يتصاعد الصراع على قضاء سنجار في العراق حالياً. خاصة مع صدور نتائج الانتخابات العراقية. إذ يواجه حزب العمال الكردستاني اتهامات بالتدخّل في محافظة نينوى، التي يقع فيها القضاء. ومن آخر تلك الاتهامات حديث “ماجد شنكالي”، المرشح الفائز عن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني. والذي أكد أن عناصر حزب العمال منعوا مرشحين في الانتخابات العراقية من الوصول إلى مناطق ناخبيهم في سنجار.

ولا يُخفى على أحدٍ أن محافظة نينوى. التي لا يزال سُكانها يعانون من هول ما حلّ بهم من دمار وخراب. بسبب الحرب ضد تنظيم داعش، تشهد نزاعاً على النفوذ بين أقطاب مختلفة. يبلغ أوجه في الصراع على قضاء سنجار بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان. وبين الأطراف الكردية نفسها، وعلى رأسها الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب العمال. فضلاً عن النفوذ الإيراني في الإقليم، المتمثل بتواجد فصائل الحشد الشعبي. وكذلك التدخلات التركية.

ودخلت اتفاقية تطبيع الأوضاع في قضاء سنجار، الموقّعة بين أربيل وبغداد، حيز التنفيذ، في شهر أيار/مايو الماضي. دون تحقيق أي خطوات فعلية ملموسة حتى الآن. تجنباً لوقوع صِدامات مُسلّحة مع المُقاتلين المحليين في القضاء، الذين يعُتقد بارتباطهم بحزب العمال الكردستاني. والذين يرفضون عودة قوات الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق. إلى جانب المقاتلين المرتبطين بفصائل من الحشد الشعبي، داخل مدينة سنجار ومحيطها.

«اخترنا حقن الدماء في سنجار»

“ماجد شنكالي” يتحدث، في تصريحاته لـ«الحل نت»، عن الصراع على قضاء سنجار. ولحظة اعتراض طريقه من قبل حزب العمال الكردستاني. ومنعه، مع عدد من المرشحين الآخرين، من الوصول إلى القضاء. قائلاً: «منعنا عدد من المحتجين. بإسناد مسلح من قبل مقاتلي العمال الكردستاني. من التوجّه إلى قضاء سنجار، من أجل إقامة حملاتنا الانتخابية. وطلبوا منا العودة من حيث جئنا. رغم تنسيقنا المسبق مع الجهات الأمنية الاتحادية المسؤولة عن تلك المناطق في القضاء».

وأضاف: «اتخذنا الخيار الأسلم. وهو عدم الدخول في نزاع مسلّح مع الأفراد الذين منعوا مرورنا. وذلك حقناً للدماء. ومن أجل سلامة الأهالي من تبعات الصراع على قضاء سنجار».

وحمّل “شنكالي” الحكومة الاتحادية العراقية «مسؤولية هذه الأعمال، التي تصدر من مسلحي حزب العمال الكردستاني». معتبراً تواجدهم في قضاء سنجار «خرقاً للشرعية والقانون».

ولفت إلى أنه «رغم كل هذه المضايقات تمكّنا من الفوز بثلاثة مقاعد نيابية في سنجار. وذلك نتيجة ثقة أهالي القضاء بحزبنا. وهذا الفوز يعد بمثابة رفض شعبي لوجود الجماعات المسلّحة، المتداخلة في الصراع على قضاء سنجار». حسب تعبيره.

الصراع على قضاء سنجار يؤدي لتوترات إقليمية

وأدى الصراع على قضاء سنجار إلى زيادة الاحتقان السياسي على المستوى الإقليمي. بعد استدعاء الخارجية التركية سفير طهران لدى أنقرة. على خلفية تصريحات السفير الإيراني في بغداد، بشأن التواجد التركي بالعراق. ما يعطي إشارة واضحة على أن الخلاف التركي الإيراني، خاصة فيما يتعلق بمحافظة نينوى، بات عميقاً.

وقال “إيرج مسجدي”، السفير الإيراني في العراق، في مقابلة مع شبكة “رووداو” التابعة لحكومة إقليم كردستان، إن «إيران لا تقبل بوجود قوات أجنبية في العراق. ونحن نرفض التدخّل العسكري. ويجب أن لا تكون القواتُ التركية، بأي شكل من الأشكال، مصدرَ تهديدٍ للأراضي العراقية. ولا أن تقومَ باحتلالها».

وأضاف السفير الإيراني: «على الأتراك أن ينسحبوا إلى خطوط حدودهم الدولية. وينتشروا هناك. وأن يتولّى العراقيون بأنفسهم ضمان أمن العراق».

وردت أنقرة عبر سفيرها في بغداد، “فاتح يلدز”، الذي هاجم نظيره الايراني بالقول: «سفير إيران هو آخر شخص يمكن أن يعطي تركيا درساً في احترام حدود العراق».

