العلاقات بين العراق والدول العربية والخليجية وتحديدا مع السعودية، ظلت جامدة منذ سقوط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003، حتى وصول مصطفى الكاظمي لتسلم رئاسة الحكومة العراقية في عام 2020.

في عهد رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، شهدت العلاقات بين بغداد والرياض أعلى درجات التوتر، حيث اتهم المالكي السعودية، بالعمل على منع الاستقرار في مدن العراق، ودعم التنظيمات المتطرفة.

صيف عام 2014، سيطر تنظيم “داعش” الإرهابي على ثلث مساحة العراق، وأسقط محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار وأجزاء واسعة من كركوك وديالى، قبل أن تتمكن القوات الأمنية العراقية، بمساعدة التحالف الدولي من استعادة تلك المناطق وإعلان النصر على التنظيم المتشدد.

بعد تسلم حيدر العبادي رئاسة الحكومة العراقية، وهو قيادي في حزب “الدعوة الإسلامي”، حاول الانفتاح على العلاقات مع المحيط العربي والخليجي، وبدأت ثمار تلك الرغبة تظهر للعيان، بعد عودة العلاقات الدبلوماسية بين بغداد والرياض، حيث افتتحت السعودية سفارتها في بغداد مجددا، وعينت ثامر السبهان سفيرا لها.

في عام 1990، وعلى أثر قيام نظام صدام حسين السابق بغزو الكويت، أعلنت السعودية قطع علاقتها الدبلوماسية مع العراق، وبعد عام 2003 ودخول القوات الأميركية إلى مدن العراق، اعترضت الرياض على طريقة تسليم واشنطن لإدارة البلاد بيد إيران والقوى الموالية لها.

المطالبة بدفع تعويضات

القوى الموالية لإيران طالبت في وقت سابق الرياض، بدفع تعويضات للشعب العراقي عن احتلال تنظيم “داعش” لثلث مساحة البلاد، كون التنظيم كان يضم المئات من العناصر السعوديين.

وصول “الإطار التنسيقي” لمسك زمام السلطة في العراق، واختيار محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء، يفتح العديد من التساؤلات عن مصير العلاقات بين العراق ومحيطه العربي والخليجي. فيما يعرف “الإطار التنسيقي” بأنه مقرب من إيران، وكيف سيوازن السوداني في العلاقات بين طهران من جهة وبين الدول العربية والخليجية من جهة أخرى.

مؤخرا صّوت البرلمان العراقي على اختيار عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية، والذي بدوره كلف مرشح “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة. في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، بعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز تهنئة إلى الرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد بمناسبة اختياره لمنصب رئاسة الجمهورية، مؤكدا على ديمومة العلاقات بين الرياض وبغداد.

العلاقة لن تتأثر

العراق يتمتع بميزات متنوعة تفتقر لها دول محاذية له، فهو رأس الهرم بالجزيرة العربية والبوابة الشرقية والشمالية بين أهم دولتين مؤثرتين في منطقة الشرق الأوسط (تركيا-إيران) وبهذه الخاصية، تسعى دول المنطقة عموما والخليج خصوصا إلى مد الصلات بالدولة العراقية، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي علي السامرائي، لـ “الحل نت”.

بصرف النظر عن لون وشكل النظام السياسي، فأن أغلب دول الجوار تريد إقامة علاقات قوية مع العراق، للحفاظ على مصالحها الخاصة، وفق السامرائي، وأن دول الخليج تدرك أنها كلما ابتعدت عن الشأن العراقي، سوف تمنح خصومها إيران وتركيا، فرصة سانحة للتأثير والمنافسة على حساب مصالحها ومكانتها في المنطقة.

بمراجعة سريعة، لا نجد أن العلاقات السعودية العراقية وصلت ذروتها خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي، سوى اللقاءات والنشاطات البروتوكولية، والتي لم تترجم إلى اتفاقيات أو تعاون مشترك واضح وعملي، بحسب السامرائي، وذلك لأسباب أهمها أن القوى السياسية الممثلة في البرلمان كان لها الكلمة الفصل وحق النقض لكل ما يخالف توجهها.

السعودية وفق السامرائي، قد دخلت في مفاوضات طويلة الأمد مع الجانب الإيراني برعاية عراقية، لذا ستتعثر ربما هذه المفاوضات إلى حين ثم تستأنف من جديد، عندما ينتهي تشكيل الحكومة، وتبدأ الدورة الحالية بمزاولة صلاحياتها وعملها برؤية مختلفة نوعا ما وربما جديرة بالمسؤولية هذه المرة، واستدرك بالقول إن رئيس الحكومة الجديدة محمد شياع السوداني، يتمتع بنظرة واقعية وعملية وتتسم إلى حد ما بالوطنية، ولن يخسر محيطه العربي والخليجي.

قد يهمك: الكاظمي في السعودية.. ما علاقة إيران؟ 

العراق والسعودية وقعا في 16 من تموز/ يوليو الماضي، اتفاقية الربط الخليجي والتزويد الكهربائي، على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، التي عقدت في الرياض، فيما أكدت وزارة الكهرباء العراقية تفاؤلها، بأن تحقق الاتفاقية استقرارا عاليا للشبكة الكهربائية.

العراق والسعودية، وقعا اتفاقا بشأن توفير الطاقة الكهربائية بشكل مستقر وبكلف مخفَّضة، عبر الاتفاق مع هيئة الربط الخليجي، والاتفاق وقّعه المخول بصلاحيات الوزير لإدارة وزارة الكهرباء عن الجانب العراقي، ووكيل وزارة الطاقة ورئيس مجلس إدارة الربط الخليجي عن الجانب السعودي، وفقا لبيان المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي.

