أشار تقرير لمعهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى”، إلى أن توجّه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإلغاء ترخيص عمل شركة “دلتا كريسنت إنرجي” في مناطق شمال شرق سوريا، قد يُوجب عليها الاستعداد لمواجهة مزيد من الضغوط العسكرية والاقتصادية في شمال شرقي سوريا، من قبل الجانب الروسي.

في الـ31 من شهر كانون الأول المقبل، ينتهي الإعفاء من العقوبات الأمريكية الممنوح للشركة المذكورة، وبالتالي تنتهي جهود الشركة لمساعدة “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي البلاد على تحقيق استقرار اقتصادها من خلال تجارة النفط. في حين كان قد رفضت إدارة بايدن تجديد الترخيص الربيع الماضي، وإذا ما انسحبت شركة “دلتا كريسنت” ولم يكن لدى واشنطن خطة بديلة، فإن الفراغ الناتج سوف يهيئ الفرصة أمام عودة شركة “جلف ساندز بتروليوم”، التي تسيطر عليها روسيا، والتي كان لديها عقود عمل في سوريا ما قبل عام 2011، وفق ما أشار التقرير.

وبحسب ما ترجم موقع “الحل نت” فإن موسكو تسعى لإعادة شركة “جلف ساندز بتروليوم” لسابق عهدها، الأمر الذي من شأنه أن يترك القوات الأمريكية وحلفائها في الشمال الشرقي عرضة بشكل أكبر للتوغلات الروسية، من أجل تقويض الجهود الأمريكية لعزل حكومة دمشق اقتصادياً. 

من يملك نفط شمال شرقي سوريا؟

مُنحت شركة “جلف ساندز” عقوداً لاستخراج النفط من بعض الحقول الأكثر إنتاجية في شمال شرق سوريا قبل الحرب، ولم تكن الشركة بعد مملوكة لروسيا. وبحلول العام 2011، كانت الحقول التي تشرف عليها الشركة تضخ يومياً حوالي 25 ألف برميل من النفط الخام، وهذا يشكل جزء من حوالي 200 ألف برميل من إجمالي الإنتاج اليومي الذي تنتجه جهات فاعلة مختلفة في المناطق الرئيسية للنفط في محافظتي الحسكة ودير الزور السوريتين. وكان معظم هذا النفط الخام يُشحن غرباً نحو الساحل ليتم تكريره. ومع ذلك، بمجرد أن بدأت واشنطن والاتحاد الأوروبي بفرض عقوباتهم الشديدة على حكومة دمشق، أعلنت “جلف ساندز” تعلّيق عملياتها هناك. 

وبحلول العام 2014، أبعدت القوات التابعة لحكومة دمشق من شرق سوريا واستولى تنظيم داعش على معظم حقول النفط والآبار في المنطقة. وكان النفط يشكل مصدر الدخل الرئيسي للتنظيم الإرهابي، حيث حقق حوالي 1.5 مليون دولار يومياً، بحسب تقديرات “الفاينانشيال تايمز” لعام 2016. ومع ذلك، تم تقليص هذه الواردات المالية بمجرد أن بدأ التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، بقصف الحقول. 

اقرأ أيضاً: هل يحتدم الصراع العسكري في المناطق الحدودية بين سوريا والعراق؟

كما أنشأ التنظيم الإرهابي أيضاً آلاف “الحراقات” البدائية والمدمرة للبيئة لتكرير النفط من أجل استخداماته الخاصة مثل وقود للسيارات وللتدفئة المنزلية. اونتشرت هذه الحراقات على نطاق واسع.

هل فشلت شركة “دلتا كريسنت إنرجي”؟ 

خسر تنظيم داعش جميع أراضيه في سوريا بحلول العام 2019، وسيطرت “الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سوريا على معظم حقول النفط في المنطقة، وبالتالي على معظم الاحتياطيات المؤكدة في البلاد. وتسببت الحالة العامة السيئة والغارات الجوية المكثفة للتحالف بانخفاض الإنتاج اليومي لهذه الحقول إلى مستويات منخفضة مقارنةً بإنتاج ما قبل الحرب.

وبالرغم من ذلك، تمكنت “الإدارة الذاتية” و قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، من ضخ ما بين 20 إلى 40 ألف برميل من النفط يومياً، والذي كانت تقايضه مع دمشق لقاء النقد والمنتجات النفطية المكررة، وفق تقرير المعهد. 

