على وقع انسحاب أميركا من أفغانستان، منتصف شهر آب/أغسطس الحالي، وقرب انسحابها من العراق خلال نهاية العام الجاري، تتزايد التساؤلات حول احتمالية انسحاب القوات الأميركية من سوريا، بالتوازي مع ما أكدته تقارير صحفية غربية، حول بقاء تلك القوات خلال الفترة المقبلة.

مجلة “نيوزويك” الأميركية نقلت، مطلع الشهر الجاري، عن مصدر رفيع في الإدارة الأميركية، تأكيده على «استمرار بقاء قوات بلاده في سوريا، ومواصلتها دعم قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، في قتالها ضد تنظيم داعش».

وأوضح المسؤول في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن «سوريا والعراق وأفغانستان قضايا منفصلة تماماً، ولا ينبغي الخلط بينها»، مستبعداً «حدوث أي تغييرات في الوقت الحالي على المهمة الأميركية في سوريا».

وأضاف: «فيما يتعلّق باستراتيجيتنا الأوسع لسوريا، فقد حددنا الأولويات الرئيسية، وهي التخفيف من المعاناة الإنسانية؛ وتوسيع نطاق وصول المساعدات؛ واستمرار الحملة ضد داعش؛ وتوضيح عدم تسامحنا تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، التي ترتكبها الحكومة السورية، والجهات الفاعلة الأخرى في الصراع السوري».

في حين قال الرائد “جون ريغسبي”، المتحدث باسم الجيش الأميركي، إن« مهمة وزارة الدفاع الأميركية في سوريا تتمثل في تمكين هزيمة داعش الدائمة»، مشدداً على أن «النفط السوري للشعب السوري، ونحن ما نزال ملتزمين بوحدة وسلامة أراضي سوريا».

فهل هذه التصريحات تؤكد على نية أميركية جديّة في البقاء بسوريا؟ وبماذا يختلف الملف السوري عن نظيريه العراقي والأفغاني من وجهة النظر الأميركية؟

 

«أميركا لا تحتاج جيوشاً في الخارج»

الكاتب والمحلل السياسي “غسان المفلح” يرى أن «الولايات المتحدة، بسبب ما تمتلكه من قوة وسطوة عالمية، لم تعد تحتاج إلى قوات وعسكر خارج حدودها، لكي تفرض ما تريد في ساحة ما. فيكفي أن ترفع العلم الأميركي، أو أن تصرّح بأن منطقة معينة تحت حمايتها، حتى تحترم معظم الأطراف الدولية والإقليمية ذلك»، حسب تعبيره.

واعتبر الكاتب السوري، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «الانسحاب من أفغانستان لن يؤثر على التواجد الأميركي في سوريا أو المنطقة. لأن أميركا ما تزال مسيطرة وبقوة على الشرق الأوسط ووسط آسيا، من حدود الصين وحتى المغرب. أما إعادة الانتشار التي تجري فهي لتخفيف الكلفة المادية والبشرية على الشعب الأميركي».
وكانت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية قد نقلت، في نهاية شهر تموز/يوليو الماضي، عن مسؤول أميركي تأكيده أن «إدارة الرئيس جو بايدن ستُبقي على حوالي تسعمئة عسكري أميركي في سوريا، من بينهم عناصر “القبعات الخضراء”، لدعم قوات سوريا الديمقراطية في محاربة داعش».

وقال المسؤول الأميركي آنذاك: «لا أتوقع أي تغيّرات في مهمتنا أو حضورنا في سوريا»، لافتاً إلى أن «دعمنا لـ”قسد”، في قتالها ضد داعش، كان ناجحاً، وهذا ما سنستمر به».

 

تواجد منخفض التكلفة

من جهته يشير “توفيق طعمة”، الكاتب المختص في الشؤون الأميركية، إلى أن «سحب القوات الأميركية من أفغانستان، وبعدها من العراق، يجيء في سياق الحملات الانتخابية للرؤساء الأميركيين».