وبحسب مراقبين فان التصعيد الإعلامي بين تركيا وإيران، يأتي ضمن سياق الصراع على قضاء سنجار. لتعزيز وتمديد نفوذ البلدين في العراق عموماً. إذ تحاول طهران تسخير القضاء لعبور ميلشياتها. فيما تتدخل تركيا في سنجار لملاحقة أعضاء حزب العمال الكردستاني.

«مؤامرة في سنجار ضد حزب العمال الكردستاني»

«يقود الحزب الديمقراطي الكردستاني حرباً نفسية ومخابراتية. بالاشتراك مع أنقرة. للنيل من انضباطية وسمعة حزب العمال الكردستاني. والتغطية على الانتهاكات التركية داخل الأراضي العراقية. وفق اتفاقيات بين الحزب وتركيا». هذا ما يراه “زورباز تولهلدان”، عضو لجنة العلاقات الخارجية في “منظومة المجتمع الكردستاني” في العراق.

“تولهلدان” أكد لـ«الحل نت» أن «حزب العمال لا يتدخّل في شؤون العراق بتاتاً. وليس طرفاً في الصراع على قضاء سنجار. إذ لا يوجد تواجد رسمي للحزب في القضاء، حتى يمنع مرشحين من الوصول الى مناطقهم الانتخابية». لافتاً إلى أن «عناصر الحزب يتواجدون في مناطق جبلية وعرة. بعيداً عن المدن والسكان».

ويتساءل السياسي الكردي: «لماذا لا نشاهد أي ردود فعل حقيقية وملموسة من قبل الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد القصف التركي المستمر. على القرى الكردية الواقعة ضمن الشريط الحدودي بين اقليم كردستان العراق وتركيا. إضافة الى اجتياح الجيش التركي غير القانوني للأراضي العراقية؟».

وإلى جانب الصراع على قضاء سنجار تنفّذ القوات التركية عمليات عسكرية واسعة. تصل إلى عمق أربعين كيلومتراً ضمن كردستان العراق. وتستهدف منذ عدة أشهر ما تعتبره جيوباً ومقاراً لمسلحي حزب العمال الكردستاني. كما ينفّذ الطيران التركي ضربات متكررة على أهداف أعمق داخل منطقتي سنجار ومخمور بمحافظة نينوى.

تحالف “العمال” و”الحشد” في الصراع على قضاء سنجار

المحلل السياسي “ياسين عزيز” يرى أن «تصاعد الصراع على قضاء سنجار. والمشاكل التي حدثت في بعض مناطق نينوى، من تعرّض لبعض المرشحين. تأتي أساساً نتيجة الخلافات بين حزب العمال والحزب الديمقراطي الكردستاني. إذ يسعى “العمال” للانتقام من “الديمقراطي”، المعارض لتحركاته داخل إقليم كردستان. التي تسببت بتدخل عسكري تركي».

وأضاف “عزيز”، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «حزب العمال يتحرّك في مناطق نينوى. وتحديداً في محيط قضاء سنجار وداخله. بدعم وغطاء سياسي وأمني من الحشد الشعبي. وهذا الغطاء دفع حكومة بغداد للتغاضي عن تحركات الحزب. رغم الاتفاقية التي وقعتها مع إقليم كردستان. من أجل إعادة النازحين ونشر قوات الشرطة الاتحادية في القضاء». مؤكداً أن «ما يعرقل تنفيذ هذه الاتفاقية. التي مرّ عليها أكثر من عام، هو تحالف سياسي وعسكري بين الحشد الشعبي وحزب العمال. وكل هذا يؤدي لتصعيد وتعقيد الصراع على قضاء سنجار».

ويتوقع المحلل السياسي «عدم قدرة الحكومة الاتحادية على حسم الصراع على قضاء سنجار. وفرض سيطرتها عليه وعلى المناطق المحيطة به. فهو قد بات مجالاً لنفوذ حزب العمال الكردستاني. رغم عدم اعتراف بغداد بشرعية تواجد حزب العمال داخل العراق».

ومن المرجع أن تكون قضية الصراع على سنجار إحدى أهم مطالب إقليم كردستان. التي ستتضمنها ورقة التفاوض مع الأحزاب السياسية الحاكمة في بغداد. إلى جانب قضية كركوك والمناطق المتنازع عليها. فضلاً عن المخصصات المالية للإقليم من الموازنة الاتحادية.

ووفقاً لمصادر من داخل البيت الكردي فإن حزبي الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني قاما بارسال شخصيات ممثلة عنهما إلى بغداد. للجلوس مع الأحزاب العراقية المتنفّذة. والاتفاق على آلية المرحلة المقبلة.

ويسعى الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى تفعيل اتفاقية سنجار. الموقعة بين حكومة الكاظمي وأربيل في تشرين الأول/أكتوبر الماضي. والتي تقضي بإخراج جميع الميليشيات المسلّحة من القضاء. وإعادة أهلها إليها. والبدء بإعمارها. وهو ما من شأنه. إذا تم تنفيذه. إنهاء الصراع على قضاء سنجار، بما يتفق مع مصالح الحزب الديمقراطي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.