سجن الحوت بالناصرية: قلعة ضد الإرهاب أم ميدان لانتهاكات حقوق الإنسان والانتقام الطائفي؟

سجن الحوت بالناصرية: قلعة ضد الإرهاب أم ميدان لانتهاكات حقوق الإنسان والانتقام الطائفي؟

يسمى سجن مدينة الناصرية المركزي “سجن الحوت”، تعبيراً عن مدى عزلته وشدة الحراسة المفروضة عليه. فهو يشبه جوف الحوت، من يدخل إليه لا يخرج منه. بحسب ما يؤكد كثير من المطلعين على أوضاع السجن.

تم تصميم هذا السجن ليكون قلعة حصينة مغلقة. يقبع فيها المدانون بجرائم شديد الخطورة. مثل الإرهاب والإبادة الجماعية. وبالفعل لم يشهد سجن الحوت أية حالة هرب منذ تشييده.

رغم هذا يعتبر كثير من المراقبين أن السجن الواقع جنوبي العراق يشكل تهديداً أمنياً كبيراً. بسبب خطورة المسجونين به، من أزلام النظام السابق أو قادة داعش. إذ يمكن في أية لحظة أن يتحوّل إلى مركز للتمرّد والعصيان. تماماً كما يحدث في أماكن أخرى لحجز المتورّطين في الإرهاب. مثل مخيم الهول وسجن الحسكة في سوريا.

من جهة أخرى يبدي كثير من الناشطين الحقوقيين امتعاضهم مما يصفونه بـ«الانتهاكات الشديدة لحقوق الإنسان، التي يتعرّض لها نزلاء سجن الحوت وذووهم». ويشتكون من منع الحكومة العراقية للمنظمات الحقوقية والإنسانية من زيارة السجن. والتعرّف عن كثب على أوضاعه. والانتهاكات التي ترتكب فيه.

 

في بطن الحوت

مصدر أمني خاص لـ«الحل نت»، مطلع على أوضاع سجن الحوت، قال إن «القوات الأميركية بدأت بتشييد السجن عام 2006، وتم الانتهاء منه عام 2008. لضرورة إقامة مكان آمن لسجن الإرهابيين. وإبعادهم عن المناطق، التي قبض عليهم فيها. كي لا يتسببوا بمشاكل للقوات الأمنية، التي لا تستطيع تأمين حراسة مشددة في أماكن كثيرة ومتفرّقة بالبلاد».

مبيناً أن «سجن الحوت بني على غرار سجن “بوكا” في البصرة. لكنه يختلف عنه من حيث الحجم ونوعية السجناء. فهو مخصص للأفراد الذين لا تقل الأحكام الصادرة بحقهم عن خمسة عشر عاماً».

وصنّف المصدر النزلاء المقيمين في سجن الحوت، البالغ عددهم أحد عشر ألف نزيل، إلى ثلاثة أصناف: «أقدم المساجين هم كبار حزب البعث المنحل، من أزلام النظام السابق. ولم يتبق من هؤلاء إلا أحد عشر مسجوناً. ومعظمهم باتوا طاعنين في السن، ولا يشكّلون خطراً. إلا أن الصنف الثاني من المساجين هو الأخطر، أي المدانين بالإرهاب، الذين تتراوح أحكامهم بين المؤبد والإعدام. ومنهم قيادات إرهابية من جيل تنظيم القاعدة الأول. وكذلك من تنظيم داعش. وبعضهم كان مقرباً من زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي شخصياً. وهؤلاء من جنسيات متعددة، عربية وأجنبية. ومن الممكن أن ينظموا تمرداً كبيراً في أية لحظة. نظراً لخبرتهم في القتال وأعمال الشغب والإرهاب».

ويتابع بالقول: «الصنف الثالث هو زعماء الجريمة المنظّمة. من تجار مخدرات ورؤساء العصابات. وهم أيضاً يشكلون خطراً بالغاً. خاصة إذا تحالفوا مع الإرهابيين، الذين يحويهم سجن الحوت».