أزمةٌ كهربائية

العراق واجه أزمات كبيرة بتوفير الطاقة الكهربائية، بسبب عدم التزام الجانب الإيراني بتصدير كميات الغاز المتعاقد عليها مع العراق، لتشغيل محطاته الكهربائية، إذ تم قطعها (الغاز) وتقليل كمياته المصدرة للعراق، ولعدة مرات في الصيف الماضي، ما أحرج الحكومة العراقية بتوفير الطاقة، وتسبب بموجة تظاهرات وغضب شعبي في عدد من المحافظات.

العراق يعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، وكان وزير الكهرباء العراقي عادل كريم قد أكد الحاجة للغاز الإيراني لفترة ما بين 5 – 10 سنوات. العراق يدفع سنويا لإيران حوالي أربع مليارات دولار، لشراء الغاز الطبيعي من طهران، وتزويد المحطات الكهربائية بالطاقة.

دعوات سابقة وجهت من نواب وشخصيات سياسية، بضرورة عدم الاعتماد كليا على إيران في تزويد العراق بالطاقة والوقود، كونها تستغل هذا الأمر لتحقيق أغراض سياسية خاصة بها.

توازن في العلاقات

السوداني سيحاول إقامة علاقات متوازنة هذه المرة، وبالرغم من كونه مقربا من رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي وهو قيادي سابق في حزب الدعوة المعروف بقربه من إيران ومشاكله العديدة مع الرياض، لكنه سيحاول لعب دور المهادنة، بحسب حديث المحلل السياسي أحمد الأنصاري، لـ “الحل نت”.

عمر الحكومة الجديدة في العراق سيكون قصيرا، وفق الأنصاري، كون الاتفاق السياسي يتضمن إقامة انتخابات مبكرة، وبالتالي سيسعى “الإطار التنسيقي” لتحسين صورته، عبر كسب الأصدقاء داخليا وخارجيا. التقارب الموجود بين الرياض وطهران سيؤثر على الوضع العراقي، وبالتالي إيران هي من ستحث القوى الموالية والحكومة الجديدة في العراق، على تقوية علاقتهم بالسعودية وفتح صفحة جديدة في العلاقات.

الوضع الداخلي في إيران والمشاكل الموجودة اقتصاديا وسياسيا، وقضية الاحتجاجات الأخيرة، فضلا عن الحاجة الإيرانية لكسب ود السعودية التي ستكون جسرا لتخفيف الاقتصادية المفروضة عليها، يدفع طهران لحث السوداني و”الإطار التنسيقي” لتقوية علاقتهم مع الرياض.

السوداني شخصية متزنة وستكون له زيارات مختلفة إلى دول الجوار لكسب ودها، وفق الأنصاري، كون هنالك الكثير من المشاكل العالقة، وبالتالي لا يريد خلق عدوات وقلب الرأي العام ضده.

قطيعة سابقة

السعودية استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع العراق عام 2015، وعينت وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان سفيرا لها في العراق بعد أكثر من ربع قرن من انقطاع هذا العلاقات بعد الغزو العراقي للكويت عام 1990.

في يناير/كانون الثاني 2016 قطعت السعودية العلاقات الدبلوماسية مع العراق، بسبب هجوم متظاهرين غاضبين على سفارتها في العراق بعد فترة قصيرة من عودة العلاقات بين البلدين. علاقات البلدين تدهورت أكثر في أعقاب إعدام السعودية رجل الدين السعودي الشيعي نمر النمر في يناير/كانون الثاني 2016، واندلاع مظاهرات غاضبة في إيران والعراق ولبنان تنديدا بإعدام النمر.

لكن العلاقات شهدت تحسنا في عهد رئيس الحكومة العراقية الأسبق حيدر العبادي، وجرى توقيع اتفاقيات تجارية، قبل أن تبلغ أوج تحسنها في عهد الكاظمي، حيث أكدت الرياض دعمها لإنشاء مشاريع عملاقة، فضلا عن تبرعها بباء ملعب رياضي، وفتح المعابر الحدودية المغلقة مع العراق، وأبرزها معبر عرعر الواقع في محافظة الأنبار.

اتهامات من الفصائل المسلحة

الفصائل المسلحة تتهم عبر إعلامها السعودية والدول الخليجية، بأنها وراء خطة ومؤامرة لإزاحة “الحشد الشعبي” من الواجهة العراقية، عبر دعم تولي الكاظمي رئاسة الحكومة لولاية جديدة، والوقوف ضد “الإطار التنسيقي” من خلال ضخ الأموال ودعم الاحتجاجات والتظاهرات في العراق.

من خلال التصريحات التي أعلن عنها رئيس الحكومة المكلف الجديد محمد شياع السوداني، يبدو أنه لا يريد الدخول في عدوات مع دول الجوار، لاسيما وأن هناك الكثير من الملفات العالقة معها، أبرزها قضية المياه مع إيران وتركيا، وقضية الديون التي يطمح العراق لتنازل أشقائه عنها.

اقرأ أيضا: توقعات بوساطة عراقية بين طهران والقاهرة

فضلا عن وجود فرصة للاستثمار السعودي في العراق، والذي قد يصل إلى أكثر من 100 مليار دولار، إلى جانب الدعم في مجال إمداد البلاد بالطاقة الكهربائية والغاز الطبيعي، لهذا فأن حكومة السوداني ستسعى لمسك العصا من الوسط، ولا تريد إقامة علاقات سيئة مع أحد، لكون ذلك يهدد بقائها لفترة أطول، ويخسر رئيس الحكومة رصيده الشعبي في الانتخابات المقبلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.