تعتمد “الإدارة الذاتية” على هذه المنتجات والإيرادات لتلبية متطلبات السكان في أراضيها وتوزيع الرواتب وإنماء المنطقة هناك، فضلا عن تأمين الغذاء والوقود. لكن الترتيب لذلك كان دائماً غير مستقر.

كذلك تتداول “الإدارة الذاتية” بعض النفط مع حكومة إقليم كردستان العراق بالرغم من أنها تتلقى فقط حوالي 22 دولاراً لقاء البرميل الواحد لهذه المبيعات، أي ربع سعر السوق الحالي لخام برنت. ومع التضرر الشديد للبنية التحتية وقلة خيارات التصدير الأخرى، لم تتمكن “الإدارة الذاتية” من تحقيق مستويات إنتاج كتلك التي كانت عليه في فترة ما قبل الحرب، أو تأمين مشترين بسعر السوق، أو حتى تحسين الجودة المنخفضة لمنتجاتها النفطية. وبالتالي، عندما تراجعت أسعار النفط في العام 2020، تعرضت الإدارة الذاتية لانتكاسة مالية بهذا الخصوص، مما أدى إلى عجز يبلغ حوالي 35 مليون دولار بأسعار الصرف الرسمية الحالية.

ونظراً لهذه القيود واهتمام “التحالف الدولي” بتحسين الاستقرار الاقتصادي للمنطقة، اتخذت واشنطن والجهات الفاعلة الأخرى خطوات تهدف إلى زيادة مستويات إنتاج النفط وأسعار البيع في مناطق “الإدارة الذاتية”. ففي الثامن من شهر نيسان من العام 2020، منحت وزارة الخزانة الأمريكية إعفاء نادر من العقوبات لشركة “دلتا كريسنت إنرجي”، مما مكّن الشركة المشكلة حديثاً من مساعدة “الإدارة الذاتية” في البحث عن صفقات لتصدير النفط الخام عبر العراق أو تركيا.

وبحسب ترخيص مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الخاص بها، كان من المتوقع أن تتفاوض شركة “دلتا كريسنت” بشأن اتفاقيات التصدير نيابة عن “الإدارة الذاتية” وأن تقدم المشورة بشأن إصلاح حقول النفط المتضررة. وبالمقابل، كان من المقرر أن تحصل الشركة على دولار واحد للبرميل من الصفقات التي كانت ستُبرمها. ولو أن الترتيبات سارت وفقاً للخطة، فإن الشركة وعدت بأن تكون مكسباً للجميع، حيث ستحصل “الإدارة الذاتية” التي تعاني فعلياً من ضائقة مالية على الخبرة الفنية لتنشيط صناعتها النفطية وتوليد إيرادات حاسمة.

ومع ذلك، أعلنت إدارة بايدن في نيسان/أبريل الماضي أنها ستنهي ترخيص “دلتا كريسنت”، حيث أعرب المسؤولون الأمريكيون عن استيائهم من عدم تحقيق الشركة أي تقدم ملموس. ومنذ ذلك الوقت، لم تتم أي عملية تصدير للنفط باستثناء الترتيبات السابقة مع حكومة دمشق وحكومة إقليم كردستان. ومع ذلك، اختلف مسؤولو الشركة المذكورة مع هذا التقييم، مشيرين إلى أنهم قد وقعوا اتفاقيات تصدير مع ثلاث شركات خططت لنقل نفط الإدارة الذاتية إلى البصرة  في العراق لتصديره إلى الخارج.

وكان فريق شركة دلتا كريسنت الأساسي يتكون من ثلاثة أعضاء عندما تلقت إعفائها الأول: جون دورييه، المدير التنفيذي السابق لشركة جلف ساندز جالباً معه معرفة واسعة بصناعة النفط في سوريا، وجيم ريس الذي لديه خلفية في أمن مناطق الصراع، وجيمس كاين، الذي كان سياسياً سابقاً في عهد جورج دبليو بوش والذي عرف كيف يفتح الأبواب في الدوائر الجمهورية.

قد يهمك: لماذا تنهار التشكيلات المتحالفة مع تركيا في سوريا؟

وربما كان هذا الفريق يشكل فريق الأحلام بالنسبة لإدارة ترامب، لكن من المحتمل أن تكون اتصالات كين غير مواتية في الإدارة الديمقراطية، في حين أن تصريحات ريس العامة المثيرة للجدل بشأن سوريا والمزاعم السابقة عن العنف الأسري جعلت دلتا كريسنت أقل قبولاً.

