دفعت القوات الروسية بتعزيزات عسكرية إلى مطار مدينة الطبقة العسكري بريف الرقة، وسط معلومات عن توجه روسي لنشر طائرات حربية في هذا المطار، وذلك بعد محاولات لنشر طائرات حربية في مطار القامشلي المدني الخاضع لسيطرة القوات الحكومية السورية في أقصى شمالي شرق البلاد، فيما يبدو أنه تراجع روسي عن هذه الخطوة، لصالح نشرها في مطار الطبقة العسكري.

ويأتي ذلك بالتزامن مع حديث عن هجوم للجيش التركي على مواقع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بمشاركة فصائل “الجيش الوطني السوري” المُعارض المدعومة من تركيا.

وتشير المعلومات إلى أن القوات الروسية نشرت منظومة دفاع جوي في مطار الطبقة العسكري الخاضع لسيطرة “قسد”، بعد أن كانت استقدمت تعزيزات ومروحيات عسكرية إليه خلال الأيام الماضية.

وكانت مصادر إعلامية روسية ذكرت، قبل أيام، أن القوات الروسية سوف تنشر 12 طائرة من طراز “سوخوي 34” و5 من طراز “سوخوي 35” في مطار القامشلي بريف الحسكة، شرقي سوريا وذلك بعد إعادة تأهيل المطار المدني بمدرج جديد وأبنية لوجيستية لتأمين استخدامه من قبل الطائرات الروسية التي وصل منها سابقاً سرب حوامات “مي 17 ومي 25” مع منظومة استطلاع راداري ومنظومة دفاع جوي متطورة.

غير أنّ ضيق المطار المذكور لم يسمح إلا بهبوط طائرة حربية روسية واحدة من طراز سوخوي 35. ويرى متابعون، أن ضيق المطار ليس السبب الوحيد للتراجع الروسي عن مطار القامشلي، حيث هناك كما يبدو، فيتو أميركي على وجود أي قوة عسكرية أو سياسية منافسة للولايات المتحدة في مناطق ذات الغالبية الكردية والمناطق الغنية بالنفط ضمن مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية”، مما دفع بالروس إلى التوجه غربا وشمالا باتجاه مناطق الطبقة القريبة من تل رفعت وغيرها.

وكانت موسكو ودمشق حاولتا بشكل حثيث خلال الفترات الماضية التمدد في أقصى الشرق ومناطق النفط تحت حجج مختلفة، مثل حماية السكان من التهديد التركي، غير ان محاولاتهم لم تلق الترحيب من السكان المحليين ولا من الأميركيين. وعندما حاول الروس الاقتراب من مدينة دير الزور، تصدى لهم أعضاء المجلس العسكري بدير الزور، وعبر أحدهم للدورية الروسية عن رفض المكون العشائري وأهالي دير الزور السماح بوجود من تقتل طائراته المدنيين وتدعم الحكومة السورية، فيما اعترض الأهالي من قرية عين ديوار في ريف مدينة المالكية، عند الحدود السورية – التركية في ريف الحسكة، رتلاً روسياً ومنعوه من الوصول إلى منطقة كان من المقرر أن يقيم فيها نقطة عسكرية.

كما حصلت احتكاكات عديدة خلال الشهور الماضية بين الدوريات الأميركية والروسية في تلك المناطق في محيط مدينة المالكية بريف الحسكة، فيما نشرت القوات الأميركية ثلاث نقاط تفتيش في ريف مدينة الحسكة، بهدف منع القوات الروسية وقوات حكومة دمشق من دخول المناطق السكنية والمدن هناك.

وبالتزامن مع التوجه إلى مطار الطبقة العسكري، عملت روسيا على تجهيز مطار “متراس” بجوار بلدة “صرين” القريبة من عين العرب (كوباني) شمالي مدينة الرقة على الحدود التركية.

كما تعتزم وفق شبكات محلية إنشاء قاعدة لهبوط الطائرات المروحية قرب قاعدة الطرافاوي بريف الرقة الشرقي شمال شرقي سوريا، والخاضعة لسيطرة “قسد”، حيث بدأت روسيا بهذا المشروع بالتعاون مع “قسد” التي تكفلت بإحضار آليات حفر ثقيلة.

وكان وفد روسي قد وصل، مطلع الشهر الجاري، إلى مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي، بهدف إجراء اجتماعات مع قوات “قسد”، تتعلق بالسماح للقوات الحكومية بدخول مدينتي الطبقة والرقة الخاضعتين لسيطرة “قسد”، وأعقب ذلك وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من “الفرقة 25” التي يقودها العميد سهيل الحسن إلى بادية الرقة الغربية يرافقها الطيران المروحي الروسي.

