مع اقتراب درجات الحرارة من خمسين درجة مئوية، وهو أمر يتكرر في صيف العراق اللاهب كل عام، يحدثُ تراجع كبير بتجهيز الطاقة الكهربائية، نتيجة الطلب المتزايد عليها، لكن ما حدث يوم الجمعة، الثاني من تموز/ يوليو الجاري ، لم يكن تراجعاً فحسب في تجهيز الطاقة الكهربائية، بل انهياراً تاماً لمنظومة الكهرباء في العراق، ما أدى لانقطاع شامل للكهرباء، هو الأول من نوعه منذ تسعينيات القرن الماضي.

قبل الانهيار، حدثت استهدافات مسلّحة متكررة لأبراج نقل الطاقة الكهربائية، قبل أن ينتقل الاستهداف لمستوى قصف محطة كهرباء “صلاح الدين” الحرارية بصواريخ كاتيوشا، في السابع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، وهو فعل حمّلت قيادة العمليات المشتركة العراقية مسؤوليته لتنظيم #داعش، وفقاً لتصريحات رسمية.

 

وزارة الكهرباء العراقية: «نعرف كل الأسرار والخبايا، ونطالب بمحاسبة الفاسدين في الدولة والوزارة»

وزارة الكهرباء العراقية أوجزت أسباب انهيار منظومة الكهرباء بجملة من المشاكل، وفيما حمّلت المحافظين العراقيين جزءاً من المسؤولية، طالبت، في سابقةٍ لم تشهدها وزارة عراقية سابقاً، #الحكومة_العراقية بـ«محاسبة الفاسدين في الوزارة والحكومة».

ويوضح “أحمد موسى”، المتحدث باسم الوزارة، لـ«الحل نت» ما حصل بالقول: «في الثاني من تموز/يوليو حصل انهيار تام بمنظومة الكهرباء الوطنية، إنتاجاً وتوزيعاً. فقد كان أكبر حمل كهربائي على خط “الرشيد” جنوبي #بغداد، المرتبط مع محطة “المسيب” الغازية، بحمل ثلاثمة ميغاواط، إلا إن انقطاعاً حدث بالأسلاك الرابطة بين خط “الرشيد” والمحطة، ما زاد الأحمال، وأدى لفصل محطة “المسيب” الحرارية، وأحدث ارتفاعا بالترددات، مهّد لانقطاع منظومة الكهرباء الوطنية كاملةً».

إلا أن المسؤول العراقي استدرك بالقول: «هذا العارض ليس وحده مَن أطفأ الكهرباء، بل هناك جزء من المسؤولية يتحمّله المحافظون العراقيون، الذين أمروا برفع مناولات الذبذبة من محطات الكهرباء، حتى لا تسيطر وزارة الكهرباء العراقية بشكل مركزي على الأحمال، وبالتالي تأخذ المحافظات ما تريده من حجم الإنتاج بدون الرجوع للوزارة. إلا أن رفع مناولات الذبذبة أدى لعدم حماية المحطات الكهربائية من ارتفاع الأحمال والذبذبات. وما مهّد للانهيار أيضاً أنه تم في اليوم نفسه انفصال واحد وستين خطاً عن الخدمة، بعد استهداف خط “قيارة – الموصل” الكهربائي،  ثم خطوط منطقة “مخمور”، وخط “قائم – حديثة”».

وأقرّ “موسى” بوجود حالات سوء إدارة وإهمال أدت لتفاقم الأزمة، مؤكداً أن «هنالك أشخاصاً فاسدين، بوزارة الكهرباء والحكومة العراقية عموماً، مسؤولون عمّا حدث، وندعو لجنة مكافحة الفساد، برئاسة الفريق “أحمد أبو رغيف” لمحاسبتهم، لأن عمل وزارة الكهرباء العراقية تراجع بشدة بسببهم. نحن نعرف كل الأسرار والخفايا، وقد تم تزويد “حسن الكعبي”، النائب الأول لرئيس #مجلس_النواب_العراقي، بوثائق تدين بعضاً من الفاسدين، بصفته رئيساً لـ”لجنة الأمر النيابي 62″، أي لجنة التحقيق النيابية بعقود وزارة الكهرباء منذ عام 2005، وندعو لاستثمار هذه الوثائق من قبل القضاء، وديوان الرقابة المالية أيضاً».

