تَسبّبت الحَربُ الأهليّةُ السُّوريّة المُستمرِّة منذ عقدٍ من الزمن، والتي أدخلت البلاد في أزمةٍ اقتصادية وإنسانية عميقة، بنزوح نحو 6.2 مليون شخص داخلياً، وفرار نحو 5.6 مليون آخرين صاروا لاجئين خارج حدود البلاد.

وقدّرت الأمم المتحدة عام 2018 تكلفة الدمار الناجم عن الحرب بنحو 388 مليار دولار، أي ما يزيد عن قيمة الاقتصاد السوري للعام الماضي بأكمله بنحو عشرين ضعفاً، مع استمرار عجز الحكومة عن إعادة إعمار مدنها المدمرة.

بينما امتنع الغرب عن دفع الأموال لـ #بشار_الأسد من أجل إعادة إعمار #سوريا، بعد أن أعلن #الاتحاد_الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عن دعم إعادة إعمار البلاد، بشرط تحقيق انتقال سياسي حقيقي.

ضريبة لإعادة الإعمار..ولكن!

مع عدم وصول الأموال الدولية، فرضت #الحكومة_السورية ضريبتها الخاصة لتمويل إعادة الإعمار. ففي عام 2012، شُكّلت لجنةٌ للمساعدة في إعادة إعمار البلاد بتوجيه من نائب رئيس الوزراء ووزير الإدارة المحلية “عمر غلاونجي” في ذلك الوقت، والذي وُضِع على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي في العام ذاته.

وبحسب تحليلٍ أجراه مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) وشريكه السوري SIRAJ و Finance Uncovered، فإن اللجنة المذكورة جمعت نحو 386 مليار ليرة سورية (307 مليون دولار)، وفق تقريرٍ نشرته صحيفة (the Guardian) البريطانيّة.

إلا أن القليل من الأدلة والإثباتات تبين أن تلك الأموال قد أُنفِقت في مساعدة المدنيين المتضررين، وفي كل الأحوال، تُنفق هذه المبالغ لهؤلاء المتواجدين ضمن المناطق الموالية للحكومة.

في حين تُبيّن الوثائق المتاحة، أن لجنة إعادة الإعمار التابعة للحكومة السورية، خصصت معظم الأموال المحصّلة من الضرائب للوزارات الحكومية والمؤسسات العامة، الأمر الذي يجعل من تتبّع حجم الإنفاق، أمراً مستحيلاً.

في الوقت ذاته، ذهبت بعض الأموال التي نجح مشروع (OCCRP) في تتبعها، بالرغم من كونها نسبة صغيرة من كامل المبالغ، لتجديد المنشآت العسكرية والمساكن الخاصة بالقوات الحكومية.

ترميم مناطق الموالين وإهمال الباقي

هذه النتائج، تتوافق مع الدراسات التي أجراها مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط، والتي وجدت أن دمشق استخدمت «عملية إعادة الإعمار الانتقائية» لتعزيز قوتها السياسية والاقتصادية في بعض المناطق، بينما تتجاهل عمداً الطبقات الاجتماعية الأكثر فقراً والتي يُنظَر إليها على أنها «تشكّل تهديداً لبشار الأسد ونظام حكمه».

وفي تموز 2017، منحت لجنة إعادة الإعمار 175 مليون ليرة لأعمال الصيانة في #حي_المزة 86، الذي يشكل العمود الفقري لدعم #بشار_الأسد، بينما لم يُعاد بناء أي شيء من المناطق التي كانت تُسيطر عليها فصائل المعارضة، والأكثر تضرّراً.

في غضون ذلك، قال “مظهر شربجي” مسؤول من وحدة مجالس الإدارة المحلية وهي جماعة معارضة تعمل على مراقبة جهود إعادة الإعمار: «تسمح اللجنة بإنفاق الأموال المجموعة من تمويلات إعادة الإعمار على الجيش والشرطة والخدمات الأمنية، كما أعطت الأموال بكل وضوح إلى قطاعات الأمن العسكري والأمن الداخلي والأمن السياسي، ذلك على حساب الضحايا من المدنيين».

ضريبةٌ تتضاعف كل عام بدون نتائج

حُدّدت الضريبة في عام 2013 كرسوم بنسبة 5% على الضرائب المباشرة، مثل بيع العقارات وتجديد تراخيص السيارات، وكذلك الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة ورسوم القضايا القانونية، بينما أُعفيت ضرائب الدخل منها.

