«النساء قادرات على صنع الأطفال وليس الأموال»، هكذا تنظر المجتمعات المختلفة إلى المرأة، وتقيّمها وتحد فرصها في التقدم المهني دون أي نظرية علمية تثبت صحة هذا القول، ورغم حقيقة أن النساء تشكلن ما يقارب نصف سكان الأرض، وتحصلن على أعلى الدرجات العلمية في 100 دولة حول العالم (بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي)، تنتشر أفكار مسبقة معممة خاطئة حول عدم امتلاك النساء الجرأة الكافية لاتخاذ القرارات، أو المؤهلات للعمل في الوظائف التنفيذية، وأنهن لسن حازمات بشكل كافٍ، وليست لديهن المهارات اللازمة للقيادة.

المجتمع يرسم الحدود

من المهم أن نفرق بين هذا النوع من المعتقدات الرائجة وبين ما هو حقيقة، ففكرة أن النساء على سبيل المثال لا تستطعن العمل في مجال التكنولوجيا أو الهندسة المعلوماتية أو الميكانيكية ليست دقيقة أبداً، ولكن عدد النساء العاملات في هذا المجال قليل لعدة أسباب لا تتعلق بقدرتهن بل بواقع المجتمع الذي يساهم في وضع الحدود للمرأة حول ما يجب أو لا يجب القيام به.

عند سؤال المهندسة “لمى” (اسم مستعار- 40 عاماً)، وهي سوريّة تعيش في أميركا وتعمل في واحدة من أهم الشركات العالمية كمهندسة أمان رقمي، أخبرتنا أن التحديّات التي واجهتها في مسيرتها المهنية (في أميركا وقبلها في عدة دول عربيّة) كانت كبيرة ولا تخلو من التحيّز الجنساني، وبأنها كانت تضطر للعمل على تطوير نفسها أكثر من زملائها الذكور كي تتمكن من إيجاد الفرص الجيدة في سوق العمل، كثيرات النساء المشابهات لـ”لمى”، بعضهن تمكنّ من كسر القالب النمطي المرسوم لهن من قبل المجتمع وأخريات لم تتمكن.

قوالب جاهزة تناسب المجتمع الذكوري

عديدة هي القوالب التي توضع بها النساء اليوم، ومن أكثرها انتشاراً أن المرأة هي المسؤولة الوحيدة عن الأعمال المنزليّة ورعاية الأطفال، مما يؤثر حكماً على الوقت الذي يمكن أن تقضيه في تطوير حياتها المهنية. الحقيقة أن الطهي والتنظيف هما نشاطان غير مرتبطان بنوع جنساني محدّد. كِلا الوالدين يمكنهما العمل في المنزل، حتى أن الدراسات الاجتماعية تدل على أن الأطفال الذين يتلقون العناية من الوالدين معاً يكون استقرارهم/ن النفسي أكبر وأداؤهم/ن في المدرسة أفضل.

غالباً ما يُنظر إلى المرأة على أنها تتمتع بسلوكيات “الرعاية”، بينما يتمتع الرجال بسلوكيات “تحمل المسؤولية”، يضع المجتمع المرأة في قالب يعتبرها من خلاله عاطفية ولا تتمتع بالثقة الكافية بالنفس، وتتوقف قدرتها عند الأعمال المكتبية البسيطة، بينما يقول ذات المجتمع أن الرجل يستطيع أن يحلّ المشاكل ويتعامل مع الأزمات ويقود الفرق ويدير الشركات. تخبرنا عن ذلك “لارا” (اسم مستعار- 27 عاماً) التي تم توظيفها دون مقابلة جدية رغم أنها حاصلة على ماجستير في إدارة الأعمال وتتحدث عدة لغات بطلاقة، كان يطلب منها مديرها أن تشتري المعدات للمكتب أو أن تحضّر القهوة والشاي. عندما اعترضت “لارا” على هذا كان من الواضح لها أن هذه هي الطريقة التي تُدار بها الأمور، مما اضطرها إلى ترك العمل.

اختزال مهارات النساء وقدراتهن

هناك من يدعي أن المرأة ليست طموحة بقدر الرجل وأنهن تخترن عادة المهن السهلة، ولكن وفي بحث أجرته منظمة “كاتاليست” (منظمة عالمية غير ربحية تأسست عام 1962 تعمل مع بعض من أقوى الرؤساء التنفيذيين والشركات الرائدة في العالم للمساعدة في بناء أماكن عمل تناسب النساء)، ركّز على متابعة التقدم الذي تم إحرازه من قبل ما يقارب العشرة آلاف من خريجي/ات ماجستير إدارة الأعمال في جميع أنحاء العالم، ووجد أن النساء تتطلعن بشكل متساوٍ للرجال لأن تصبحن رئيسات تنفيذيات أو أن تصلن إلى مناصب رفيعة أخرى. مع ذلك لا تزال النساء تعاملن بتحيّز وتحصلن على رواتب وترقيات أقل. كذلك تنتشر في سوق العمل فكرة خاطئة حول أن النساء لا ترغبن بالحصول على مهمات خارج المدينة أو الدولة التي تعشن بها، وعليه لا يتم عرض هذه الفرص عليهن أساساً وتبقى حكراً على الرجال ليطوروا أنفسهم ومسيراتهم المهنية.

النساء حول العالم تعانين من التحيز في سوق العمل

لا يقتصر هذا النوع من التحيز الجنساني على البلدان النامية، فعلى الرغم من أن العديد من البلدان قد أحرزت تقدماً في بعض جوانب المساواة إلا أن ممارسات اللا مساواة ما زالت منتشرة. في الولايات المتحدة على سبيل المثال هناك 66 امرأة فقط مقابل كل 100 رجل تشغل مناصباً قيادية، بينما تؤدي النساء حوالي ضعف أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي يقوم بها الرجال (تحمل النساء في بعض المناطق مثل جنوب آسيا والشرق الأوسط وشمال افريقيا 90% من أعمال الرعاية بلا أجر كتربية الأطفال ورعاية المسنين)، أما في أوروبا، فيشغل الرجال 89٪ من الوظائف التنفيذية في أكبر 100 شركة هناك.

تساند النساء بعضهن أكثر من الرجال

في البحث المذكور أعلاه والذي أجرته منظمة “كاتاليست”، يتبين أن النساء لديهن الرغبة بمساعدة بعضهن على التطور والتقدم أكثر من الرجال، حيث تدل الإحصائيات على أن 73٪ من النساء اللواتي يكتسبن مواهب جديدة يعملن على تطوير نساء أخريات مقابل 30٪ فقط من الرجال.

غالباً ما تكون المجموعات النسائية – بما في ذلك التعاونيات والجمعيات والنقابات – هي السبيل الأفضل للتنمية الاقتصادية المستدامة للعديد من النساء حول العالم. حيث يمكن لهذه المجموعات أن توفر ملاذاً آمناً لتجميع الموارد، وإدارة المخاطر، وبناء المهارات والقدرات، وتنظيم الحقوق والدفاع عنها، وهي مكان أمثل لتبادل الخبرات ومشاركة التجارب.

التحيز الجنساني يعيق التطور الاقتصادي

إن سد الفجوات بين الرجال والنساء في سوق العمل سيؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وجد تقرير صادر عن معهد ماكينزي العالمي أنه إذا لعبت المرأة دوراً مماثلاً في أسواق العمل لدور الرجل، فيمكن إضافة 28 تريليون دولار أو 26٪ إلى الناتج المحلي الإجمالي السنوي العالمي بحلول عام 2025.

مشاركة المرأة في سوق العمل هي احتياج حقيقي إذا ما رغبنا بتطوير مجتمعاتنا، كذلك أن تحصل على فرص متساوية في المناصب والرواتب والاجازات وفرص التطور. هذا ولا بد من أن يبقى في بالنا أمر هام، وهو أن عدم المساواة لا ينتهي بزيادة دخل المرأة بل لا بد من أن يرتبط بالحفاظ على حقها بالتصرف بدخلها كما تريد وترى، هذا ما يساعدها على تحقيق التمكين الاقتصادي والاستقلال ويزيد قدرتها على أخذ القرارات الشخصية دون الاحتياج للآخرين.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.