يعتبر الحق في الجنسية أصل لكل الحقوق وأساس للتمتع بها، فعديم الجنسية الذي لا تعتبره أي دولة مواطناً بموجب قانونها لا يمكن له أن يتعلم أو أن يعمل ولا يحق له السفر ويمكن أن يكون عرضة لخطر الاستغلال والاتجار البشري.

بالرغم من ادعاء الحكومة السورية أنها تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمساواة بين الرجال والنساء وبمنحها الجنسية لأبنائها دون تمييز، إلا أن هذا الادعاء لا أساس له على أرض الواقع، والقوانين والمراسيم التشريعية تبين ذلك.

الدستور السوري وقانون الجنسية

رغم نص الدستور السوري على وجوب أن يتساوى المواطنون في الحقوق والواجبات دون تمييز بينهم على أساس الجنس، إلا أن هذا مجرد كلام نظري غير مطبق، حيث لم تكن هناك أية إصلاحات قانونية لتحديث القوانين التمييزية الحالية لتتماشى مع الدستور.

لا يزال قانون الجنسية السوري لعام 1969 ساري المفعول ولا يزال يتبع تمييزاً قائماً على النوع الاجتماعي في مسائل الجنسية، فيعترف بالأب السوري باعتباره الوحيد القادر على منح الجنسية السورية لأبنائه، لكن هناك استثناء واحد فقط يسمح للأم بمنح جنسيتها وحينها لا تعطي الأم جنسيتها بشكل تلقائي لمولودها، بل يشترط أن يولد على أراضي سوريا دون أن يكون من الممكن إثبات نسبه لأبيه فحسب القانون «يعتبر عربياً سورياً حكماً [..] من ولد في القطر من أم عربية سورية ولم تثبت نسبته إلى أبيه قانوناً»، حيث أن الحكومة السورية وضعت الكثير من الحجج لتبرر هذا التمييز مثل الحفاظ على حق العودة لأبناء الفلسطينيين وعدم الرغبة بمخالفة التشريعات الإسلامية.

التزامات سوريا الدولية

صادقت سوريا على عدة اتفاقيات ومعاهدات دولية تنص على منع حرمان الأطفال من الجنسية، ولكن ذلك لم يمنعها من مخالفة هذه الالتزامات قانونياً وعملياً.

لقد صادقت سوريا على اتفاقية القضاء على جميـع أشـكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلا أنها قدمت عدة تحفظات عليها ومنها المادة 9 «تمنح الدول الأطراف المرأة حقاً مساوياً لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها»، فرفضت الالتزام بهذه المادة، كذلك صادقت على اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على «الحق منذ ولادته في اسم والحق في اكتساب جنسية» وعلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية «لكل طفل الحق في الجنسية».

أسباب انعدام الجنسية في سياق النزاع السوري

انعدام الجنسية ليس أمراً جديداً في سوريا، حيث كان يعاني منه الأكراد بشكل خاص بعد صدور المرسوم التشريعي 93 لعام 1962، الذي كان سبباً لانقسام الأكراد بين متمتعين بالجنسية السورية وأجانب مجردين من الجنسية (مكتومي القيد)، ولا يزال الآلاف من الأكراد حتى اليوم محرومين من حقهم بالجنسية رغم قضائهم هم وآباؤهم كل حياتهم في سوريا، بالإضافة إلى حالات انعدام الجنسية الناتجة عن زواج السوريّات من العرب أو الأجانب وبشكل خاص المتزوجات من الفلسطينيين المقيمين في سوريا.

أما بعد عام 2011 فقد ازدادت حالات انعدام الجنسية لأطفال السوريّات وتعددت أسباب هذا الازدياد ليكون أبرزها:

زواج السوريات من مقاتلين أجانب

لم يكتفي المقاتلون الأجانب بالمشاركة في قتل السورييّن، بل كانوا يتزوجون نساءهم أيضاً، كما فعل تنظيم داعش على سبيل المثال، الذي كان يجبر النساء والقاصرات على الزواج من المقاتلين وإنجاب الأطفال، رغم عدم معرفة عدد الأطفال الناتجين عن هذه الزيجات إلا أن التقارير والدراسات تشير إلى أن الرقم كبير جداً، فمعظم المقاتلين الأجانب يمتنعون عن إظهار أسمائهم الحقيقية ويكتفون بالالقاب والاسماء المستعارة، ويحصل الزواج بوجود شيخ وشاهدين فقط، دون أن يتم تسجيله قانونياً أو تسجيل الأطفال في الجهات الرسمية لأنهم “مجهولو النسب” فلا يملكون قيداً في السجلات المدنية.

الاعتداء على النساء في المعتقلات ونقاط التفتيش وفي الحملات على المساكن

استخدمت الحكومة السوريّة «العنف الجنسي» كأداة للانتقام من معارضيها، وكثيراً ما أدى هذا العنف لحالات إنجاب لا يمكن تحديد عددها نتيجة لمحاولات تكتم الضحايا اللواتي غالباً ما يجهلن هوية المغتصب.

يقول “عبدالرحمن محمد”(53 عاماً) اسم مستعار، سائق تكسي يُقيم في حلب، لـ (الحل نت): «قمت بتسجيل حفيدتي في السجلات المدنية على أنها ابنتي لأمنحها نسباً وجنسية وأوراقاً رسمية لتتمكن من المضي في حياتها بشكل طبيعي، ابنتي كانت معتقلة وقام أحد السجانين باغتصابها فحملت ثم عند خروجها من المعتقل أنجبت طفلتها في البيت، لا تعرف حفيدتي الحقيقة ولا أعرف إن كنا سنتمكن يوماً من إخبارها».

الزواج الثاني في البلدان التي يمنع قانونها تعدد الزوجات

عدد كبير من النساء السوريّات اضطررن للموافقة على أن تكن زوجة ثانية بسبب الحاجة للحماية، ولم تعرف العديدات منهن أن هذا الزواج ممنوع قانونياً، فنتج عن هذه الزيجات أطفال حُرموا من حقوقهم ومن جنسيتهم.

وبهذا الخصوص تروي “رجاء حسان”(33 عاماً)، اسم مستعار، ربة منزل من إدلب تعيش حالياً في غازي عنتاب بتركيا، لـ (الحل نت): «لم يكن بإمكاني رفض الزواج من “أركان”(زوجها)،رغم أنه متزوج، كنت بحاجة للأمان ورأيت فيها الملجأ الوحيد فوافقت على عقد زواج غير رسمي، ولم أدرك فداحة خطئي إلا عندما أنجبت ابني “محمد” الذي لم أستطع تسجيله أو منحه أوراقاً رسمية لأن زواجي غير معترف فيه قانونياً في تركيا، لقد حُرم ابني من مستقبله وهو ما يزال في المهد».

عدم وجود أوراق ثبوتية

قد يؤدي انعدام وجود الأوراق الثبوتية إلى حرمان الأطفال من الجنسية، وتظهر هذه المشكلة بشكل خاص في المناطق التي لا تخضع لسلطة الحكومة السوريّة، حيث يحصل الأهالي على ورقة من المستشفى من مكان الولادة فقط، لا يعترف بها خارج المنطقة، كذلك تنتشر هذه الظاهرة في دول الجوار التي تمتنع عن إعطاء شهادات ميلاد رسمية للمولودين فيها مثل لبنان، فيكون سبباً في عدم حصولهم على الجنسية، أما في حال ضياع عقد زواج الوالدين أو إن كان غير معترف به في دولة اللجوء (إن كان صادراً عن سلطات غير حكومية) لا يمكن تسجيل الزواج أو النسب.

تقول “ميساء العلي” (29 عاماً)، اسم مستعار، من مدينة حمص وهي طالبة فنون جميلة تُقيم في لبنان لـ (الحل نت): «كنت حاملاً عند اعتقال زوجي وهربي إلى لبنان، لم استطع الحصول على شهادة ولادة رسمية له ولم أتمكن أيضاً من نسبه لأبيه، لأنني فقدت حقيبتي التي تحتوي أوراقي أثناء رحلة الهروب، يبلغ ابني اليوم 6 سنوات، ولا يعرف ما “الخطأ” الذي ارتكبه ليحرم من الانضمام لأصدقائه في المدرسة».

زواج المسلمة السوريّة من غير دينها

بحسب قانون الأحوال المدنية لعام 2007 «يعتبر القانون السوري الطفل الناتج عن زواج مسلمة من مسيحي مولوداً غير شرعي»، ولا يمكن نسبته لأبيه، ويفقد حقه في الجنسية إن ولدته أمه خارج سوريا.

آثار انعدام الجنسية

يمكن ربط انعدام الجنسية في سوريا بحرمان المرأة من حقها في المساواة وعدم التمييز ومنح أبنائها جنسيتها، يؤدي الحرمان من الجنسية إلى حرمان الشخص من عدة حقوق أساسية لا يمكن العيش بكرامة وقوة دونها، على سبيل المثال، تمتنع أغلب المدارس (في سوريا ودول الجوار بشكل خاص) عن قبول تسجيل الأطفال الذين لا يملكون أوراقاً رسمية، مما يؤدي إلى حرمانهم من التعليم، ويفتح الباب لانتشار عمالة الأطفال واستغلالهم في أعمال الدعارة أو الاتجار بهم، كما يحرم هؤلاء من الحصول على الرعاية الصحية، وفي مرحلة لاحقة يعاني الشبان والشابات المحرومون من الجنسية من التمييز ومن الوصول إلى الوظائف الجيدة أو السفر أو الحصول على حقوقهم المدنية كالتملك أو المشاركة السياسية أو غيرها من الحقوق الأساسية التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.