وكان النائب “حسن الكعبي” قد أكد، في مقابلة مع القناة العراقية الرسمية، أن «”لجنة الأمر النيابي 62″ استضافت وزير الكهرباء “ماجد حنتوش”، وكشفت عن هدر بوزارة الكهرباء، تجاوزت قيمته ثمانية مليارات دولار. وقد ترتبت عن تحقيقات اللجنة خطوات، تضمّنت إحالة أكثر من أربعة وخمسين ملفاً إلى هيئة النزاهة النيابية، و تم التحقيق والتدقيق بستة وثلاثين ملفاً، أحيلت إلى قاضي التحقيق والمحاكم المختصة، وهناك خمس دعاوى، ما زال  التحقيق فيها مستمراً. والأمر حالياً بيد هيئة النزاهة، وندعوها لتسريع إجراءاتها».

وتوقّع “الكعبي”، في بيان لاحق، أن «يكون استهداف أبراج الكهرباء والمحطات الأخير عملاً مخططاً ومنظماً، يحتوي على شبهات فساد، ومحاولة للتهرّب من مسؤولية انقطاع التيار الكهربائي في عموم البلاد، وتبريره بتعرّض الأبراج والمحطات لهذه الأعمال التخريبية».

 

 سياسي عراقي: «فاعلون داخليون ينسّقون مع جهات خارجية لتخريب منظومة الكهرباء»

فرضية وجود تدخلات خارجية فاقمت أزمة الكهرباء في العراق، ووجود أذرع سياسية متحكّمة بالتخريب، وأخرى مستفيدة منه، يناصرها “رحيم العبودي”، القيادي في “تيار الحكمة”، التابع لرجل الدين الشيعي “عمار الحكيم”.

“العبودي” يقول لـ«الحل نت»: «سبب فشل منظومة الكهرباء في العراق هو اعتمادها على الغاز وليس النفط، والعراق لا يمتلك الغاز الكافي، ولا القدرة على استثمار الغاز المصاحب لحقوله النفطية، وبالتالي يُجبر على الاستيراد».

متسائلاً: «كيف يمكن لصاحب القرار أن يتجه لجلب محطات غازية لتوليد الكهرباء، في ظل عجز البلد عن استثمار الغاز؟ لدينا واحدة وستون محطة كهرباء تعمل عبر الغاز، ولا يوجد لدينا غاز، وهناك إصرار على استيراده من #إيران، بينما هناك دول مجاورة، مثل #السعودية، قادرة على تجهيز العراق بالغاز بشروط أفضل. وهنالك أذرع سياسية هي من أوجدت هذه المعادلة».

وأضاف أن «رئيس الوزراء الحالي مصطفى #الكاظمي لا يتحّمل مسؤولية الفشل، لأن أزمة الكهرباء متجذّرة، وبدأت تتفاقم منذ عام 2014، وهناك فاعل سياسي داخلي، يتناغم مع فاعل خارجي، يتسبّب بالفشل، والدليل على ذلك هو جلب محطات تعمل بالغاز، وأيضاً جلب محطات، بتعاقدات مع جهات خارجية، قيل إنها تعمل بأكثر من نوع وقود، والحقيقة أن كفاءتها وقدرتها على التوليد تهبط لمستوى متدنٍ، حينما يتم تزويدها بوقود غير الغاز. وهذا كله حصل عبر أطراف داخلية، تواطأت مع جهات خارجية، تحقيقاً لمكاسب شخصية، بعيداً عن مصلحة البلاد».

وبحسب وزارة الكهرباء العراقية فإن «85% من محطات توليد الكهرباء في البلاد تعتمد على الغاز ومشتقاته، وتبلغ الخسائر المالية، التي يتكبّدها العراق، جرّاء إحراق الغاز المصاحب لحقوله النفطية، نحو مئتين وتسعين ألف دولار لكل ساعة في الحد الأدنى».

وتفيد بيانات #البنك_الدولي أن «افتقار حقول النفط العراقية لمعدات جمع الغاز، يؤدي إلى حرق وإضاعة ثمانية عشر مليار متر مكعب من الغاز المرتبط بالنفط سنوياً».

ويحتاج العراق لثمانين مليون متراً مكعباً يومياً من الغاز، لتشغيل ثلاث وستين محطة كهرباء تعمل بالغاز دون توقف، وفقاً لما تؤكده وزارتا الكهرباء والنفط العراقيتان، وبسبب عدم قدرتها على توفير هذه الكمية، تضطر الحكومة العراقية للبحث عن مُورّد، وكان الخيار إيران ، التي تم الاتفاق معها على تزويد العراق بخمسين متراً مكعباً يومياً من الغاز. ولكن، ومنذ العام 2015، لم تستقر كميات الغاز الواردة من إيران، وخاصة في فصل الصيف، إذ أن #طهران غالباً ما استخدمت الغاز للضغط على الحكومات العراقية المتتالية، بحسب كثير من المراقبين.

 

لماذا يلجأ العراق لاستيراد الغاز من إيران ويهمل العروض السعودية؟

يجيب على هذا السؤال وزير الكهرباء السابق “قاسم الفهداوي”، الذي تولى المنصب بين عامي 2014 و2018: «عندما كنت وزيراً، في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق “حيدر العبادي”، قدّمت السعودية عرضاً للعراق بجلب بارجة تستقرّ في الخليج العربي، وتربط الكهرباء عبر مدينة #البصرة، خلال أربعة عشر يوماً فقط. وأيضاً تزويد العراق بالغاز، عبر قيام شركة “أرامكو” السعودية بالاستثمار في قطاع الغاز العراقي، عبر جمع الغاز المصاحب من حقول النفط، بدلاً من حرقه، ومن ثم معالجته، وبيع الميغاواط الواحد للعراق بـ1.5 سنتاً أميركياً، بينما تبيعه إيران للعراق بـ7.5 سنتاً».

ويتابع الوزير السابق في إفادته لموقع «الحل نت»: «العرض السعودي لم يكن قابلاً للرفض، وأنا سعيت كثيراً بكل طاقتي لكي تقبله الحكومة العراقية، فمدينة البصرة كانت تشهد مظاهرات، بعد قطع إيران للكهرباء عنها، وكان هناك وفد وزاري عراقي، من المفترض أن يزور السعودية، لتوقيع العقد معها، ورئيس الوزراء “العبادي” نفسه كان متحمساً، ولكن الأمر أُلغي تحت ضغوط من جهات متعددة، ولو قبلنا بالعرض السعودي لكنا حللنا نصف أزمة الكهرباء».

ولدى سؤاله عن الجهات التي ضغطت لرفض العرض السعودي أحجم “الفهداوي” عن الإجابة.

وتعليقاً منه على الاستهداف الأخير لمحطة الكهرباء في محافظة صلاح الدين قال الوزير السابق: «القصف ضرب “البويلر” الرئيسي، المسؤول عن تحويل طاقة الوقود إلى طاقة حرارية، تتحوّل لبخار لإدارة التوربينات المولّدة للكهرباء، وهذا يعني أن هناك متعاونين من داخل وزارة الكهرباء العراقية، يعطون إحداثيات دقيقة للمعتدين. فالقصف أحدث عطلاً سيدوم عاماً كاملاً، وسيجعل الدولة العراقية تخسر ألفاً وثلاثمئة وخمسين ميغاواط من كمية الطاقة المفترض توليدها».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة