دهسته سيارة مسرعة وأسعفه أحد المارة إلى مشفى ابن النفيس (تابع للحكومة – قطاع عام مجاني) بدمشق بعد منتصف الليل، والصدمة كانت بأن يطلب الطبيب المناوب من المسعف تأمين جبيرة من خارج المشفى لعدم توفرها، ما دفعه للبحث أكثر من 3 ساعات للحصول عليها.

القصة رواها المتضرر لموقع (الحل نت) مفضلاً عدم ذكر اسمه، مؤكداً أنه توسل للممرضين لحقنه بمسكن ألم قوي لكنهم رفضوا لعدم توفر مسكنات سوى (السيتامول)، على حد تعبيره.

وفي حادثة مشابهة نشرت إحدى الفتيات على مجموعة في فيسبوك نداء استغاثة وكتبت «يا جماعة وين بلاقي جبس واليوم جمعة لمريضة، ابن النفيس ماعندن جبر والمريضة كبيرة بالعمر حدى يدلني»، ونشرت الفتاة صورة قصاصة ورقية عادية مكتوب عليها «جبس طبي عادي 15 سم عدد 5» ما يدل على عدم توفر الراشيتات (أي الأوراق التي تكتب فيها الوصفات الدوائية) حتى.

اشتر من الخارج!

في متابعة للقضية في مشفى ابن النفيس، تبين عدم توفر الجبار البلاستيكي أيضاً، إضافة إلى عدم توفر أدوية الإلتهاب الخاصة بالعمليات.

وفي مستشفى المواساة (جامعي – مجاني – تابع للحكومة) أكد ممرضون ومسعفون يعملون فيه لموقع (الحل نت) عدم توفر القثاطر الوريدية، والمسكنات والمضادات الحيوية القوية الخاصة بالعمليات الجراحية، إضافة إلى عدم توفر أنابيب التحليل البلاستيكية، حيث يضطر المرضى لشرائها من الصيدليات القريبة وإجراء التحليل في المستشفى.

وبحسب مرضى، هناك شح بإبر الحديد ومقويات الدم الخاصة بمرضى غسيل الكلى، ما يدفعهم غالباً لشرائها من خارج المشافي بعد كل جلسة غسيل، إضافة إلى فقدان أدوية بعض الأمراض المزمنة مثل التصلب اللويحي، وحقن داء الكلب، كما فقدت بعض أصناف الجرعات الكيماوية من مستشفى ابن النفيس ومستشفى البيروني (عم مجاني – اختصاصي بعلاج مرضى السرطان).

الحكومة خفّضت الإنفاق الصحي

مصدر في هيئة مشفى المواساة أكد لموقع (الحل نت) مفضلاً عدم ذكر اسمه، أنه «في كل فترة ما بين 3 إلى 6 أشهر، يعاني المشفى من نقص في مواد معينة، فقد عانينا سابقاً من فقدان كل أنواع المسكنات بشكل تام إضافة إلى المضادات الحيوية والسيرومات، لكنها توفرت بشكل شحيح لاحقاً وانقطعت أصناف أخرى».

وأضاف «بعض المرضى يتكلفون بشكل باهظ على شراء الأدوية والمستلزمات الجراحية، لكن رغم ذلك فإن المستشفى يقدم الخدمات الطبية والرعاية بشكل مجاني قياساً بملايين الليرات التي يجب أن تنفق على ذلك في القطاع الخاص».

وتابع «هناك شح بكل أنواع الأدوية في المستشفيات، ويتم صرفها بشكل حذر ومضبوط للغاية تحسباً من فقدانها،لأن فقدان أي صنف يعني انقطاعه لأشهر»، مشيراً إلى أنه «لا يمكن إنكار وجود بعض السرقات من قبل الكوادر العاملة بالمشفى لبعض المستلزمات التي يمكن استخدامها خارج المشفى بالعيادات الخاصة، أو يمكن بيعها للصيدليات».

وأضاف أن «المشكلة الرئيسة هي عدم تخصيص ميزانية للمشافي كي تستجر ما تريد من أدوية كما كان معمول به سابقاً قبل عام 2018، فقد قررت الحكومة عام 2018 ضبط الإنفاق الصحي وتخفيضه بعدة حجج، عبر مركزة الاستجرار وإدخاله بروتين حكومي طويل، يجعل الاستجرار ينخفض للنصف تقريباً».

وفي عام 2017، قالت “إليزابيث هوف” ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا بحسب (رويترز)، إن استيراد الأدوية من الخارج تضرر جراء خفض الحكومة للإنفاق على قطاع الصحة بشكل كبير بالإضافة إلى فقدان الليرة حوالي 90% من قيمتها الأمر الذي جعل بعض الأدوية باهظة التكلفة.

وتابعت «تبعات العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا أثّرت بشدة على شراء أنواع معينة من الأدوية بينها أدوية علاج السرطان، حيث تمنّعت الكثير من شركات الأدوية العالمية من التعامل مع السلطات السورية كما تعرقل البنوك الأجنبية في مجال التعامل مع المدفوعات الخاصة باستيراد الأدوية».

توفّير مليارات الليرات

وبحسب وزير الصحة السابق “نزار يازجي”، فإن حصر استجرار الأدوية مركزياً ساهم في تحقيق وفر مالي قدره 9.5 مليارات ليرة سورية منذ مطلع 2019 حتى تشرين الثاني من ذات العام، أي نحو 864 مليون ليرة في الشهر، وذلك في الأدوية وبعض المستلزمات الطبية فقط، ولو بقي هذا الرقم ثابتاً تكون الحكومة وفرت منذ 2019 وحتى نهاية العام الجاري نحو 31 مليار ليرة سورية.

ونص التعميم الصادر عن رئاسة مجلس الوزراء عام 2018 على تأمين الاحتياجات العامة من الأدوية والمستهلكات الطبية مركزياً عبر وزارة الصحة التي تقوم بتأمين المحلي منها عبر طرح مناقصات محلية، والخارجية عبر مناقصات خارجية تكون مهمة توريدها عبر وزارة الاقتصاد التي تسلمها للصحة لتقوم بتسليمها لوزارة التعليم العالي أو الدفاع أو الداخلية، وبدورها تقوم الأخيرة بتسليمها للمشافي، وكل ذلك يمر عبر لجان.

بيروقراطية واتهام بالتلاعب

وتضمنت المادة 8 بالتعميم، على أنه يحق للجهات العامة المستقلة (المستشفيات) أن تطلب 10% من قيمة الاحتياج إذا تأخر العقد بظرف من الظروف عبر وزارة الصحة على أن يتم التسليم عن طريق وزارة التعليم العالي ووزارة الصحة، أي أن التسليم يتم عبر إجراءات روتينية وبيروقراطية من جرد واستلام وتسليم ما يتطلب وقتاً.

وبحسب المصدر، فإن المشافي كانت تنظم عقوداً بحسب ميزانيتها الخاصة قبل أشهر من فقدان أي مادة، لضمان توفر المواد والأدوية طوال العام بوفرة دون نقص، لكن الآلية الجديدة جعلت الميزانية بيد وزارة الصحة فقط، وعلى أساسها يتم التوريد كلما توفرت الأموال، إضافة إلى أن تأخر عمليات التعاقد والاستجرار والتسليم، يجعل المخزون الذي طلبت الكميات على أساسه ينفد، ويصبح المستشفى بحاجة كمية أكبر من المطلوبة، وهنا يكمن العجز الدوري بالمستشفيات.

وفي 2019، كشف يازجي عن وجود ديون مستحقة لصالح وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، يجب أن تدفعها وزارة التعليم العالي، تبلغ نحو 21 مليار ليرة سورية، نتيجة طلب الأخيرة لأدوية وهمية أو غير وهمية، على حد تعبيره، في إشارة إلى اتهام المشافي بالتلاعب بالميزانية التي كانت تخصص لها.

وجاء كلام الوزير خلال مناقشة لجنة الموازنة والحسابات في مجلس الشعب لموازنة وزارته عام 2020، موضحاً أنه سابقاً كانت هناك ثغرة في استجرار الأدوية كعشوائية الاحتياج، وضرب مثالاً بإحدى هيئات التعليم العالي التي طلبت مادة لغسيل الكلى، وعند الكشف على المستودعات تبيّن أن المواد الموجودة تكفي حتى 600 جلسة غسيل كلية، على حد تعبيره.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.