يبدو أن سريلانكا على وشك أن تصبح ساحة معركة بين الصين والهند في وقت تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية بين البلدين، خاصة بعد وصول سفينة صينية، تسيطر عليها الأقمار الصناعية إلى سريلانكا، مما أثار الكثير من القلق في المنطقة. ويعتبر هذا الأمر بمثابة صفعة للهند، وتثير مخاوف أمنية وتساؤلات جديدة حول الثقة في العلاقات الثنائية بين الهند، وسريلانكا.

ضغطت كلّ من الهند والولايات المتحدة، بشدة على سريلانكا لإلغاء وصول الصين إلى الميناء، الأمر الذي أغضب الصينيين. وكانت وزارة الخارجية السريلانكية قد أذعنت في البداية لهذا الضغط. في حين كانت الهند قلقة من أن السفينة لديها القدرة على التجسس على المؤسسات العسكرية الهندية في المنطقة.

ومن هذا المنطلق، فإن كل ذلك يثير تساؤلات جمة حول إمكانية نشوب صراع بين نيودلهي، وبكين، وإن كان محدودا، خاصة وأن بكين تواصل تعزيز مواقعها بالسيطرة على أجزاء من الأراضي الهندية، بعد عامين من الأحداث الحدودية هي الأعنف بين البلدين منذ 45 عاما. وبالتالي حدوث أزمة دولية جديدة مماثلة لما حدث في أوكرانيا، حتى وإن كان على الصعيد السياسي، والاقتصادي وليس العسكري.

“صراع هوياتي”

تقرير لموقع “ناشونال إنترست” الأميركي، أشار إلى أنه قبل أشهر فقط، عندما كانت سريلانكا تحت نظام الحكم السابق، لم يكن وصول سفينة صينية، يثير القدر نفسه من الاهتمام الذي يثيره حاليا.

وأردف التقرير، أن وصول سفينة صينية لم يكن أول استفزاز لإغضاب الهند. ففي عام 2014، رست سفينتان صينيتان، وغواصة وسفينة حربية في ميناء حاويات أنشأته الصين في كولومبو، عاصمة سريلانكا. وأدت الكثافة المتزايدة لزيارات السفن العسكرية الصينية، لسريلانكا إلى إبقاء الهند في حالة تأهب مستمرة، مما زاد من تآكل العلاقات بين البلدين اللذين تربطهما علاقات ثقافية، وعرقية تاريخية قوية. كما اعترضت الهند بشدة عام 2014 على إنشاء شركة صينية، لصيانة الطائرات في سريلانكا.

في هذا الإطار يرى الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، الصراع بين الهند، والصين على أنه “صراع هوياتي”، بمعنى أن الصين تقدم نموذجا للهوية الصينية، والهند تقدم نموذجا للهوية الهندية، وهو صراع ليس مثل الصراع الهندي الباكستاني، فهو صراع “هوية بينية” فقط.

وأضاف شحادة، في حديثه لـ “الحل نت”، “لا يخفى على أحد أن الديانة في سريلانكا هي ديانة هندية، وسريلانكا من حيث المبدأ هي إحدى منطلقات الهند إلى أستراليا، وبالتالي فإن السكان المهاجرين إلى أستراليا ونيوزيلندا هنود، ولذلك تدخلت الولايات المتحدة في هذا الصراع المحتدم في آسيا، الذي يُظهر على أنه صراع مُسالم، ولكن كما توصف بالقارة الصفراء، أي الصراع حامي الوطيس”.

ووفق تقدير شحادة، هناك صراع هيمنة بين الصين والهند على سريلانكا، حيث كانت سريلانكا تاريخيا اشتراكية وبالتالي كانت لها علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي، ولكن بعد انهيار الاتحاد، تغيرت الأمور في العالم وأصبحت الرأسمالية هي النظام العالمي السائد، ولأن الهند لديها إمكانات كبيرة لتصبح دولة عظيمة، فقد كانت تكافح من أجل التنمية الزراعية، والتكنولوجية، والاقتصادية حتى وصلت إلى خامس أقوى اقتصاد، ومن هنا اصطدم مشروعها بالدول المجاورة منها سريلانكا، وبنغلادش، وبورما، وباكستان، وشكّل هذا الأمر أزمة لها.

ووفق تقدير شحادة، فهناك صراع هيمنة بين الصين والهند على سريلانكا، حيث كانت سريلانكا تاريخيا اشتراكية وبالتالي كانت لها علاقات جيدة مع الاتحاد السوفيتي، ولكن بعد انهيار الاتحاد، تغيرت الأمور في العالم وأصبحت الرأسمالية هي النظام العالمي السائد، ولأن الهند لديها إمكانات كبيرة لتصبح دولة عظيمة، فقد كانت تكافح من أجل التنمية الزراعية والتكنولوجية والاقتصادية حتى وصلت إلى خامس أقوى اقتصاد، ومن هنا اصطدم مشروعها بالدول المجاورة منها سريلانكا وبنغلادش وبورما وباكستان، وشكّل هذا الأمر أزمة لها.

