقيم في مدينة أنطاكية التركية، يحضر الاجتماعات التي يعقدها وسطاء بيع الآثار، قال إنه «اطلع على صور لآثار، وصلته من بائعين في سوريا، خلال الشهر الفائت، إلى جانب مئات الصور الأخرى لقطع أثرية، منها الحقيقي ومنها المزور».

وأشار الشاب، الذي فضّل  عدم الإفصاح عن اسمه، أن «مهربي الآثار يعمدون مؤخراً إلى إنشاء مجموعات مغلقة على موقع “فيس بوك”، هدفها التشبيك والتواصل وليس العرض، إذ باتوا  يلجؤون إلى المحادثات الخاصة، للتفاوض على الأسعار، وبيان تفاصيل ومميزات الآثار المهربة».

وعن هوية التُجّار الذين يشترون الآثار السورية أكد أن «غالبيتهم أوروبيون، من #ألمانيا واليونان وفرنسا، إلى جانب تُجّار روس وإيرانيين، كما يوجد تُجّار عرب من منطقة الخليج خصوصاً، وأخيراً جاءنا تُجّار من #الأردن إلى أنطاكيا، وكشفوا عن بضاعة فيها مخطوطات وعملات وفسيفساء رومانية وبيزنطية».

 

تخريب متعمّد للتراث

المتخصّص في علم الآثار “جمال الحسن”، المقيم حالياً في العاصمة الألمانية #برلين، يقول لـ«الحل نت» إن «المواقع الأثرية السورية كانت عرضة للنهب من جميع الأطراف المتصارعة في البلاد، إضافةً إلى لصوص الآثار، الذين استغلّوا حالة الانفلات الأمني، في حين تتبادل #الحكومة_السورية والمعارضة الاتهامات حول نهب آثار سوريا، وبيعها في السوق السوداء».

ويضيف: «المسألة لا تقتصر فقط على التهريب، فهناك تخريب متعمّد للتراث، كما يحدث في منطقة عفرين؛ فضلاً عن تحويل المناطق الأثرية إلى مواقع عسكرية، كما يحصل في محافظة #دير_الزور من قبل المليشيات الإيرانية؛ وعمليات الحفر العشوائي، بقصد سرقة الآثار، وهذا يؤدي إلى فقدان جزء من تاريخ وإرث سوريا».

وكان “محمود حمود”، المدير العام لهيئة الآثار والمتاحف، التابعة للحكومة السورية، قد اتهم تركيا في وقت سابق بـ«تخريب المواقع والآثار التاريخية، في كل من #حلب وإدلب».

وقال “حمود” إن «تركيا لعبت دوراً كبيراً في التخريب، الذى تعرّضت له المواقع الأثرية، في المناطق التي تقع تحت سيطرتها وسيطرة الجماعات التابعة لها».

وأوضح “حمود” أن «أنقرة وفّرت التغطية والحماية، لعناصر تابعين لها، في عمليات التدمير الممنهج للآثار السورية، وعمليات التنقيب العشوائي، بل وشاركت في ذلك بشكل مباشر». مؤكداً أنه «تم توثيق قيام الجيش التركي بتدمير الآثار السورية، في تلال عفرين شمالي حلب، بالآليات الثقيلة، أثناء البحث عن الكنوز والتماثيل الأثرية».

وأشار المسؤول السوري إلى أن «السلطات التركية صادرت أكثر من ثلاثين ألف قطعة أثرية، ورفضت إعادتها إلى سوريا، على الرغم من كل المطالبات والشكاوى التي قدمناها  للمؤسسات والمنظمات الدولية المعنية».

ولا توجد تقديرات رسمية لكمية الآثار، التي تم تهريبها ونهبها من سوريا، لكن منظمة #يونسكو تُقدّر أن قيمة الممتلكات الثقافية، التي خضعت للإتّجار غير المشروع، والتي تعتبر من مصادر الدخل الرئيسية للإجرام المنظّم في سوريا والعراق، تبلغ بين سبعة إلى خمسة عشر مليار دولار سنوياً، وذلك على الرغم من إصدار تحذيرات عديدة من مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (FBI)، في عام 2015، حول انتعاش تجارة الآثار في سوريا، نتيجة تفاقم الصراع فيها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة