لا يزال التضخم الاقتصادي في سوريا في تزايد، وذلك بالتزامن مع انخفاض مستمر في سعر صرف الليرة السورية من جهة، وانخفاض القوة الشرائية لدى السوريين نتيجة التدني الشديد في الدخل، والذي لم يعد متناسبا مع نسب التضخم الكبيرة، ما يرفع تكلفة معيشة الأسرة السورية إلى ما لا يقل عن 3 ملايين ليرة شهريا.

الفاتورة الكبيرة

تقرير لصحيفة “البعث” المحلية، في مطلع الشهر الحالي، تحدث عن الارتفاع المستمر في الأسعار والخدمات والتضاعف المستمر الذي يطرأ عليها، بالمقارنة مع مستوى الدخل المنخفض للمواطن، ليتبين أن هذا الدخل غير قادر على مجاراة الأسعار الفلكية للمواد الغذائية والخدمات الأساسية.

ويطرح التقرير ارتفاع أسعار بعض المواد، كالسكر والمتة، وبعض الخدمات كأجرة التاكسي، لتكون النتيجة أن هناك بورصة نشطة ومفتوحة الاحتمالات والأرباح، فسعر السكر حاليا يتجاوز الـ6 آلاف ليرة، وأجرة التاكسي باتت بالآلاف أيضا حسب الوجهة، والمتة النصف كيلو أكثر من 12 ألف ليرة، و7 آلاف للعلبة 250 غراما، بالإضافة إلى ندرتها في الأسواق، ما أدى إلى تضاعف أسعارها إلى أرقام فلكية عند مقارنتها بمستوى الدخل وتحديدا الرواتب والأجور، فراتب الموظف بالكاد يشتري 10 علب من تعبئة النصف كيلو.

ونوه التقرير إلى الاستعانة بمحللين ماليين لقياس تآكل القدرة الشرائية لدى الموظف السوري بالاعتماد على مؤشر السكر وأجور النقل وخاصة التكاسي وعلبة المتة، وبعمليات حسابية بسيطة ومتواضعة، وبالاقتباس من العمليات الحسابية التي أجراها سابقا الخبراء والباحثون الاقتصاديون تم التوصل إلى أنه في عام 2010 كان سعر كيلو السكر يتراوح ما بين 15 و25 ليرة، وأجرة التاكسي أيضا بـ25 ليرة وعلبة المتة بـ25 ليرة، وحاليا (كما حدث في السكر وأجور النقل) فإن سعر العلبة نفسها 5,500 ليرة في المحلات، وبالسعر النظامي تقريبا يعني زاد سعر العلبة 200 ضعف، وإذا كان وسطي الرواتب 15 ألف ليرة في العام 2010 فهذا يعني أن وسطي الرواتب في العام 2022 يجب أن يكون 3 ملايين ليرة لتبقى القوة الشرائية لدخل الموظف.

وفي السياق ذاته، نقل التقرير عن أحد مستشاري رئاسة مجلس الوزراء أن الأيام القادمة ستشهد ارتفاعا متصاعدا في الفاتورة الغذائية للأسرة السورية، ليكون مؤشرا على المستوى المعيشي الذي سيتراجع بشكل حاد، وصارت بما يفرض على العائلات أنظمة تقنين على نفسها بالنوعية والكم وبشكل كبير نظرا لصعوبة الحصول على أبسط الحصص الغذائية، فالأسرة تحتاج الآن أكثر من مليون ليرة شهريا لتأمين احتياجاتها الغذائية دون النقل والاستطباب والدراسة واللباس وأجرة المنزل، لترتفع فاتورة النفقات الأسرية إلى أكثر من 3 ملايين ليرة شهريا، لافتا إلى أن الجهات المعنية لا تملك إجابات غير تلك المبررات التي تعلق دائما على مشاجب الحصار رغم أن الحقيقة غير ذلك.

إقرأ:مليون ليرة نفقات عيد الأضحى.. الحوالات المالية تنعش ثلث السوريين

تضاعف تكلفة المعيشة

بالعودة لتقارير سابقة لـ”الحل نت”، فإن تكلفة المعيشة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قد تضاعفت بشكل كبير ولافت للنظر.

فمع تردي سعر صرف الليرة والتضخم الاقتصادي الناتج عن ذلك، فقد تضاعفت فاتورة الأسرة السورية في العام 2020 إلى مليون ليرة كحد أدنى، لترتفع إلى مليون ونصف في آذار/مارس 2021.

ومؤخرا تضاعفت هذا الفاتورة بنسبة 100 بالمئة خلال عام واحد لتبلغ 3 ملايين ليرة سورية شهريا، وتأتي هذه الارتفاعات في تكلفة المعيشة وسط انخفاض كبير في مستوى الدخل لا يتناسب أبدا معها.

قد يهمك:تعتمد على الحوالات.. تكلفة معيشة الأسرة السورية ١،٥ مليون ليرة شهريا

استقرار أسعار عالمي وارتفاع بسوريا

على الرغم من الاستقرار في الآونة الأخيرة للأسعار العالمية التي ارتفعت بعيد الغزو الروسي لأوكرانيا، وتوقف سلاسل التوريد العالمية، والتي عادت مؤخرا بعد اتفاق استئناف تصدير الحبوب، بقيت الأسعار تميل للارتفاع بشكل مستمر في سوريا دون وجود أي مبرر لذلك.

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى قرار وزارة المالية الصادر منذ أيام قليلة، والذي رفع الحد الأدنى للأسعار الاسترشادية للسكر والزيوت النباتية المستوردة والتي تعد من المواد الغذائية الأساسية، حيث أصبح الحد الأدنى للسكر الخام 500 دولار للطن الواحد، و600 دولار للسكر المكرر، ورفع السعر الاسترشادي لزيت عباد الشمس إلى 1500 دولار، ولزيت النخيل إلى 1300 دولار، ليليه قرار آخر لوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، برفع سعر السكر (النادر وجوده في الأسواق) إلى 4400 ليرة سورية للكيلوغرام المعبأ، مع توقعات برفع سعر الزيت لاحقا.

وأوضح التقرير، أنه ما بين دراسة التخفيض وقرار الرفع، لم يكن لأسعار مختلف المواد الغذائية سوى أن ازدادت بنسب كبيرة ومتسارعة، فضلا عن نقص في المخازين وندرة بعض المواد في الأسواق، ليشهد الأسبوع الأخير بمفرده ارتفاعا جديدا على مختلف السلع دون أي مبّر، حتى حجة التأثر بالأزمات العالمية ومشكلات الشحن لم تعد تنفع بعد استقرار الأسعار العالمية، بما فيها أسعار البورصات العالمية وأسواق النفط.

وحول أسباب ارتفاع الأسعار، بين الخبير الاقتصادي، حسن سليمان، في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن الفساد هو أحد أهم الأسباب لارتفاع الأسعار في سوريا، فجميع التجار يدفعون رشاوى طائلة للمسؤولين وحواجز الترفيق لكي تمر بضائعهم بين المحافظات ومن المعابر و المرافئ البرية والبحرية والجوية، وهذه الرشاوى تضاف إلى الرسوم التي تفرضها الحكومة سواء كانت رسوما جمركية أو ضرائب، وبالنتيجة فإن المواطن سيتحمل هذه الرسوم والضرائب والرشى بشكل إضافة على الأسعار.

إقرأ:زبائن “التكاسي” في سوريا أصحاب الحوالات فقط!

إجراءات مأزومة

التقرير أشار إلى أنه بعد خروج أول سفينة محملة بالحبوب من ميناء أوديسا إثر الاتفاق الروسي الأوكراني، بدأت أسعار المواد الغذائية في العالم بالعودة إلى ما كانت عليه، إلا محليا، فهي آخذة بالارتفاع دون مبرر اقتصادي، فالإجراءات والقرارات التي تُتخذ محليا لا مثيل لها في العالم مما جعل من سورية واحدة من أغلى دول العالم بالمعيشة، معتبرا أن ما يجري هو “أزمة إجراءات” تصدر بهدف معين لتعطي نتائج معاكسة على مختلف القطاعات، وكمثال على ذلك قرارات تجفيف السيولة مقابل تثبيت سعر الصرف، نجحت نظريا بتثبيت السعر الرسمي، إلا أن أسعار السلع بمختلفها ترتفع تقريبا 25 بالمئة، تحسبا لأية ارتفاعات بسعر السوق السوداء.

وفي هذا السياق، لفت سليمان، إلى أن الحكومة تعاني من عجز في تمويل نفقاتها، وهذا العجز واضح، فالفساد وهدر وسرقة المال العام أحد أهم الأسباب للعجز وبالدرجة الثانية تمويل الحرب.

لذلك تسعى الحكومة لتغطية العجز هذا بالضرائب ورفع الرسوم الجمركية وابتزاز المواطن، ولا إجراءات حكومية ايجابية في هذا السياق،وبالإضافة لذلك فإن التحكم في سعر صرف الدولار ينعكس على كلفة هذه البضائع أضعاف مضاعفة مقابل الحفاظ على مخزون استراتيجي من العملة الصعبة حسب ادعاءات البنك المركزي، وهذا عار عن الصحة لأن فرق سعر الصرف يدخل جيوب المسؤولين لا البنك المركزي.

وحول الحلول الممكنة، أوضح سليمان، أن تحرير سعر صرف العملة الأجنبية، أحد أهم الإجراءات التي تمنح السوق مرونة كافية لاستيراد البضائع وبالتالي زيادة العرض وخفض الأسعار، هذا من جهة ومن جهة ثانية تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب، إضافة إلى السياق الأمني داخل سوريا والذي يؤثر على الانتاج المحلي سلبا.

قد يهمك:الرشوة والمساعدات والحوالات مصادر معيشة السوريين بدلاً من الرواتب

تحديد الربح لم يخفض الأسعار

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حددت الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد عدد من المواد ولكافة حلقات الوساطة التجارية، حيث تم تحديد هامش الربح لحوالي 50 مادة وتراوح الحد المسموح به بالربح بين 4 – 10 بالمئة للمستورد وتاجر الجملة، وبين 5 – 13 بالمئة لبائع المفرق.

كما تم تحديد الحد الأقصى للربح بـ 9 بالمئة لتاجر الجملة في حال أُنتج أو استورد هذه المواد، (السمن والزبدة الحيوانية والزيت النباتي وزيت الزيتون والملح، والنشاء واللحوم والحليب المجفف كامل الدسم وخالي الدسم، وحليب الأطفال ومستحضرات أغذية الأطفال، والمتة والمشروبات الغازية والكحولية، والطحين المنتج والخبز السياحي والصمون والكعك، والبقوليات والبرغل والفريكة ومكعبات الثلج والمخللات، وأنواع من الأسمدة والبذور الزراعية، والمستورد من الألبسة المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 13 بالمئة.

أما المواد التي كان هامش ربحها أقل من ذلك، فهي (الأرز والسكر ومعلبات اللحوم والسمسم والطحينة والحلاوة، والشاي المستورد والبن بأنواعه والطحين المستورد والدفاتر المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 9 بالمئة.

إقرأ:أسباب جديدة قديمة لارتفاع الأسعار في سوريا

يذكر أن نسبة ضبط السوق من وزارة التجارة الداخلية لا تتجاوز 10 بالمئة حاليا، والدليل الفوضى التي تشهدها الأسواق، كما لم تنجح العقوبات التموينية بخفض الأسعر إذ أنها تطال تجار المفرق دون تجار الجملة المتحكمين الأساسيين بالأسعار، ما يجعل تحديد هوامش الربح من قبل الجهات الحكومية حبرا على ورق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.