نصّت اتفاقية التسوية في 2018 بالجنوب السوري بشكلٍ غير مباشر، على تسليم درعا لروسيا وللنظام، وإبعاد إيران عن حدود إسرائيل والأردن قرابة 100 كيلو متر.

لم تخضع التسوية أهالي درعا بشكلٍ كامل، فجدّد النظام، ومعه الإيرانيون، المعارك والحروب والمصالحات منذ التسوية وإلى الاتفاق الأخير مع أهل درعا البلد، قبل عدة أيام، وبذلك تمّ تسليم كافة أشكال السلاح.

ويبدو أن هذا الاتفاق سيتم تطبيقه في مختلف بلدات درعا، وبذلك تخضع المدينة وأريافها للنظام خضوعاً كاملاً، أي إنهاء أيّ أشكالٍ للعمل العسكري، أو متابعة المطالبة بحقوقهم سلمياً.

كانت روسيا وسيطاً “غير نزيهٍ” فهي بالحقيقة تحتل سوريا؛ كانت هي الضامنة في 2018، والآن كذلك. بعكس الآراء التي لا ترى اختلافاً في المصالح بين روسيا وإيران، لأنهما حليفتين في سوريا، رغم أن الاختلافات قد تتحوّل بلحظةٍ إلى خلافات مستعصية ومعارك أيضاً، كما جرى أثناء “تسليم” حلب الشرقية للنظام 2017.

إن إنهاء الوضع في درعا، يعطي روسيا التبرير الكامل لإبعاد إيران عن المحافظة بأكملها، وليس فقط عن أحياء درعا البلد والمخيم والسد، حيث الاتفاق الأخير ينص على إبعاد الفرقة الرابعة، وكافة الميليشيات التي تحاصر الأحياء والأرياف.

اللقاءات التي أجراها الملك الأردني عبد الله الثاني في واشطن وموسكو، وقام بمثلها وزير الخارجية الإسرائيلي، تضمنت مسألة الوجود الإيراني على حدود هاتين الدولتين، وضرورة إبعاده نهائياً، حيث سقطت أي تهديدات للنظام، ولا بد أن يعود الأخير للإشراف على الحدود بعيداً عن حليفه الإيراني.

السياسة الأميركية إزاء المنطقة، تنطلق من رفضٍ للوجود الإيراني، ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة بأكملها، وهذا الرفض هو أحد شروط واشنطن لإعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، إضافة لموضوع الصواريخ الباليستية.

كافة الدبلوماسيين الأميركيين ووزراء الخارجية الأميركية، ربطوا بين مغادرة أميركا لسوريا وإخراج إيران منها، سيما بعد الانتهاء من داعش.

سمحت روسيا باعتبارها إحدى الدول العظمى، باستمرار الوجود الإيراني كي لا تتورط بعملياتٍ بريّةٍ واسعة؛ فاحتلالها أفغانستان وخروجها منها مهزومة، كان له دورٌ في تفكك الاتحاد السوفيتي، وبالتالي لا ترغب بتكرار السيناريو.

سوريا المتوسطية مغريّة للروس، وهي سابقاً كانت ضمن هيمنتهم السوفيتية، والآن نظامها ضعيف وحليفه إيران هو من استقدم روسيا، وذلك بموافقة أميركية وأوروبية وإسرائيلية وخليجية.

القصد هنا، أنّ دولاً متعددة قدمت إغراءات لروسيا باحتلال سوريا، ومن طبيعة السياسات العالمية للدول العظمى الاستفراد بالدول التي تحتلها، وهذا سبب جذري لخلافاتٍ قد تتطور مع إيران، وهي كذلك سبب الخلاف الإيراني الأميركي في العراق.

عدا الفكرة أعلاه، طوّرت أميركا سياسة جديدة مع الروس منذ لقاء بايدن بوتين قبل عدة أشهر، وأثمر ذلك عن الاتفاق بينهما، وعبر مجلس الأمن الدولي، على إدخال المساعدات الإنسانية، وسميت سياستهم تلك ب”خطوة خطوة” إضافة إلى “الإنعاش المبكر”.