وبالرغم من الإعلان الصريح عن أنه سيتعين على شركة “دلتا كريسنت” إيقاف عملها في سوريا، إلا أن منذ نيسان/أبريل الماضي منحت إدارة بايدن الشركة بهدوء عدة تمديدات مؤقتة. ووصفت هذه التمديدات على أنها إجراء شكلي يهدف إلى مساعدة إدارة “دلتا كريسنت” لـ “إنهاء” عملياتها، ولكنها أيضاً تمنح الشركة شريان الحياة وتفتح الباب لعكس قرار التنازل.

مخاطر السماح بفراغ النفط

إذا ما أُجبرت شركة “دلتا كريسنت” على الانسحاب ولم يحل محلها أي بديل معتمد من قبل الولايات المتحدة، فإن تطوير النفط في سوريا سوف يتحول ببساطة إلى شركة “جلف ساندز بتروليوم”، التي تسيطر عليها روسيا اليوم، وبالتالي من المرجح أن تزداد مبيعات النفط لحكومة دمشق.

على مدى سنوات ماضية، منعت العقوبات الدولية الصارمة شركة “جلف ساندز بتروليوم” ومعظم منافسيها من العودة إلى سوريا. وبالرغم من أن الشركة لا تزال تدافع عن حقوقها طويلة الأجل في مجالات معينة، إلا أنها لم تتحد السياسة العامة لسحب الاستثمارات. ولكن في شهر آذار/مارس الماضي، حققت شركة “جلف ساندز” تحولاً مفاجئاً بعد أن أصبحت مجموعة “ووترفورد” المساهم الأكبر فيها، وهي شركة استثمارات تربطها علاقات وثيقة مع الكرملين. ومنذ ذلك الحين تروج الشركة لـ “الأصول ذات المستوى العالمي” في شمال شرقي سوريا، الأمر الذي يشير إلى نيتها استئناف العمليات هناك قريباً. وكمشروع روسي، لن تواجه الحوافز ذاتها لتوجيه النفط بعيداً عن دمشق. بل على العكس، من المرجح أن تثري الصفقات التي تعقدها حكومة دمشق من خلال توفير تدفق متزايد للنفط بسعر مخفض من “الإدارة الذاتية”. 

وربما يعرّض هذا السيناريو الأصول العسكرية الأمريكية أيضاً للخطر. فالفنيون والفرق الأمنية الروسية سوف يحتاجون بشكل شبه مؤكد للوصول إلى حقول النفط ذاتها التي تدافع عنها حالياً قوات حراسة البنية التحتية البترولية المدربة من قبل الولايات المتحدة برعاية قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. كذلك تقوم القوات العسكرية الأمريكية بزيارات منتظمة إلى الحقول، من أجل التدريب ولأغراض أخرى. وإذا ما أدى الوجود الروسي المتزايد إلى تعطيل هذا النشاط أو تعريضه للخطر، فقد يهدد ذلك الوضع الأمني الهش في الشمال الشرقي، وكذلك قد يحد من جدوى مهمة تقديم المشورة والمساعدة الأمريكية ويقوض جهود تحقيق الاستقرار التي تبذلها وزارة الخارجية الأمريكية. وقد استثمر فريق المساعدة في عملية الانتقال في سوريا (ستارت) و”الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” مئات الملايين من الدولارات في المنطقة، ويعتمدون على إطار العمل الأمني الحالي في مواجهة مختلف الجهات المعادية.

فعلى سبيل المثال، هاجم تنظيم “داعش” الإرهابي، هذا العام بنجاح خط أنابيب للغاز في  الأراضي التي تسيطر عليها حكومة دمشق وكذلك هاجم عشرات المنشآت في العراق، إلا أن القوات التي دربتها الولايات المتحدة منعت وقوع مثل تلك الهجمات في شمال شرقي سوريا. ويمكن كذلك لوكلاء الميليشيات الإيرانية استغلال أي ثغرات جديدة في المظلة الأمنية الأمريكية، كما فعلوا سابقاً في جنوب سوريا.