ويرى محمود حبيب الناطق الرسمي باسم “لواء الشمال الديمقراطي” (أحد فصائل قوات قسد من المكون العربي) ان الأميركيين أبعدوا بالفعل الروس عن مناطق أقصى شرق سوريا، مضيفا أن “القوات الأميركية لا تنوي توسيع انتشارها غربا أو جنوبا، لذلك كان لا بد من إشغال مطار الطبقة عسكريا بقوة جوية قادرة على حماية القوات الروسية المنتشرة على طول خطوط التماس لان هذه المناطق الممتدة من منبج إلى كوباني وعين عيسى وصولا لأطراف تل ابيض من الجهة الغربية والتي تشهد انتشارا كبيرا للقوات الروسية ولقوات قسد، هي الجبهة الأخطر والمهددة بالعملية التركية المفترضة.

أما منطقة القامشلي حتى تل تمر والأطراف الشرقية لرأس العين، فهي محمية بالقوات الأميركية التي أكدت نيتها وقف أي تدخل عسكري تركي”. ورأى حبيب أن ما يجري هو “تكامل في المشهد العسكري ورفع لمستوى الجاهزية على الساحة، دون أن تحدث تغيرات جذرية للسياسات الحالية التي تمارسها أطراف الصراع المحلية أو الدولية في الساحة السورية”.

وأعرب حبيب في حديث مع “الحل نت” عن اعتقاده بأن التهديدات التركية، أوضحت الإصرار الأميركي على البقاء في شرق الفرات واستمرار الشراكة العسكرية مع قسد، وهو ما يسهم في تجنيب المنطقة تبعات حرب خطيرة، وفق رأيه. لكن التوافق الأميركي مع الروس له حدود كما يرى حبيب، حيث يدرك الجانب الأميركي خطورة دخول روسيا بفعالية أكبر، ما يعني دخول المليشيات الإيرانية أو الفرقة الرابعة الموالية لإيران. وكذلك الخطر الأهم وهو معتقلي تنظيم “داعش” والدور المهم الذي تقوم به قسد والذي قد يخرج عن السيطرة في حال وقوع هجوم واسع على شرق الفرات ما يشكل تهديدا للسلم والأمن الإقليمي والدولي.

من جانبه، رأى المحلل العسكري العميد أحمد رحال في حديث مع “الحل نت” ان الرسائل الروسية من خلال عمليات القصف في إدلب لمواقع للجيش الوطني أو نشر قوات في شرق الفرات، هدفها أحيانا تركيا، وأحيانا أخرى تكون بالتنسيق مع تركيا لغايات يقطف ثمارها الطرفان.

وأضاف رحال ان كل من روسيا وتركيا تمارس اليوم ضغوطا على قسد لأهداف مشتركة، مشيرا إلى أن الوجود الروسي في شرق الفرات والطبقة والقامشلي ومتراس بصرين، كان بضوء أخضر أميركي حيث تسعى الولايات المتحدة إلى ترتيب المنطقة قبل انسحابها، وبالتوافق مع روسيا.

واستبعد رحال أن تكون هناك صدامات بين القوى الإقليمية والدولية في شرق الفرات، حيث تتجه الأمور إلى توافق أميركي روسي تركي بشأن ما يحدث في شرق الفرات وعموم سورية، مع تواصل الجهود للوصول إلى مزيد من التوافقات بين هذه الأطراف.

ولفت إلى أن الأطراف المتشابكة تتبادل في الوقت نفسه الضغوط لتحقيق أقصى مصالحها، خاصة في مناطق التشابك مثل إدلب حيث يضغط الروس وإيران وحكومة دمشق على تركيا لتسليم جبل الزاوية، بينما تعزز تركيا قواتها هناك للتأكيد على ثبات موقفها. وأضاف:” وحين يكون هناك ضغط تركي في منغ وتل رفعت، يكون هناك تعزيزات من موسكو ودمشق، وهو ما يحصل أيضا في عين العرب (كوباني).

ورأى رحال ان نشر الطائرات في القامشلي أو في الطبقة هو رسالة لتركيا بأنه روسيا لن تسمح بعمليات في هذه المنطقة، خصوصا ان أي عملية عسكرية تركية بحاجة إلى تغطية جوية، لكنه استبعد حصول عملية عسكرية جديدة على غرار ما حصل سابقا، لأن تركيا تدرك ان الظروف غير مواتية لعملية جديدة.

وأضاف أن هناك تخوف تركي من توافق روسي أميركي على حساب تركيا، حيث من الواضح ان الأميركيين يسعون لتسليم الأمور إلى الروس وهم غير معنيين بخيارات قسد بعد ذلك، سواء كانت باتجاه الروس، أو النظام، أو تركيا، لأنهم يريدون الانسحاب من سوريا عاجلا أو آجلا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.