دفعت الكثير من النساء ثمن إيمانهن بالتغيير والثورة والحاجة لكسر المحرمات وتجاوز الخطوط الحمراء. بعضهن قتلن أو اعتقلن أو تعرضن للعنف، في حين وقعت أخريات ضحايا للتنمر والتشهير، في محاولة لإسكاتهن وإيقاف نشاطاتهن الهادفة لتمكين ودعم النساء والمطالبة بحقوقهن. كل هذا لم يمنع النساء السوريات من متابعة محاولات خلق مجتمع موازٍ يتحدى المجتمع الذكوري المسيطر على مفاصل كثيرة من حيوات النساء. لقد خلقت الثورة مساحة للمنظمات والحركات المدنية خاصة النسوية، إلا أن العدد الكبير للانتهاكات المرتكبة ضد النساء، القوانين الغير عادلة بحقهن حتى اليوم، وانخفاض تمثيلهن في مواقع صنع القرار، يدفعنا لنتساءل حول دور هذه المنظمات وقدرتها على التغيير، ونوع التحديات التي تواجهها وتعرقل تحقيق أهدافها.

عن دور المنظمات النسوية في شمال سوريا

بحسب الناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، سيسبان أحمد، والتي عملت مع عدة منظمات نسوية في إدلب في مجال تمكين المرأة وحمايتها من العنف المبني على النوع الاجتماعي، فإن المنظمات النسوية في الشمال السوري تهدف بشكل عام إلى تدريب المرأة وتأهيلها من أجل زيادة فرصها في الحصول على الاستقلال الاقتصادي، كما تهدف لتوعيتها بدورها في أن تكون فاعلة وقادرة على اتخاذ القرار والمشاركة بشكل فعال في العملية السياسية، هذا إلى جانب الاهتمام بقضايا حماية المرأة. كذلك تعمل بعض المنظمات على تمكين المرأة في جوانب حقوقية وقانونية. عن هذا تقول سيسبان لـ (الحل نت) “أقامت بعض المنظمات النسوية دورات التمكين الحقوقي والسياسي وكان هناك جلسات حول الدستور والجندرة والتأكيد على دور المرأة في المرحلة الانتقالية وعملية الانتقال السياسي ومن نتائج ذلك مساهمة المرأة في غرفة المجتمع المدني التي أنشأها ديمستورا (مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا) في جنيف ومشاركتها أيضاً في عضوية اللجنة الدستورية وفي مجال الإدارة المحلية، وتشارك النساء بشكل فعال في معظم مجالس مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات”  بينما لم تحظين بهذه الفرصة حتى الآن في إدلب وريف حلب الغربي”.

اختلاف مجالات عمل المنظمات النسوية

نشرت مجموعة منظمات (النساء الآن، الصندوق العالمي للمرأة، إمباكت) تقريراً في شهر آب/ أغسطس 2020 تحت عنوان المنظمات النسوية والنسائية في سوريا: التحديات والفرص يشير إلى أن مجال عمل المنظمات النسوية يتأثر بعوامل مختلفة، بما في ذلك الجهات المسيطرة على المنطقة، الاعتبارات الأمنية، الموارد المالية والبشرية، والقدرة على الوصول. كمثال على ذلك يشير التقرير إلى أنه بينما كان نشاط المنظمات النسوية في الحسكة يركز على إنتاج المعرفة والدعوة للتغيير التشريعي. كان نشاطها في الرقة التي تواجه تحديات مختلفة بعد أن كانت تحت حكم داعش (ليس فقط على مستوى الانتهاكات الجسيمة التي تعرضت لها النساء هناك بما في ذلك العنف الجنسي، ولكن أيضاً من حيث العقليات، حيث لا يزال من الممكن الشعور بآثار تلك الأيديولوجية). في هذه المناطق، عملت المنظمات النسوية على تنظيم حملات لتعليم الفتيات، مما أدى إلى افتتاح فصل ثانوي كان الوحيد من نوعه في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في سوريا والعراق. كذلك عملت المنظمات هناك على محاربة وصمة العار والتمييز ضد المحتجزات الناجيات؛ وعملت على  زيادة الوعي حول العنف الممارس ضد الفتيات كالزواج المبكر.

