في ظل الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي بمناطق سيطرة الحكومة السورية، بات الحديث عن اللجوء إلى استخدام الطاقة البديلة، الشمسية على رأسها أمراً منطقياً رغم ارتفاع كلفة تأسيسها في المنازل.

تقارير محلية عديدة أشارت مؤخراً إلى الحاجة لاختيار مصدر طاقة بديل عن التيار الكهربائي في ظل عدم توفر الغاز الكافي لتشغيل محطات توليد الكهرباء، فضلاً عن ضعف أداء تلك المحطات وحاجتها الماسة للصيانة لاسيما وأنها تعاني من شح في قطع الغيار لاستعادة بعضاً من جودة أداء تلك المحطات القديمة.

خصخصة الكهرباء

في حين ذكرت تقارير أخرى في آب/أغسطس الماضي، أن الانقطاع الطويل للتيار الكهربائي في مناطق سيطرة الحكومة السورية، يعود إلى وجود أعطال في محطات توليد الكهرباء.

مشيرة إلى أن الأعطال المستمرة في محطات التوليد، تُعد من أبرز أسباب زيادة ساعات التقنين في تلك المناطق، إضافة إلى انخفاض مردودية مجموعات التوليد العاملة بسبب قِدمها، فضلاً عن قلة كميات الغاز اللازمة لتشغيل مجموعات التوليد العاملة.

ولعل تلك المعلومات، تدفع للتذكير إلى ما كشفه وزير الكهرباء لدى حكومة دمشق، نهاية نيسان/أبريل الماضي، ‘‘غسان الزامل’’، حول وجود تعاقد مع إيران بقيمة 124 مليون يورو، لتأهيل عدد من المحطات الكهربائية. في إشارة تدل على زيادة نفوذ إيران بقطاع الكهرباء السورية، وسعي دمشق الحالي على ما يبدو لتهيئة الظروف التي تتيح لإيران الدخول إلى هذا القطاع، في وقت قد يتم الترويج لذلك على أن النظام الإيراني كان المُنقذ للسلطات السورية.

وفق معلومات حصل عليها موقع (الحل نت) من مصادر خاصة في وزارة الكهرباء، فإن أحد الخيارات التي قد تتبعها دمشق خلال الفترة المقبلة ستكون تحرير أسعار الكهرباء بعد التوجه إلى خصخصة القطاع الكهربائي، ما يُشكل قيمة أكبر للجهة التي ستدخل على خط الاستثمار في هذا القطاع، والتي ترجح المصادر أن تكون جهة تتبع لإيران، ما يمنح الأخيرة السيطرة على مفصل مهم من مفاصل العمليات الإنشائية والتنموية في مرحلة إعادة الإعمار. وذلك بالتوازي مع اهتمام دمشق بتكثيف اللجوء إلى الطاقة البديلة خلال قادم الأيام.

الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، ‘‘سمير طويل’’، قال خلال حديث لـ(الحل نت) إن خطة تحرير أسعار الكهرباء لدى الحكومة السورية، هو أمر طبيعي ويندرج ضمن المخطط الأشمل المتعلق برفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطنين الذي تنتهجه دمشق خلال الآونة الأخيرة.

وأضاف: «دمشق تسعى للقول أن كلفة استجرار الطاقة الكهربائية وتوزيعها هي كلفة مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود، وبالتالي لابد من اختلاف تسعيرة الكهرباء ويتم تحرير الأسعار في هذا القطاع. وبالتالي يتم التملص من دعم المواطنين ضمن هذا القطاع».

وزاد بالقول إن «تحرير أسعار الكهرباء سيثقل من كاهل المواطنين، لا سيما وأن كتلة الرواتب والأجور لم تتغير، فبالتالي ستزداد عملية التضخم وترتفع مختلف الأسعار في الفترة المقبلة اقتراناً بارتفاع تسعيرة الكهرباء».

من ناحيته لفت الباحث الاقتصادي، ‘‘مخلص الناظر’’، إلى أن تحرير أسعار الكهرباء يتطلب خصخصة القطاع بالكامل، وهذا بالضرورة يعني «إصلاح البنية التحتية، أي الدخول بعملية إعادة الإعمار التي لايبدو لها أفق في المرحلة الراهنة، ولا أعتقد أن أي من الشركات الرائدة في هذا المجال قد تقدم على شراء هذا القطاع».

وتابع خلال حديثه لـ(الحل نت) بأن «تحرير أسعار الكهرباء سيجعل الفاتورة الشهرية تصل وسطياً إلى حوالي 30 دولاراً أميركياً، وهذا يعادل راتباً شهرياً لأستاذ جامعي في سوريا».