 

انتهاكات بحق النساء في سجن الحوت

يبدو إذاً أن السجن مصمم بما يتوافق مع خطورة قاطنيه، ولكن هل يأتي هذا على حساب حقوق الإنسان؟

الناشط الحقوقي “عمر الفرحان” يعتقد ذلك. إذ يؤكد لموقع «الحل نت» على «وجود جملة من الانتهاكات بحق نزلاء سجن الحوت، وزائريهم ايضاً. تقابل بصمت حكومي، وعدم اكتراث من كثير من المنظمات المدنية والإنسانية. رغم أن العراق طرف في معظم الاتفاقيات الدولية الإنسانية المعنية بحقوق السجناء».

وعلى الرغم من أن سجن الحوت يحوي كبار المجرمين والإرهابيين في العراق، إلا أن هذا ليس مبرراً، بحسب الناشط الحقوقي، لانتهاك أبسط حقوقهم الإنسانية. كالحق بالمعاملة التي لا تحوي تعذيباً جسدياً ونفسياً. وتلقي الغذاء والطبابة الكافية. كما أن هذا لا يعني أن يتعرّض ذووهم، وخاصة من النساء، لانتهاكات كبيرة.

ويوضح “الفرحان” أن «زيارة نزلاء سجن الحوت مسموحة فقط لقريباتهم النساء من الدرجة الأولى. أي الأم والأخت والزوجة». وعزا ذلك إلى «خشية القائمين على محافظة ذي قار، التي يقع فيها السجن، من دخول ذكور كثر، من محافظات وطوائف أخرى، إلى المحافظة. ما قد يسبب مخاطر أمنية. ومشاكل اجتماعية وطائفية».

وشدد الناشط الحقوقي على «قيام بعض حراس وموظفي سجن الحوت بمضايقة النساء الوحيدات، اللواتي يأتين لزيارة أقربائهن. والتحرش بهن. ومساومتهن بالمال، مقابل السماح لهن برؤية المساجين. فضلاً عن مصادرة المواد الغذائية والحاجيات التي يجلبنها معهن».

 

 «سجن مليء بالمظلومين»

“الفرحان” يعتبر أن سجن الحوت لا يحوي فقط عتاة المجرمين والإرهابيين، بل أيضاً كثيراً ممن يعتبرهم مظلومين. لأن «عدداً كبيراً من نزلاء السجن محكومون وفق المادة (4 إرهاب) من  القانون العراقي. وهي مادة عليها كثير من الملاحظات والاعتراضات من منظور حقوقي. فهناك من يعتقل وفقها على أساس شهادات مخبرين سريين غير معروفين. ما يؤدي لسجن كثيرين على أساس طائفي. أو لأسباب كيدية تتعلق بنزاعات شخصية بينهم وبين المخبرين. وليس وفق أدلة ووثائق ثبوتية. هذا فضلاً عن المسجونين بسبب تشابه الأسماء. أو من تم اعتقالهم دون تمييز، نتيجة عقوبة جماعية لمنطقة شهدت حدثاً إرهابياً. ولم تستطع القوات الأمنية القبض على الإرهابيين الفعليين. فاعتقلت أبناء مناطقهم وعشائرهم».

وحول أوضاع هؤلاء يؤكد الناشط الحقوقي أن «السجناء في سجن الحوت يزجون في الزنزانات على أساس مذهبي ومناطقي. وكثير منهم من المحافظات المحررة. أي من أبناء المذهب السني، الذين يتعرّض عدد منهم لانتقام طائفي من الميلشيات الموالية لإيران، بحجة محاربة الإرهاب. أما إدارة سجن الحوت فلا تقوم بدورها كاملاً في حماية المجتمع، وإصلاح وتأهيل السجناء غير الخطرين. فتضع أبناء المنطقة الواحدة في زنازين مشتركة. دون اعتبار نوع الحكم الصادر بحقهم، وتصنيف جرائهم. باستثناء أزلام النظام السابق، المعزولين عن الجميع. وكل هذا يشكّل خطراً اجتماعياً كبيراً. وربما يؤدي مستقبلاً إلى نتائج اجتماعية وطائفية وخيمة. ندفع ثمنها جميعاً. بسبب تراكم الشعور بالظلم والغبن لدى المساجين وذويهم وأبناء مناطقهم».

بناء على هذه الإفادة حاول موقع “الحل نت” التواصل مع وزارة العدل العراقية، لإعطاء تفاصيل أكثر عن سجن الحوت. والمخاطر الأمنية التي يشكلها. والمزاعم بوجود انتهاكات لحقوق الإنسان فيه. إلا أن الموقع لم يتلق أي رد من الوزارة على أسئلته.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.