الفكرتان تثمران تعاوناً “قويّاً” بين الدولتين؛ في الأيام القادمة سيلتقي دبلوماسيون روس وأميركيون للتباحث بخصوص الوضع السوري وسواه، وستُطرح بشكل حاسم قضية إبعاد إيران عن الجنوب السوري وربما العاصمة كذلك.

الأمر ذاته قد يتلمسه المرء من تصريح بوتين في لقائه الأخير (14-9-2021) مع الرئيس السوري، حيث أكد على ضرورة إخراج القوات الأجنبية من سوريا، وهذه عبارة تخص الأميركيين والأتراك، لكنها كذلك تخص الإيرانيين. في المحادثات السرية بين بوتين وبشار سيكون الوجود الإيراني المرفوض دولياً على سلم النقاش.

الاختلافات التي تصاعدت مع الإسرائيليين بخصوص هجمات الأخيرين على سوريا، والمواقع العسكرية الإيرانية ومواقع النظام، وتجاهل التنسيق الكامل مع روسيا بخصوصها، تمّ تخفيض قوته مع زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى موسكو.

لكن إسرائيل لن تتوقف وستفرض على الروس تهميش الوجود الإيراني. الوجود الأخير هو سبب أساسي في الهجمات الإسرائيلية، وروسيا كدولة عظمى ليس من اللائق بحقها أن تشاهد تلك الهجمات أو التحركات الإيرانية لمواجهتها أيضاً.

إن روسيا، وبعد إنهاء الوضع العسكري في درعا، أصبحت تمتلك أوراقاً قويةً وواقعية لإبعاد إيران، التي بدورها ستنصاع للأمر الروسي. لكن لدى إيران براغماتية قوية، قد تعيد عبرها تموقعها في درعا؛ فتدعم هذه الميليشيا أو تلك، وقد تعود عبر الأجهزة الأمنية للنظام أو الشرطة وسواها. هذا أيضاً لن يعود بفائدة كبرى عليها، وسيكون وجودها مستقبلاً أكثر هامشياً عن السابق.

في السويداء، يتصاعد الرفض للوجود الإيراني، والمرتبط بإغراق المدينة بالمخدرات وبعصابات مسلحة تستقوي على المواطنين، وتسبب انعداماً في الأمن، وهناك سياسات التشييع، بينما المدينة تتمسك بمذهبيتها الدرزية.

وهذا حال كافة الأقليات والأكثريات الدينية حينما تتراجع الدولة عن القيام بوظائفها العمومية، فكيف إن كانت سلطة الدولة تتحالف مع دولة، أهم ما تصدره للعالم التشيّع والطائفية؟.

تصاعد الرفض في السويداء للوجود الإيراني، سببٌ إضافي لتتدخل روسيا بقوة في المدينة التي رفضت سابقاً دعوات روسية لإلحاق الشباب الرافضين للخدمة العسكرية بجيش النظام أو ضمن الفيلق الخامس، التابع لروسيا، وهذا من أسباب الفرقة بين الروس وأهل السويداء، ولكن روسيا كدولة محتلة ستبحث دائماً عن أسباب جديدة لإشراك المحافظة في سياساتها، فالدور الإيراني بالغ السوء في السويداء؛ يتيح لها ذلك.

هناك سياسة أميركية انسحابية من المنطقة، وهذا أصبح شبه استراتيجية للإدارة الأميركية، المنشغلة بمواجهة الصين، وتقريب روسيا منها. بإطار ذلك التقريب ومحاصرة أميركا لإيران، سمحت بإعادة تشغيل خط الغاز المصري الواصل إلى لبنان، وعدم ارتهان الأخير للنفط الإيراني.

روسيا تبتغي تعويم النظام إقليمياً عبر خط الغاز أو خط الكهرباء الذي سيصل لبنان بالأردن ومن الأخير وعبر سوريا، وكذلك دفع تركيا لتتقارب من النظام أمنياً.

كان السماح الأميركي بإكمال إمداد ذلك الخط، ضد الهيمنة الإيرانية على لبنان، فأميركا المنسحبة ليست بطور التشدّد أكثر فأكثر على إيران، لكنها تحاصرها وتريد تحجيم دورها، عبر الاتفاق النووي والاستجابة للضغوط الإسرائيلية.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.