تدفع المنظمات النسوية المجتمع نحو التغيير

“أعتقد أن المنظمات النسوية والنسائية استطاعت التأثير بالفعل وهي تدفع نحو التغيير” تقول الحقوقية جمانة سيف، وهي إحدى مؤسسات الحركة السياسية النسوية السورية وعضوة في اللوبي النسوي السوري، ورئيسة مجلس إدارة مؤسسة اليوم التالي، وتعمل اليوم مع المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان، وتضيف “قد لاتظهر نتائج هذا التأثير بوضوح في الوقت الحالي ولكن المتابع يستطيع أن يتلمسه بسهولة ويقدر مآلاته، وهذا السبب هو بالضبط ما دفع العديد من الجهات الرافضة للتغيير الى الاستنفار والتصدي لنشاط النساء، لأنها مستفيدة من واقع التمييز ضد المرأة. المنظمات النسوية والنسائية موجودة اليوم ومستمرة على الرغم من الحرب التي أُعلنت ضدها وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها وأهمها قلة الدعم والموارد وعدم استمرارية الدعم لأجل طويل، إن وجد. إن استمرار هذه المنظمات وإصرار النساء على متابعة نشاطهن على الرغم من كل التحديات، هو انجاز بحد ذاته”.

التحديات: ثالوث السلطة والدين والمال

تعاني المنظمات النسوية في الشمال السوري من مجموعة تحديات ليست ببسيطة، تحد من قدرتها على العمل وتضطرها في كثير من الأحيان إلى إيقاف نشاطها أو ممارسته بشكل سري. نتحدث هنا بشكل أساسي عن ثالوث السلطة والدين والمال.

تقول سيسبان “تواجه المنظمات النسوية تدخلات القوى المسيطرة، التي تفرض عليها تضييقاً أمنياً وتتدخل في نطاق عملها عبر التأثير على عمليات التوظيف أو فرض طلبات موافقة قبل تنفيذ المشاريع، والتي تُرفَض بشكل متكرر، وقد يكون سبب التضييق المفروض على المنظمات هو التخوف من تمكًنها من إحداث تغييرات مجتمعية وثقافية، لذا لجأت المنظمات لتعزيز العلاقات مع المجتمعات التي تعمل ضمنها، بهدف كسب نظام دعم اجتماعي أو بيئة حاضنة، وكسب ثقة المجتمع المحلي، وتساعد هذه العلاقات على مقاومة السياسات الأبوية والأمنية في العديد من المناطق التي يواجه العمل الميداني فيها الكثير من التحديات الأمنية والسياسية، إضافة إلى ذلك قد تعمل الكثير من المنظمات بهويات مجهولة ولا تكشف عن استراتيجياتها أو أنشطتها، أو تحد من مشاركتها على المنصات العامة بهدف الالتفاف على القوات المسيطرة وضمان استمرارية عملها”.

وعند سؤالي للباحثة النسوية هبة عزالدين وهي مؤسسة منظمة عدل وتمكين التي تنشط في شمال غرب سوريا عن التحديات أجابت أن أبرز ما تواجهه هذه المنظمات هو “التحريض على التيارات النسوية من قبل التيارات الإسلامية، خصوصاً بعد خطبة رئيس المجلس الإسلامي السوري واتهام النسويات بالعميلات والمجندات، مما أدى إلى انخفاض الحاضنة الشعبية، والحذر في اللغة المستخدمة في الخطاب والميديا. كذلك تحارب العقلية الذكورية أي عمل يخرج النساء من الإطار الأمامي الرعائي، أو العمل الذي يعلم النساء حقوقهن ويمكنهن إقتصاديا للاستقلال بذواتهن” تضيف هبة “للمنظمات النسوية رؤية خاصة نابعة من فهم ديناميات المجتمع والخطاب الديني والذكورية، لذا تصمم برامج خاصة تختلف بكثير من الأحيان عن مشاريع معظم الداعمين الذين يعتمدون مبدأ الكليشيه، [فبالنسبة للمانح] ما يطبق في رواندا يطبق في سوريا”.

تؤكد سيسبان على الصعوبات المتعلقة بالتمويل قائلة “غالباً ما تكون الفرص متاحة بشكل أكبر للمنظمات الموجودة في الخارج والتي تتمتع بإمكانيات التواصل المباشر مع المانحين، وتعمل تلك المنظمات في ظروف أقل صعوبة بالمقارنة مع المنظمات المحلية الموجودة داخل سوريا والتي تفتقر للدعم وتعمل في ظروف خطرة وبالغة التعقيد. قد تتغيّر السياسات التمويلية مع تبدّل المعطيات السياسية على الأرض، هذا الأمر يحدّ من قدرة المنظمات على التركيز في مجالٍ واحدٍ وتنميته”.

كذلك تقول سهيل محمد (اسم مستعار) الناشطة في حقوق المرأة في شمال سوريا والتي فضلت عدم الإفصاح عن اسمها “تعاني المنظمات النسوية من تحديات متعددة كتعرض المناطق التي تعمل فيها للقصف والتدمير، مما يحد من قدرة هذه المنظمات على تنفيذ مشاريع بعيدة الأمد. قوبلت الأنشطة التي تهدف إلى تمكين المرأة سياسياً أو حقوقياً برفض شديد من قبل الجماعات والفصائل الدينية المتطرفة، والتي سببت في كثير من الأحيان إغلاق مكاتب المنظمات أو اعتقال العاملات والعاملين فيها”. تنهي سهيل حديثها قائلة “الدين والعادات والتقاليد كلها حجج يستخدمها المجتمع الأبوي للسيطرة على النساء وإخضاعهن للسلطة الذكورية”.

لا بد من الإصرار والتصميم لقلب موازين القوى

لم تثنِ هذه التحديات وغيرها المنظمات النسوية التي ما تزال تقاوم العوائق الثقافية والأمنية والسياسية والتمويلية عبر استمرارها بالعمل لتعزيز حقوق النساء وتعميم الحساسية الجندرية والخطاب النسوي في عملها، وعبر الإصرار على عدم تجزئة الحقوق والمطالب لأن حقوق النساء جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان. تقول سارة الأصفري لـ (الحل نت)، وهي مديرة فريق توثيق الانتهاكات الواقعة على النساء في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، “بالتعاون الذي نشهده حالياً بين ناشطين/ات وسياسيين/ات الداخل والخارج السوري، هناك بارقة أمل وخاصة عندما يتعلق الأمر بتطبيع ثقافة حقوق المرأة والسير نحو الطريق الذي يعكس هذا الأمر كشيء أساسي عوضاً عن كونه “مسألة تفضيلية”، وهو ما يؤثر بشكل إيجابي على ثقافة المجتمع ككل في المستقبل. ولكننا مازلنا في بداية الطريق، والعديد من المنظمات تركز في أجنداتها على الثبات على المطالبة بدور واضح وحقيقي للمرأة في العملية السياسية ومناصب صنع القرار، والأهم من ذلك، إيمانها المستمر بتحدي الأنظمة القمعية الأبوية، الأمر الذي سيكون بمثابة ضغط دائم ومستمر لتغيير عقلية مجتمع بأكمله”.

ما يتوجب علينا فعله اليوم لدعم المنظمات النسوية في مواجهة الصعوبات التي تواجهها هو الإيمان بقدرتها على قلب موازين القوى،

وإعطائها الثقة والشرعية والدعم المجتمعي، وعدم السماح باستغلال جهدها وعملها ومشاريعها لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.