الرئيس الصيني شي جين بينغ في زيارة سابقة لسريلانكا لافتتاح عدد من مشاريع البنية التحتية، أرشيفية/ Getty

صراع متعدد

منذ موجة فيروس “كورونا”، قبل نحو عامين وأكثر قليلا، لم تتلق سريلانكا دعما اقتصاديا من دول كثيرة، لأن معظم الدول كانت تنهار نتيجة جائحة “كورونا”، ومن هنا استغلت الصين الأزمة في سريلانكا بالإضافة إلى قضية الأقلية المسيحية، وأنهم بحاجة إلى دعم ومساندة، وتدخلت من باب الاقتصاد إليها في محاولة فرض نفوذها عليها، وفق تعبير شحادة.

ومع ذلك، يختلف سياق رسو السفينة الصينية هذه المرة في ميناء سريلانكي. فأولا، يحدث ذلك على خلفية العلاقات الهندية الصينية المتوترة. وثانيا، يحدث في ظل وقوف الهند بحزم إلى جانب سريلانكا خلال أزمتها المالية المستمرة، بدون أي توقعات، وفق تقرير الموقع الأميركي.

ورغم ذلك، فإن سريلانكا التي تعاني من ضغوط مالية غير مسبوقة ستضطر إلى الامتثال للضغوط الصينية، كما أن الميناء الذي رست به السفينة الصينية يخضع بالفعل للسيطرة الوظيفية الصينية بعد أن حصلت بكين على عقد إيجار لمدة 99 عاما.

سفينة صينية في أحد موانئ سريلانكا “AFP”

ويبدو أن باكستان تقف إلى جانب الصين، (وفق رأي شحادة)، والهند تجد نفسها دولة قوية وأنها واحدة من خامس دول اقتصادية في العالم، وتشعر بأنها منافسة للصين اليوم، ولكن الهند تأخرت على عكس الصين التي اتخذت خطوات مدروسة للوصول إلى ما وصلت إليه. وبالتالي باتت سريلانكا بالفعل ساحة للتصفية وإن كان على المستوى الهيمنة الاقتصادية.

كما أن الصراع بين الصين والهند متمحور على المستوى الإقليمي الآسيوي، وعلى مستوى الهوية الهندية الصينية، وعلى المستوى العلاقات الدولية، خاصة وأن “مجموعة أوكس” الدولية كانت تطمح إلى كسب الهند كقوة اقتصادية، وحصر الصين في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي والهادي، من أجل كبح جماح الصين، وهو ما له تبعات اقتصادية في المستقبل، وفق اعتقاد شحادة.

ووفق التقرير الأميركي، فإن الهند وضعت درعا من الأقمار الصناعية ضد السفينة الصينية قبل أن ترسو في ميناء سريلانكا، إذ نشرت 4 أقمار وسفينة حربية لمواجهة التهديدات الأمنية بشكل استباقي، ونشرت قمرين صناعيين يُعتبران أعين البحرية الهندية في المحيط الهندي، الأقمار الصناعية لاستطلاع التصوير بالرادار الهندي، وقمر استطلاعي، بالإضافة إلى سفينة حربية للاتصالات في بحر العرب.

عن احتمال نشوب حرب بين البلدين، ففي العلاقات الدولية الحالية، لا يوجد طرف عالمي يمكنه أن يقود حربا بدون حليف. على سبيل المثال، ليس لدى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين حليف، وذلك عندما حاول العبث بمحطة الطاقة النووية “زابوريجيا”، طلبت الصين منه ألا يعبث بها، ولم تكن بكين حليفا حقيقيا لموسكو، بينما كانت الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية حلفاء حقيقيين، حيث قدّموا مبالغ ضخمة لأوكرانيا، بينما لا تتلقى روسيا دعما ماليا من أوروبا، أو الهند، أو الصين، فهم حلفاء المصالح فقط، وبالتالي لا يمكن للصين الدخول في حرب مع الهند، حيث لا يوجد لها حلفاء حقيقيون، على حد رأي شحادة.

تاليا، فإن نفوذ الهند في سيرلانكا من حيث الديانة واللغة والمعتقدات، أقوى وأكثر فعّالية من النفوذ الصيني الاقتصادي فيها، ولن تتخذ الصين خطوة مجنونة، لأنها تعلم جيدا أنها إذا صعّدت ضد الهند، فإنها ستواجه عقوبات شديدة من الغرب، لا سيما أن الصين لديها استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في أميركا، وبالتالي إذا عوقبت الصين، مثلما عوقبت روسيا، فإنه من الممكن إعادة الصين إلى فترة ما قبل السبعينيات، لذا تدرس الصين خطواتها بعناية، وتعلم أن أدواتها ليست قوية أو قادرة على مواجهة الولايات المتحدة، وبطبيعة الحال لن تضع نفسها في هذا المستنقع الذي وضعت روسيا نفسها فيه.

قد يهمك: ما قصة منافسة اليابان للصين في القارة الإفريقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة