وسط التهديدات التركية والخلافات الكردية الداخلية: هل ستعمل فرنسا على حصول الإدارة الذاتية على اعتراف دولي؟

وسط التهديدات التركية والخلافات الكردية الداخلية: هل ستعمل فرنسا على حصول الإدارة الذاتية على اعتراف دولي؟

في سابقة هي الأولى من نوعها زار وفد، ضمّ ممثلين عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، قصر الإليزيه في فرنسا، بدعوة رسمية وعلنية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأعقب الزيارة بيان رسمي، صادر عن الرئاسة الفرنسية، أكد «الدعم الفرنسي لإرساء الاستقرار في شمال وشرق سوريا».

وشارك في وفد الإدارة، الذي التقى الرئيس ماكرون في الإليزيه، يوم الإثنين التاسع عشر من تموز/يوليو، “إلهام أحمد” رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، و”بيريفان خالد”، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، و”غسان اليوسف”، الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي بالإدارة المدنية في دير الزور.

وناقش وفد الإدارة مع الرئيس الفرنسي، خلال اللقاء الذي استمر نحو تسعين دقيقة، الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في شمال وشرق سوريا. وفق ما صدر من تصريحات رسمية عن الطرفين.  فهل ستفتح هذه الزيارة الباب للاعتراف الدولي بالإدارة الذاتية؟

 

فرنسا والكُرد

“شفان خابوري”، ممثل الإدارة الذاتية في الخليج العربي، وصف الزيارة  بـ«الإيجابية»، مؤكداً لموقع «الحل نت» أن «الإدارة تسعى مع فرنسا، وغيرها من الدول الصديقة، لمساعدتها بالحصول على الاعتراف السياسي الدولي، الذي أثبتت جدارتها به، من خلال جهودها في إدارة المنطقة، وتطهيرها من الإرهاب بصورة عامة»، حسب تعبيره.

مضيفاً: «الأزمة في سوريا، وسبل حلها، كانت جوهر النقاشات بين الطرفين؛ فضلاً عن استمرار قتال تنظيم داعش، لضمان عدم عودته  مجدداً؛ وأيضاً موضوع المعتقلين من عناصر التنظيم في سجون الإدارة الذاتية، وبقاءهم دون محاكمة دولية حتى الآن؛ وكذلك فإن الملف الاقتصادي لم يغب عن الاجتماع».

بدوره يرى “طارق زياد وهبي”، الباحث في العلاقات الدولية المقيم في فرنسا، أن «دعوة وفد الإدارة الذاتية إلى الإليزيه هو بمثابة شكر للإدارة على دورها في الحرب ضد داعش؛ كما أن ملف مخيم الهول يعتبر مهماً جداً لفرنسا، وتعاون الإدارة الذاتية مع السلطات الفرنسية في هذا الملف أدى لبناء علاقة استخباراتية قوية بين الطرفين، استعانت بها الحكومة الفرنسية لحلحلة بعض الملفات العالقة، مثل ملف العائلات الفرنسية، التي ذهبت للقتال في صفوف تنظيم داعش».

ويتابع “وهبي”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الرئيس ماكرون، بدعوته للإدارة في هذا التوقيت، يعطيها دعماً سياسياً، قد يتبعه دعم اقتصادي، لضمان استدامة آلية حكمها في المنطقة»، مشيراً إلى ما سمّاه «الموقف الإيجابي لفرنسا من القضية الكردية، منذ عهد الرئيس الفرنسي الأسبق “فرانسوا ميتران”، الذي طوّر العلاقة الفرنسية-الكردية، عبر إنشاء المركز الكردي في باريس، ليس فقط لأهداف ثقافية، ولكن ايضاً للتعبير السياسي الواضح عن اعتراف فرنسا بحق الكُرد في تقرير مصيرهم».

ويعتبر الباحث في العلاقات الدولية أن «مشروع الإدارة الذاتية لا يمكن أن يستمر إلا عبر دعم دولي، خاصة من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، وهنا تلعب الأخيرة دوراً ريادياً، لدفع بقية الدول لدعم الإدارة، ربما لإدراكها أن وجود الإدارة الذاتية بات أمراً واقعاً، والعودة عنه تعني حرب إبادة ضد الكُرد»، حسب تعبيره.

وكان مظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، قد أكد، خلال اجتماع المجالس العسكرية لقواته، على «ضرورة دعم دول التحالف الدولي ضد الإرهاب للإدارة الذاتية سياسياً واقتصادياً، الامر الذي سيساهم في القضاء على داعش، وحلحلة الأزمة السورية».

 

معوقات الاعتراف

إلا ان التناقضات الكردية-الكردية ربما تقف حجر عثرة أمام الاعتراف بالإدارة الذاتية، إذ يشير “طارق وهبي” إلى «ضرورة وقف التراشق السياسي بين القوى الكردية، الذي سيُضعف موقف الإدارة الذاتية»، مضيفاً أن «الصعوبة تكمن في كيفية جمع الأحزاب الكردية على خطاب وهدف موحّد، للوصول الى اعتراف دولي».

وسعت فرنسا وأميركا للتوسّط بين الأطراف الكردية السورية المختلفة، وخاصة “أحزب الوحدة الوطنية” وأحزاب المجلس الوطني الكردي، لإيجاد صيغة توافق، والبدء بجولات من المفاوضات بين الطرفين، إلا أن هذه المفاوضات تعثّرت، ولم تفض إلى اليوم لنتائج ملموسة على الأرض.

ورغم الخلافات الكردية- الكردية إلا أن بعض الأحزاب غير المشاركة بشكل كامل في الإدارة الذاتية تنظر إلى الزيارة الأخيرة بإيجابية، فقد أكد “عبد الكريم قاسم”، عضو منظمة عامودا لحزب “يكتي” الكردي في سوريا، المشارك في #مجلس_سوريا_الديمقراطية (مسد)، وهو المظلة السياسية للإدارة الذاتية، دون أن تكون له مقاعد تمثله في الإدارة، أن حزب “يكتي” «يؤيّد ويساند هكذا لقاءات، لأنها تصبّ في مصلحة مكونات المنطقة بشكل عام، وتدفع نحو الاعتراف الدستوري بحقوق الكرد بشكل خاص».

وأضاف “قاسم”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «لقاء أي طرف كردي، سواء كان من الإدارة الذاتية أو غيرها، مع أية جهة دولية، مشاركة بشكل مباشرة في الأزمة السورية، له أهمية كبيرة على الصعيد السياسي، وربما سيكون له تداعيات إيجابية، ويؤسس لاعتراف مستقبلي بالحقوق الكردية».

إلا أنه يرى بالمقابل أن «الحكومة الفرنسية تريد عبر دعوتها لفت نظر الإدارة الذاتية إلى ضرورة إجراء تغييرات جذرية في هيكليتها، واحتضان كافة المكوّنات العرقية والسياسية والدينية في المنطقة، لكي تكون جاهزة للمشاركة في أي تطوّر سياسي على الساحة السورية»، مشدداً على أن «الفرنسيين واضحون جداً بموقفهم في دعم الحوار الكردي- الكردي، وضرورة إشراك كافة الأحزاب والمكونات في الإدارة الذاتية».


مسألة الحوكمة

وأصدرت الرئاسة الفرنسية بياناً، عقب اللقاء مع ممثلي الإدارة الذاتية، قالت فيه إن «الرئيس الفرنسي شدّد على ضرورة مواصلة العمل من أجل إرساء استقرار سياسي في شمال وشرق سوريا، وحوكمة شاملة»، حسبما نقلت وكالة “فرانس برس”.
وحول موضوع الحوكمة الوارد في البيان أكدت “بريفان خالد”، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية، التي شاركت في زيارة قصر الإليزيه أن «مسألة الحوكمة، التي تشدد عليها الحكومة الفرنسية، تؤخذ بعين الاعتبار والجدية ضمن الإدارة الذاتية، وبدأ العمل على تنظيم القوانين وتعديلها قبل مدة من الزيارة، بما يخدم المنطقة، ويساهم في إرساء الحوكمة بالشكل الفاعل».
وأضافت “خالد”، في تصريحاتها لموقع «الحل نت»، أنه «يتم الآن إعادة النظر بالأنظمة الداخلية لمعظم مؤسسات الإدارة الذاتية، وهذا الأمر ليس بالجديد، بل بدأ العمل عليه منذ انتهاء سلسلة المؤتمرات، التي عقدها مجلس سوريا الديمقراطي مع الفعاليات الشعبية والسياسية في المنطقة، ومن قرارتها تمكين العمل المؤسساتي ضمن الإدارة الذاتية».
وتختتم “خالد” حديثها بالقول: «ربما كان من أهم الخطوات، التي ستساهم في إرساء الحوكمة في المنطقة، تشكيل لجنة مؤلفة من مئة وثمانية وخمسين مختصّاً، تحت إشراف المجلس العام لـ”مسد”، لإضفاء تعديلات على العقد الاجتماعي (الدستور) في مناطق الإدارة وفق متطلبات المرحلة؛ إضافة للتحضير لانتخابات عامة في شمال وشرق سوريا، تتمتع بالنزاهة، وتُفسح المجال للشعب لاختيار المسؤولين بشكلٍ ديمقراطي وحر».

 

الرسائل الفرنسية

ورغم البيانات الإيجابية، الصادرة عن الرئاسة الفرنسية، يعتقد الأكاديمي الكردي “إبراهيم مسلم” «وجود نوايا فرنسية أخرى من توجيه الدعوة للإدارة الذاتية، منها استثمار الرئيس الفرنسي لهذه الزيارة لأغراض انتخابية، ولاسيما ان الانتخابات الرئاسية الفرنسية باتت قريبة، وجزء كبير من الشعب الفرنسي متعاطف مع قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية».

ونوّه “مسلم”، في حديثه لـ«الحل نت»، إلى «وجود رسائل فرنسية أخرى لتركيا والحكومة السورية وروسيا، وربما إيران أيضاً، لأن فرنسا لديها مصالح استراتيجية في الشرق الأوسط، وستستغلّ كل الفرص لطرح رؤيتها في المنطقة. فقد تلقّت الحكومة السورية وحلفاؤها، من خلال هذه الزيارة، رسالة الفرنسية واضحة، جعلتهم يفهمون جيداً مدى الدعم الدولي الذي تناله الإدارة الذاتية، وأن القضاء عليها أو إضعافها لن يكون سهلاً، لأن الدعم الفرنسي والأمريكي موجود، مقابل الحضور الروسي والإيراني الداعم لحكومة دمشق».

“طارق وهبي” لا يستبعد، رغم هذا، أن «يدفع الكُرد ثمن هذه الزيارة برد فعل تركي تجاه المنطقة»، مشيراً إلى أن «العلاقات التركية-الفرنسية ليست بأفضل أحوالها، وهنالك نزاع بين الدولتين حول ملفات عديدة، منها الملف السوري، وهذا النزاع جزء من لعبة دولية، مبنية على أساس مصالح سياسية واقتصادية».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.