إلا أن الحكومة التي تعاني من ضائقة مالية، ضاعفت هذه النسبة إلى 10% عام 2017، عندما صرّح “زبير درويش” المدير العام للهيئة العامة للضرائب والرسوم آنذاك، أن الأموال ستُنفَق على دعم وإصلاح وإعادة بناء ما دُمِّر، وكذلك لدعم وإعادة توطين العائلات النازحة.

في وقتٍ، أوضح وزير المالية آنذاك “مأمون حمدان” أن الحكومة بحاجة لجمع المزيد من الأموال، بهدف إعادة بناء البنى التحتية والممتلكات الخاصة التي دمّرتها الحرب.

وعودٌ بتعويض المتضررين دون تنفيذ

وبينما كان الشعب يعتقد أن الضرائب ستعيد بناء منازلهم، وُضِع نظامٌ يسمح للمواطنين بتقديم طلب إلى لجنةٍ فرعية في كل محافظة تخضع لسيطرة الحكومة، للحصول على تعويض، وبدورها تُرسل اللجنة الطلبات إلى لجنة إعادة الإعمار المركزية للموافقة عليها.

إلا أن ذلك لم يحدث بناءاً على الوثائق التي راجعتها OCCRP وSIRAJ وFinance Uncovered، حيث تشير البيانات من المصادر المفتوحة والمناقشات البرلمانية ووسائل الإعلام الحكومية، إلى أن الحكومة السورية خصصت 30 مليار ليرة للجنة إعادة الإعمار عام 2013، ثم خصصت 50 مليار ليرة سنوياً منذ ذلك الحين (ما يعادل 40 مليون دولار)، أي ما مجموعه 380 مليار ليرة (ما يزيد عن 1.4 مليار دولار).

كما أن ضريبة إعادة الإعمار، زادت على مر السنين مما يعادل 56 مليون دولار في العام 2016 إلى 132.4 مليون دولار في العام 2020.

وفي الوقت نفسه، تُظهر كشوفات الإنفاق، التزامات يبلغ مجموعها 263 مليار ليرة، ما يترك إنفاقاً ناقصاً محتملاً قدره 117 مليار ليرة (نحو 229 مليون دولار). فأين ذهبت تلك الأموال؟ لا يزال الأمر لغزاً!.

تشير الوثائق، إلى أن أقل من 10٪، أي 24.2 مليار ليرة سورية، من الأموال المخصصة للجنة منذ 2014 أُنفِقت على إعادة بناء منازل المواطنين.

في المقابل، ذهب 90.3٪ من الميزانية إلى الوزارات والمؤسسات العامة، حيث كان من المستحيل التأكد من كيفية إنفاق الغالبية العظمى منها. ويمكن تحديد جزء صغير، 1.32 مليار ليرة سورية، على أنه أُنفِق على الجيش السوري وقوات الأمن.

أموال المُتضررين تدخل جيوب عناصر الجيش والشرطة

في الوقت ذاته، كشف تحليلٌ لقرارات الإنفاق المنشورة، عن منح لجنة الإعمار عام 2016، مبلغ 50 مليون ليرة لـ 167 عنصراً من الجيش والشرطة، و350 مليون ليرة لترميم وتحديث المشافي العسكرية في مدينتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين.

كما وافقت اللجنة، على دفع تكاليف إعادة إعمار منازل الجرحى من القوات الرديفة، التي قاتلت مع الجيش النظامي.

وبينما تُشكّل هذه الأموال جزءاً صغيراً من إجمالي الإنفاق، فإن “أسامة قاضي” رئيس فريق العمل الاقتصادي السوري الذي يراقب جهود إعادة الإعمار، يؤكّد أن ضريبة إعادة الإعمار تُستخدم لإنقاذ الموارد المالية الحكومية.

ويُشير إلى أن «غياب الشفافية والفساد المستشري داخل الحكومات السورية المتعاقبة على مدى خمسة عقود، يجعل من الصعب تحديد مصير الأموال الضخمة التي حصل عليها النظام من السوريين باسم إعادة الإعمار».

لافتاً إلى أن «نحو 10 مليون سوري ما زالوا يعيشون خارج منازلهم، ولا تزال جميع البنى التحتية تعاني من مشاكل هيكلية، مع استمرار انقطاع الكهرباء والمياه، إضافة إلى عدم توفّر الخدمات الأخرى، والسلع الأساسية بشكلٍ جيد».

بالمقابل، فإن المدن التي كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة سابقاً واستعادتها القوات الحكومية، مثل حمص القديمة #ريف_دمشق #حلب #درعا #دير_الزور وغيرها الكثير، لا تزال تحت الأنقاض، بينما تُحصّل الحكومة ضرائب إعادة الإعمار.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.