توصيات سياسية

لا تزال الأهداف الرئيسية للخطة الأصلية جديرة بالاهتمام، والتي تتمثل بخفض مبيعات النفط لحكومة دمشق وزيادة إمكانيات التكرير لدى “الإدارة الذاتية” وحماية المنطقة من عودة تنظيم “داعش”. ووفقاً لذلك، تحتاج إدارة بايدن إلى تقييم أفضل السبل لتحقيق هذه الأهداف سواء مع أو بدون “دلتا كريسنت”، مع توضيح أهدافها وإجراءاتها لاستخدام الصناعة الخاصة لدعم مشاريع المساعدة والتنمية في البلدان الخاضعة للعقوبات.

اقرأ أيضاً: جحيم النفط السوري يسمم مناطق الشمال!

ولابد من توضيح الجداول الزمنية والمقاييس وعمليات التطبيق. فشركة “دلتا كريسنت” لم تكن واضحة على المطلق بشأن الشكل الذي كان من المفترض أن تبدو عليه مهمة “تقديم المشورة والمساعدة” للشركة في الممارسة العملية. وتم ترك المشاريع البدائية لتكرير النفط على جانب الطريق ولم يتم تحديد الجدول الزمني للمهمة على الإطلاق. كما يجب على وزارة الدفاع الأميركية النظر في السماح لأفراد قوات سوريا الديمقراطية باستخدام مصافي التكرير الأمريكية المتنقلة الموجودة في الشمال الشرقي. وفق تقرير معهد “واشنطن”.

فلا يزال هذا هو الخيار الأسهل لواشنطن لزيادة قدرة التكرير في المنطقة وعزل حكومة دمشق اقتصادياً والحد من استخدام الحراقات ذات التقنية المنخفضة والتي تستمر في التسبب في تدمير البيئة وإعاقة إنتاج القمح المحلي. ونظراً لأن “البنتاغون” (وزارة الدفاع الأمريكية) يمتلك بالفعل المعدات اللازمة، فإن التكاليف ستكون ضئيلة ويمكن استيعابها بسهولة من قبل صندوق تدريب وتجهيز مكافحة تنظيم “داعش”.

وبالرغم من أن “البنتاغون” الآن في وضع أفضل لتعزيز طاقة التكرير في الشمال الشرقي، إلا أنه لا يزال بإمكان شركة خاصة أن تلعب دوراً مهماً في إيصال النفط السوري إلى السوق. فمن خلال الإعفاءات والتوجيهات المناسبة من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية، يمكن لشركة مدعومة من الولايات المتحدة أن تنتقل من حيث توقفت “دلتا كريسنت” وتبيع النفط عبر العراق وتحد من وصول حكومة دمشق إلى هذه الموارد. وبالتالي حتى لو لم يعد بالإمكان تجديد ترخيص شركة “دلتا كريسنت”، فإن المصادر المطلعة بحسب المعهد الأمريكي تشير إلى أنه يمكن لشركة أمريكية أخرى أن تساعد شركة نفط الجزيرة في تأمين صفقات تصدير مواتية إذا تم اتخاذ الإجراء المناسب بسرعة. 

ولتجنب الصراع مع “جلف ساندز”، يجب على واشنطن التفكير في التواصل مع  هذه الشركة عاجلاً وليس آجلاً، بغض النظر عما يحدث مع شركة “دلتا كريسنت” أو الشركات الأمريكية البديلة. وعلى وجه التحديد، يجب على إدارة بايدن أن توضح بأن القوات الأمريكية ستبقى في شمال شرقي سوريا في المستقبل القريب وأن أي فرد من شركة “جلف ساندز” يسعى لدخول حقول النفط في المنطقة سيحتاج إلى التعاون مع الولايات المتحدة والوحدات الحليفة المسؤولة عن حراسة هذه المناطق. 

وبالنظر إلى ما هو أبعد من الحلول القائمة على النفط، يجب التركيز  على المزيد من المساعدات الإنسانية في دير الزور، الأمر الذي من شأنه أن يمنح المحافظة المتعثرة شريان حياة اقتصادي حاسم. وبالمثل، فإن زيادة التمويل لبرامج “ستارت” لتحقيق الاستقرار في جميع أنحاء الشمال الشرقي من شأنه أن يساعد الإدارة الذاتية على توليد وظائف وإيرادات جديدة دون الاعتماد على واردات النفط. فوسط حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل صناعة النفط في المنطقة، أصبحت هذه البرامج أكثر أهمية من أي وقت مضى لتحقيق الاستقرار في المنطقة ودرء الجهات المعادية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.