الاضطراب الأمني في المحافظات المحررة: لماذا يستهدف تنظيم داعش مخاتير محافظة ديالى العراقية؟

الاضطراب الأمني في المحافظات المحررة: لماذا يستهدف تنظيم داعش مخاتير محافظة ديالى العراقية؟

يحاول “فائق الدليمي” تذكّر تفاصيل تلك الليلة بدقة: «كانت ليلة باردة من ليالي كانون الثاني/يناير عام 2015، سمعت طرقاً خفيفاً على الباب، ففتحه لأسمع صوت انفجار هائل، وأجد نفسي مقذوفاً على بعد عدة أمتار عن المنزل، الذي تضرّر بشكل كبير. علمت بعدها أنني تعرّضت لمحاولة اغتيال بواسطة قنبلة يدوية».

لم تكن هذه محاولة الاغتيال الوحيدة، التي عانى منها “الدليمي”، إذا تكرر الأمر بعدها مرتين، «الأولى عبر قنبلة يدوية أيضاً؛ والثانية بسلاح ناري»، بحسب ما يقول.

“فائق الدليمي” يعمل منذ عام 2014 مختاراً لقرية “ركة الحاج سهيل”، التابعة لقضاء بعقوبة في محافظة ديالى العراقية، والتي يقطنها اثني عشر ألف مواطن. ورغم محاولات الاغتيال المتكررة يؤكد لموقع «الحل نت» أنه «لن يتخلى عن أداء واجبه، أو يستسلم أمام العنف والتهديد».

حالة “الدليمي” ليست فريدة من نوعها، إلا من جهة أنه نجا بأعجوبة من محاولات الاغتيال التي تعرّض لها، وهو حظ حسن، لم يتح لمخاتير عراقيين آخرين في المحافظات العراقية المختلفة، وخاصة ديالى، إذ قتل عشرات منهم على أيدي التنظيمات المتطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش، الذي يعتبر المخاتير مخبرين للسلطات العراقية وقوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، ما أدى إلى حالة فراغ إداري في المحافظة،  فكثيرون باتوا يحجمون عن تولي منصب المختار، خوفاً على حياتهم.

 

قرى بلا مخاتير

“وليد الزبيدي”، مختار قرية “شفته” في ديالى، يقول لموقع «الحل نت»: «أنا مستمر بالعمل منذ عام 2014، أي منذ بدء تحرير المحافظة من سيطرة داعش، وشهدت مقتل عديد من زملائي وأصدقائي المخاتير، في مناطق “الكاطون” و”حي المعلمين”، بطرق مختلفة، فمنهم من قضى بحزام ناسف، وآخرون بالرصاص والقنابل اليدوية، وبعضهم خُطف ولا نعلم عن مصيره شيئاً، كما أن هنالك من اضطروا للنزوح بعيداً عن مناطقهم وقراهم، بسبب تهديدات الجهات المتطرفة».

الوضع في قرى قضاء بعقوبة، عاصمة المحافظة، هو الأكثر تعقيداً، بحسب “عبد الله الحيالي”، قائمقام القضاء، الذي قال لـ«الحل نت»: «يُعتبر قضاء بعقوبة من أكبر أقضية ديالى من ناحية الكثافة السكانية، ومرّ بظروف أمنية عصيبة جداً، خاصة في الفترة بين عامي  2006 و2009، بسبب الاضطرابات الأمنية، التي وصلت لذروتها عقب سيطرة الجماعات المتطرفة على أجزاء واسعة من القضاء، قبل تحريره بعمليات عسكرية واسعة آنذاك، الأمر الذي ألقى بظلاله على مخاتير القرى والأحياء السكنية، وبعد ظهور داعش، عمد التنظيم إلى استهداف عشرات المخاتير، عبر تصفيتهم وتفجير منازلهم وتهجير عوائلهم، ما تسبب بعزوف كبير عن تولي منصب المختار».

ويتابع حديثه بالقول: «لدينا الآن في قضاء بعقوبة حوالي خمسين منصباً شاغراً للمخاتير، الأمر الذي دفع القائمقامية إلى البحث عن أساليب أخرى لإدارة شؤون القرى والأحياء، ومنها محاولة سد حاجات الأهالي، قدر الإمكان، عبر مركز القضاء مباشرةً».

 

أسباب الاستهداف

ولكن لماذا كل هذا الحقد على المخاتير؟

على الرغم من أن منصب المختار يشكّل حلقة وصل بين المواطنين والدوائر الحكومية، إلا أن محافظة ديالى تمتلك وضعاً خاصاً، إذ أن أحد أهم مهام المختار التعاون مع القوات الأمنية في عملياتها ضد التنظيمات المتطرفة.

وقبل حوالي عام قام المجلس المحلي في محافظة بغداد بضمّ فقرات جديدة إلى قانون المخاتير العراقي، المعمول به منذ عشرات السنين، فسمح للمختار بممارسة وظيفة الضبط القانوني، ومسك سجل جرد العائلات والموقوفين والمسجونين والخارجين من الحبس والعائلات النازحة والمُهجّرة والمهاجرة في المحلة التي يشرف عليها، وكذلك الإبلاغ عن التحركات المشبوهة، ومرافقة الجهات الأمنية في تنفيذ أوامر إلقاء القبض والاعتقالات والتحري. وسرعان ما عممت تجربة بغداد هذه على بقية محافظات وسط العراق، وخاصة ديالى.

كل هذا جعل المخاتير الهدف المفضّل للتنظيمات المتطرفة، إذ يؤكد “الحيالي” أن «قضاء بعقوبة لوحده فقد فيما مضى خمسة عشر مختاراً على يد تنظيم القاعدة. واستمر الاستهداف من قبل كل التنظيمات المتطرفة، التي توالت على المحافظة، فهي تعتبر المختار مصدر خطر عليها، لأن عمله يفرض عليه تبليغ الأجهزة الأمنية عن كل نشاط محلي مريب، وأماكن تواجد عناصر التنظيمات ومراكز نشاطهم».

 

الحلقة الأضعف

إضافة لكل هذا فيبدو أن استهداف المخاتير هو الأسهل بالنسبة للمتطرفين، فبحسب المختار “فائق الديلمي” فإن «عائدات منصب المختار المادية والمعنوية لا توازى خطورة العمل، فنحن لا نمتلك ما يؤمّن حياتنا، من عناصر حماية مثلاً، أو مرافقة شخصية من القوات الأمنية، وعلينا أن نحمي أنفسنا بإمكاناتنا الذاتية».

أما المختار “وليد الزبيدي” فيقول: «كل ما نطالب به هو تأمين سبل محكمة لحماية أنفسنا وعوائلنا، إلا أن ما حصلنا عليه حتى الآن هو الحق بالاحتفاظ بقطعة سلاح في المنزل فقط».

ورغم حساسية منصب المختار، والتهديدات التي يتعرّض لها، إلا السلطات العراقية لا تبدي التقدير المناسب لعمل المخاتير، إذ يشتكي “الديلمي” من أن «الدولة العراقية لا تحترم جهودنا، وتعاملنا أحياناً بشكل مهين، فمثلاً حين يقصد المختار دائرة حكومية عليه تسليم هاتفه النقّال وعلبة سجائره على بابها قبل الدخول»، وهو ما يعتبره “الديلمي” «تقليلاً من قيمة المختار، خاصة وأنه، بحسب #الدستور_العراقي، يقوم بمهام عضو الضبط القضائي، ويجب أن يحظى بمعاملة أفضل من هذه. وبعد كل هذه التهديدات والمعاملة السيئة يتفاجأ المسؤولون أن ديالى خالية من المخاتير».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.