وكانت إيران قد دخلت على خط إنتاج الكهرباء في سوريا، أواخر عام 2019 وتنوعت عقودها بين تطوير المنظومة وإنشاء محطات توليد وتحويل توزعت في عدة محافظات، منها حمص واللاذقية وحلب، بالإضافة إلى اتفاقية عامة تشمل تطوير القطاع الكهربائي والتجهيزات الخاصة به.

تتجه دمشق إلى خصخصة القطاع الكهربائي، لا سيما وأن هذا القطاع خرج من الموازنة العامة للعام 2021، ما يعتبر مؤشراً آخر على اتخاذ خيار الخصخصة يضاف إلى التصريحات التي يطلقها مسؤولون حكوميون تعزز من السير في هذا الاتجاه.

وكان عام 2009 شهد توجه جاد لدى دمشق إلى خصخصة الكهرباء، بدأ أول خطواته مع توسعة محطة الناصرية، وتشرين الحرارية، بتسيير وتوجيه من قبل كل من ‘‘طريف الأخرس’’، ‘‘ماهر الأسد’’، و ‘‘رامي مخلوف’’.

ويبلغ إنتاج حكومة دمشق من الكهرباء يوميا 2,700 ميغاواط، بينما تحتاج مناطق مناطقها يوميا إلى 7,000 ميغا واط، ويتم الاعتماد في إنتاجها إما على الفيول أو الغاز الخام.

كما يقدر حجم الضرر الذي أصاب المنظومة الكهربائية بعد عقد من الحرب بـ3000 مليار ليرة سورية، وفق أرقام حكومية.

الطاقة الشمسية باهظة الثمن

تشهد مناطق سيطرة حكومة دمشق إقبالاً ما دون المتوسط على شراء معّدات الطاقة الشمسية، بعدما وصلت ساعات التقنين الكهربائي في بعض المناطق إلى 20 ساعة قطع في اليوم الواحد، ما تسبب بخسائر كبيرة في القطاعات التجارية والصناعية، إضافة إلى خسائر على مستوى العائلات كتلف المونة وعدم القدرة على تخزين الطعام في البرادات.

المحلل الاقتصادي، ‘‘محمد لومان’’، رجح خلال حديثه لـ(الحل نت) بأن تكون زيادة ساعات التقنين وسيلة لإجبار السوريين بشكل غير مباشر على التوجه لشراء مُعدّات الطاقة البديلة الشمسية، والتي باتت مستلزماتها تتواجد بكثرة في الأسواق السورية، مضيفاً أن لدمشق «أهداف متعددة من وراء هذا الأسلوب المتبع للتوجه إلى الطاقة البديلة واستخدام الإعلام المحلي حتى في ذلك، من أجل تخفيف لهجة الانتقادات التي تطال الحكومة بعد التدهور الكبير الحاصل في قطاع الكهرباء، فضلاً عن سعي حكومي لتحصيل عوائد مالية من المواد المستوردة الخاصة بمُعدات الطاقة الشمسية».

ولعل الشخصيات الاقتصادية المستفيدة من تجارة الطاقة البديلة لم تكشف عنها تجاذبات السوق وكثافة التوجه لشراء تلك المعدات، كون أن هذا القطاع التجاري ما يزال في مراحله الأولى، إلا أن لومان اعتبر أن الأمر سيكون محصوراً بتيار ‘‘أسماء الأسد’’ الاقتصادي، لا سيما ‘‘أبو علي خضر’’ الذراع اليمنى لزوجة الرئيس السوري ‘‘بشار الأسد’’.

وأواخر الشهر الفائت، طلب وزير الكهرباء ‘‘غسان الزامل’’ من نظيره وزير المالية ‘‘كنان ياغي’’، توجيه المديرية العامة للجمارك بدمشق للتدقيق ومراقبة جودة بعض الأجهزة الكهربائية، وتجهيزات الطاقة البديلة المستوردة من خارج سوريا، مشترطاً موافقة المركز الوطني لبحوث الطاقة.

وطالب بأن تلتزم الجمارك بالتأكد من وجود وثيقة صادرة عن المركز الوطني لبحوث الطاقة تثبت موافقته على منح إجازة الاستيراد.

وفي تصريحات لصحيفة ‘‘البعث’’ المحلية، اقترح المدير السابق للشؤون التقنية في هيئة الاستثمار السورية، ‘‘وائل الشيحاوي’’، تحرير أسعار الكهرباء التقليدية، وتحويل المبالغ المصروفة على دعم قطاع الكهرباء إلى تمويل تركيب منظومة الطاقة البديلة في كل منزل مجانا.

تجدر الإشارة إلى أن وخلال كلمته في قصر “الشعب”، منتصف شهر تموز/يوليو الماضي قال الرئيس ‘‘بشار الأسد’’، إن المرحلة المقبلة في إطار الاستثمارات هي للتركيز على الاستثمارات في الطاقة البديلة، فــ«حل مشكلة الكهرباء هو أولوية، ليس لحيويتها للحياة اليومية فقط، وإنما لحيويتها أيضًا لقيام الاستثمارات المختلفة».

كما وعد الأسد بالعمل على تشجيع الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعمها عبر السياسات أو عبر التشريعات بهدف إطلاق مشاريع توليد الطاقة من قبل القطاع الخاص أو العام أو بالمشاركة بينهما.

وبحسب ما رصد (الحل نت) فإن كلفة معدات الطاقة الشمسية بسعر متوسط قد تصل إلى 8مليون ليرة سورية، من أجل تشغيل شاشة وراوتر مع إنارة منزلية كاملة، وكذلك براد مع غسالة بطاقة تشغيل متوسطة، حيث سيتطلب ذلك منظومة توليد 5 آلاف كيلو واط شمسي، وإنفيرتر 5 آلاف واط، و 5 ألواح شمسية، مع بطاريتين أنبوبيتين.

ولقدرة تشغيلية أعلى، فإن التكلفة ستصل إلى 15 مليون ليرة سورية، من أجل تشغيل مكيف باستطاعة طن، مع إنارة منزل كاملة وشاشة، وبراد وغسالة وشفاط مياه ومراوح وغيرها من مستلزمات منزلية، حيث يتطلب ذلك أكثر من 12 لوحاً شمسياً و4 بطاريات أنبوبية، ومنظومة توليد 12 ألف كيلو و شمسي، وانفيرتر 12 ألف واط.

وحول ذلك تساءل قصير «هل بعد هذه الكلفة ستلبي الطاقة الشمسية احتياجات الناس. ماذا عن صيانتها وتغيير بطارياتها كل سنة، وهذا ليس بمقدور كافة الشرائح».

مرجحاً أن يكون هناك رغبة لدى حكومة دمشق في الترويج لقروض بنكية ليست خاصة فقط بالمشاريع الصناعية والتجارية بل تتعداها إلى القروض الشخصية، من أجل شراء مستلزمات الطاقة الشمسية، ما يجعل الاستفادة مضاعفة لدى الشخصيات المتنفذة المسيطرة على الاقتصاد السوري.

حيث لا يتوقف الأمر عند المبلغ المدفوع لشراء الألواح و الانفرتر والبطاريات، فهذه القطع تتعرض للتلف وانتهاء مدة الصلاحية، ما يعني الحاجة لشراء المعدات ستكون متجددة.

عضو مجلس الشعب ‘‘محمد غزوان المصري’’، تحدث لصحيفة “الوطن” المحلية، في 19 من تموز/يوليو الماضي، عن قانون جديد قيد الدراسة في المجلس سيصدر قريبا بخصوص الطاقة البديلة. حيث يمكن من خلاله، إعطاء قروض من دون فوائد لأي شخص يريد الاستفادة من الطاقة البديلة.

بينما تحدثت صحيفة “الوطن”، في تقرير صدر مطلع آب/أغسطس الماضي، حمل عنوان “الطاقة البديلة حاملة مستقبل الاقتصاد”، عن التسهيلات التي وفرتها حكومة دمشق أمام مشاريع الطاقة البديلة.

وقالت الصحيفة، إن المزايا والمحفّزات التي مُنحت لمشاريع الطاقة البديلة لا تقتصر على المزايا الجمركية المتعلقة بإعفاء مستوردات هذه المشاريع من الآلات والتجهيزات وخطوط الإنتاج ووسائط النقل الخدمية غير السياحية من كل الرسوم الجمركية والمالية والإضافات غير الجمركية.

فيما توفر مصارف سوريا بشكل مسبق إمكانية سحب قروض لمشاريع الطاقة البديلة للشركات والمشاريع الاستثمارية، لكن لا معلومات عن توفر هذه القروض بالنسبة للمواطنين، سوى قانون قيد الدراسة لم يصدر بعد.

إذ يمنح “المصرف التجاري السوري” قرض تمويل مشروع توليد الطاقة البديلة، بنسبة تمويل تبلغ 50 بالمئة من تكلفة المشروع المعتمد على قيمة الأرض، وبسقف قرض لا يتجاوز ملياري ليرة سورية، ومدة لا تتجاوز عشر سنوات متضمنة فترة السماح سنة كحد أقصى، وبقبول أرض المشروع الممول كضمان.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.