فرض الأداء السلبي لقطاع التجارة الخارجية في سوريا، إيقاعه على الساحة الاقتصادية، بفعل العقوبات المفروضة على التجارة الخارجية والمعاملات الماليّة، وبسبب قصور الإنتاج والاعتماد على المستوردات لتلبية أكثر من ربع الطلب المحلي.

ولم يكن المنتج الوطني السوري في حال جيد أو محمي من المنافسة الخارجية حتى قبل عام  2011 ، فمع بداية عام 2005 كانت البضائع العربية تنساب إلى السوق المحلية برسوم جمركية رمزية، بموجب اتفاقية التجارة العربية وبين الدول العربية والأجنبية.

لكن هذه الاتفاقيات كثيراً ما شابها خلل، ولجوء بعض الدول إلى إدخال منتجات صينية إلى السوق السورية المحلية بشهادات منشأ مضروبة، بعد نقلها إلى شهادة منشأ عربية بهدف الاستفادة من مزايا التخفيضات الجمركية، ما انعكس سلبياً على المنتج الوطني.

في حين ألزمت الحكومة السورية، لصناعي السوري بدفع رسوم جمركية عالية عند قيامه بتصدير منتجه، وهذا الأمر أحدث خلل بنيوي في قطاع التجارة الخارجية، ترجمه عجز مستمر في الميزان التجاري، على مدى أكثر من  25 عاماً، ما عكس بدوره العجز في محاولات تحرير الاقتصاد عامة، والتجارة الخارجية خصوصا.

نتج عن هذه السياسة للحكومة السورية في إدارة ملف التجارة الخارجية، الكثير من المعوقات الداخلية والخارجية  لقطاع التصدير في سوريا وازدادت المستوردات.

وهذا يعني أن الميزان التجاري السوري كان  خاسراً حتى قبل ٢٠١١ في سوريا، ومع مرور عشر سنوات على الحرب في سوريا أصبح ملف التجارة الخارجية عبئاً ثقيلاً على الحكومة السورية بعد توقف معظم قطاعات الإنتاج، واستمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة، علاوة على السياسات الحكومية الفاشلة، لا سيما ما يتعلّق في عملية التأخير في إعادة هيكلة القطاع التجاري بما ينسجم مع الاحتياجات الاقتصادية الضرورية.

عجز الميزان التجاري

وبحسب بيانات صادرة عن “وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية” في الحكومة السورية، فإن مستوردات البلاد خلال العام 2019 تراجعت 18% مقارنة بعام 2018، و بلغت قيمة المستوردات في عام 2019 حوالى 5.2 مليار يورو بانخفاض قدره 1.1 مليار يورو عن عام 2018.

وبناء على ما سبق فإن الميزان التجاري ازداد عجزاً بنسب عالية جداً في العامين الأخيرين، حيث كشفت البيانات الإحصائية الصادرة عن “وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية” أن العجز في الميزان التجاري السوري خلال السنوات الماضية وصل إلى 3.4 مليار يورو عام 2011، ثم انخفض إلى 3.1 مليار يورو عام 2015 ليسجل خسارة قدرها 5 مليارات يورو خلال عام 2019.

وأرجع مصدر في وزارة الاقتصاد والتجارة لم يذكر اسمه لموقع (الحل نت) الأسباب إلى العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية المفروضة على سوريا، ما أدى إلى توقف عجلة الإنتاج وانخفاض القدرة التصديرية للبلاد، وهروب رؤوس الأموال إلى الدول المجاورة، وهذا أدى إلى  تراجع حجم التجارة الخارجية السورية، إذ وصلت إلى أقل من 1 بالعشرة آلاف من حجم التجارة العالمية.

أبرز الشركاء الاستراتيجيين

من خلال بيانات “وزارة الاقتصاد” إن الموقف السياسي مما يجري في سوريا يجمع أبرز الشركاء التجاريين للحكومة السورية في ظل الظروف الراهنة.

وتشير أحدث إحصائية صادرة عن وزارة الاقتصاد إلى أنّ الصين تحتل المرتبة الأولى في تنفيذ اتفاقياتها الاقتصادية من حيث توريد السلع والبضائع، إذ بلغت قيمة ما صدّرته إلى سوريا في 2019 حوالي 720 مليون يورو، بزيادة قدرها 120 مليون يورو عن عام 2018.

وتأتي مصر في المرتبة الثانية من حيث تنفيذ اتفاقياتها الاقتصادية من حيث الصادرات، وجاءت دولة الهند في المرتبة الثالثة، وارتفعت صادراتها عام 2019 لحوالي 85 مليون يورو، ولتكون روسيا في المرتبة الرابعة من حيث السلع والمنتجات المصدرة لسوريا وفق اتفاقياتها بحوالي 70 مليون يورو، وتليها إيران بحوالي 67 مليون يورو.

فيما اكتفت العديد من الدول العربية كالعراق ولبنان والأردن ودول الخليج باستقبال صادرات الحكومة السورية، بشرط أن تكون عبر شركات سورية خاصة لتجنب  العقوبات الاقتصادية المفروضة على الحكومة السورية.

المنتجات السورية وصلت إلى 109 بلاد

وأظهرت دراسة أعدها “اتحاد المصدرين السوري” في نهاية العام 2018، أن المنتجات السورية وصلت إلى 109 بلاد خلال عامي 2017 و2018.

وتصدرت دول مثل لبنان والسعودية وتركيا والعراق ومصر والأردن والإمارات القائمة، حيث وصلت إليها المنتجات التصديرية السورية مع تغير ترتيبها بين العامين 2017 و2018.

كما كانت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ضمن المراتب ال25 الأولى.

ووفق الدراسة، بلغ عدد المواد المصدرة 750 مادة احتل زيت الزيتون الصدارة ومنتجات زراعية كالكمون واليانسون، واللوز إضافة إلى الألبسة والمنظفات والادوية والاحذية، في حين بلغ عدد المصدرين 648 مُصدراً جميعهم من أعضاء “الاتحاد السوري للمصدرين”.

غياب الشفافية عن الصادرات والواردات

وقال المحلل الاقتصادي “عامر سليم” المتابع لملفات التجارة الخارجية في المنطقة العربية لموقع (الحل نت) إن «من الصعوبة الحصول على بيانات حقيقية وصحيحة عند دراسة ملف التجارة الخارجية السورية في ظل ما يجري في سوريا».

فالأرقام التي ترشح عن الجهات التابعة للسلطات السورية يعتريها الشفافية، وبخاصة البيانات المتعلقة بحجم الصادرات والواردات، بسبب تهرب المستوردين والمصدرين من الإفصاح عن الأسعار الحقيقية لقيمة مستورداتهم أو صادراتهم بهدف التهرب من دفع الرسوم والضرائب، علاوة على تخوفهم من تعهدات قطع التصدير، إضافة إلى وجود من يساندهم في تغطية مخالفاتهم لدى بعض الجهات الحكومية، وبخاصة في القطاع الجمركي الذي يشوب آليات عمله صفقات فساد مشبوهة، تُجير لشخصيات نافذة في الدولة، بحسب سليم.

العلاقة الزبائنية بين نخب الاقتصاد

المشهد العام لقطاع التجارة الخارجية في سوريا لا يدعو إلى التفاؤل، في ظل ظهور طبقة من رجال الأعمال السوريين الصاعدين الجدد والنخب الاقتصادية المستحدثة في زمن الحرب.

وتحاول تلك الطبقة بدورها أن تندمج بالاقتصاد السوري، وأن يكونوا ممثلين لمصالح الدول الإقليمية الفاعلة على الأرض، مثل روسيا وإيران وتركيا.

إلا أن برجوازية الحرب الجديدة من ممثلي الحكومة السورية، وممثلي هيئات المعارضة، يجدون مصالحهم  في إطالة  الصراع لتدوير الأموال، التي نهبوها.

وقد يدللّ ذلك كلّه، على العلاقة الزبائنية بين النخب الاقتصادية المستحدثة من تجار الحروب، ولهذا النوع من العلاقات النفعية قدراتٍ خارقة، في بلدٍ تكبر فيه الثروة كلما اقترب صاحبها من مراكز القوة وأصحاب القرار من جميع الأطراف.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.