وفيما يخصّ سوريا يرى “طعمة”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «تواجد واشنطن العسكري في سوريا سيتسمر بحده الأدنى». معتبراً في الوقت ذاته أن «الولايات المتحدة لن تسعى أبداً إلى زيادة قواتها في البلاد».

ولفت إلى أن اختلاف الحالة السورية عن العراق وأفغانستان يأتي من أن «التكلفة المادية لبقاء القوات الأميركية في سوريا غير مرتفعة، فضلاً عن انخفاض خسائرها البشرية، التي لا يمكن مقارنتها بالخسائر في العراق وأفغانستان».

 

الوجود العسكري والحل السياسي

«حسابات الوجود الأمريكي في سوريا، وبقاء القوات الأميركية لفترة غير معلومة، ينطلق من عدة اعتبارات، يتمثّل أبرزها بمعالجة الخلل في موازين القوى على الأراضي السورية، حيث تسعى القوات الأمريكية إلى الضغط على نظيرتها الروسية، بهدف الحد من مساعي تمدد الأخيرة في مناطق شرق وشمال شرق البلاد، وكثيراً ما حدثت احتكاكات بين الطرفين، تشير إلى مدى تقارب المسافات بين قواعدهما. كذلك من المتصوّر أن الولايات المتحدة بصدد التعامل مع طبيعة الانتشار العسكري التركي في شمال سوريا»، بحسب ما أفادت به دراسة لمركز “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة”، نشرت في شهر آذار/مارس من العام الجاري.

الباحث في الشؤون الدولية “سامر دباس” يعلّق على هذا التحليل بالقول «واشنطن تدرك أهمية توظيف مساحة انتشارها العسكري في سوريا، فرغم أنها لا تنوي أن تزيدها أو أن تنقصها، إلا أنها حريصة على أن يتم تحسين أوضاع قواتها في تلك المساحة، على مستوى القدرات والإمكانيات، من أجل أن ينعكس هذا عبر إشارات سياسية، تضمن تأثيرها على أي حل سياسي مستقبلي في البلاد. ولذلك فإن الانسحاب الأميركي من سوريا في الوقت الحالي سيأتي بنتائج سياسية عكسية، لن تكون من مصلحة الأميركيين».

مبيّنا، خلال حديثه لـ«الحل نت» أن «من أبرز أسباب استمرار التواجد الأميركي في سوريا، خلال الفترة المقبلة، منع التمدد الإيراني في مناطق الشرق السوري، لأن الخروج العسكري الأميركي المبكر سيكون لصالح إيران، التي تسعى للتوغل في مناطق مختلفة سوريا، وستطمح لملء الفراغ الأميركي، حال حدوثه، وهو أمر ترفضه واشنطن».

مختتماً حديثه بالقول: «إضافة إلى ما سبق، فإن التواجد العسكري الأميركي يُعتبر، في حسابات واشنطن، ورقة ضغط لتحريك العملية السياسية السورية، بما يضمن تحقيق توازن مع مناطق النفوذ التابعة لكل من روسيا وإيران، وبذلك يمثّل التواجد الأميركي قوة موازنة للقوى التي تدعم حكومة دمشق».

ومع مرور سبع سنوات على الوجود الأميركي في سوريا، ومحاولتين سابقتين من قبل الرئيس الأميركي السابق “دونالد ترامب” لسحب القوات الأميركية، لا توجد أي خطط علنية بعد لإجراء تغييرات على العملية العسكرية الأميركية في سوريا.

وكان ترامب قد أمر، في عام 2020، بسحب القوات الأميركية، المتواجدة قرب الحدود الشمالية مع تركيا، باعتبار هذا جزءاً من مخطط شامل لسحب جميع قوات بلاده من سوريا. لكنّ ترامب وافق لاحقاً، تحت ضغط وزارة الدفاع الأمريكية #البنتاغون، على إبقاء القوات الأمريكية في شمال وشرق سوريا، لمواصلة العمل مع “قسد” ضد داعش، وحماية حقول النفط في المنطقة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.