أورد تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، بأن الطائرات الحربية الإسرائيلية قصفت مرتين أهدافاً لمواقع سورية دون أن تكون على صلة بالنفوذ الإيراني. 

ووفق ما ترجم موقع “الحل نت” فإنه وفي حين أن الغارات الإسرائيلية السابقة في سوريا كانت دائماً تستهدف الميليشيات التابعة لإيران وشحنات أسلحتها، فإن الغارة التي نفذت في الثامن من حزيران الماضي استهدفت منشآت عسكرية سورية مرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيميائية السابق في البلاد.  

وفي الأسابيع التي تلت تلك الغارة، ظهر تفسير لأهدافها. فبحسب مسؤولين حاليين وسابقين في المخابرات والأمن والذين اطلعوا على الأمر، فإن تلك الغارة كانت جزءاً من حملة بدأتها إسرائيل لوقف ما تعتقد أنه محاولة ناشئة من قبل سوريا لاستئناف إنتاجها لغاز الأعصاب القاتل.  

وبحسب أربعة مسؤولون حاليون وسابقون في المخابرات الأمريكية والغربية والذين لديهم إمكانية الوصول إلى معلومات استخباراتية حساسة في الوقت الذي شُنّت فيه الغارات، فإن مسؤولون إسرائيليون أمروا بشن تلك الغارة ومثلها أخرى قبل عام بناءاً على معلومات استخباراتية تفيد بأن الحكومة السورية كانت تحصل على سلائف كيميائية وإمدادات أخرى ضرورية لإعادة بناء قدراتها من الأسلحة الكيميائية التي تخلت عنها ظاهرياً قبل ثمانية سنوات. 

وتحدث المسؤولون للواشنطن بوست، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، لمناقشة المواد السرية وفهمهم للمداولات الإسرائيلية. وبحسب المسؤولين المذكورين، فإن الغارة كانت انعكاساً لمخاوف خطيرة أُثيرت ضمن وكالات المخابرات الإسرائيلية منذ عامين نتيجة محاولة ناجحة من قبل الجيش السوري باستيراد مادة كيميائية رئيسية يمكن استخدامها في صنع غاز الأعصاب القاتل “السارين”. وقد تنامت المخاوف عندما اكتشف عملاء المخابرات نشاطاً في مواقع متعددة يشير إلى جهود إعادة إعمار الترسانة الكيمائية.  

وعندما طلبت الصحيفة تعليقاً، لم يؤكد المسؤولون الإسرائيليون الغارات ولم يوضحوا الأسباب التي دفعتهم لشنها. من جانبها، أدانت سوريا بشدة في ذلك الوقت الغارات الإسرائيلية ونفى المسؤولون الحكوميون مراراً استخدام أو صنع أسلحة كيميائية منذ العام 2013. وفي خطابٍ أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في شهر تشرين الأول الماضي، قال بسام صباغ، سفير سوريا لدى الأمم المتحدة، أن سوريا تدين وترفض بشكل قطعي أي استخدام للسلاح الكيميائي تحت أي ظرفٍ من الظروف في أي وقت من الأوقات وفي أي مكان كان. 

إعادة بناء ترسانة الأسلحة الكيميائية 

كانت أولى الغارتين الإسرائيليتين قد شُنّت في الخامس من آذار من العام 2020، حيث استهدفت مجمعاً وفيلا في ضاحية جنوب شرقي مدينة حمص على بعد حوالي 100 ميل شمال دمشق، بحسب مسؤولون. وقد كانت حمص مركزاً سابقاً لإنتاج الأسلحة الكيميائية في سوريا. 

وبحسب مسؤولان استخباراتيان غربيان، فإن الغارة على الفيلا مرتبطة بشكل مباشر بعملية شراء ناجحة لكمية كبيرة من مادة فوسفات ثلاثي الكالسيوم والتي قامت بها سوريا في العام السابق. ولهذه المادة الكيميائية، العديد من الاستخدامات غير العسكرية، من بينها المنظفات. 

ولكن يمكن أيضاً تحويله بسهولة إلى ثلاثي كلوريد الفوسفور، وهو مركب شديد التنظيم يُحظر استيراده إلى سوريا بسبب استخدامه المعروف كرائد لغاز السارين وغازات الأعصاب الأخرى.  

وقال المسؤولون أن المتلقي النهائي للمادة الكيميائية كان وحدة عسكرية تُعرف باسم الفرع 450، وهو فرع من أكبر المختبرات العسكرية السورية، مركز الدراسات والبحوث العلمية.

وقد أشرف مركز الدراسات والبحوث العلمية هذا على إنتاج الأسلحة الكيميائية السورية منذ الثمانينيات حتى العام 2014 على الأقل، عندما تم تفكيك البرنامج رسمياً بموجب اتفاق توسطت فيه كلّ من الولايات المتحدة وروسيا.  

بينما استهدفت غارة الثامن من حزيران الماضي مخازن عسكرية بالقرب من الناصرية، وهي قرية صحراوية شمالي دمشق، بالإضافة إلى موقعين إضافيين بالقرب من حمص. وقد تم وصف أحد هذين الموقعين بأنه منشأة مساعدة للمختبر العسكري التابع لمركز الدراسات والبحوث العلمية في مصياف، والذي يقع على بعد حوالي 40 ميلاً شمال غربي حمص. 

ومن غير الواضح ما إذا كانت الغارات قد نجحت في تعطيل خطط سوريا بالكامل. فقد كان المسؤولين الإسرائيليين يعتزمون أن تكون ضرباتهم استباقية، مما يقضي على قدرات الإنتاج في البلاد قبل أن يتم تصنيع أسلحة فعلية، بحسب المسؤولين الاستخباراتيين الغربيان. وبالتالي، فإن أي محاولة لتفجير المخزون الموجود من غاز الأعصاب أو عوامل الأعصاب الأخرى هو مخاطرة بإطلاق أعمدة من الغازات القاتلة التي يمكن أن تنتشر إلى البلدات والقرى المجاورة.  

ولطالما اشتبه مسؤولو المخابرات الأمريكية أن دمشق ما تزال تحتفظ، إن لم تكن تعيد بناء، بالنواحي الأساسية لقدراتها في مجال الأسلحة الكيميائية. وفي العام 2019، اتهم مسؤولو وزارة الخارجية الأمريكية سوريا علناً بمواصلتها سراً لبرنامج الأسلحة الكيميائية مستشهدين بالهجوم الذي تم ضد مقاتلي المعارضة باستخدام غاز الكلور في العام ذاته.  

والبيت الأبيض في ظل إدارة بايدن اليوم على وشك الانتهاء من مراجعة شاملة لسياسة سوريا، ومن المتوقع أن تدعو الإدارة إلى معاقبة الأسد على انتهاكاته السابقة والحالية لالتزامات سوريا بموجب اتفاقية الأسلحة الكيميائية.  

“لقد أعلنت الإدارة أنها سوف تحاسب الأسد على أفعاله”، يقول السفير جيمس جيفري، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم الذي أشرف على الدبلوماسية مع سوريا خلال العامين الأخيرين من إدارة ترامب. ويتابع قائلاً: “بالتأكيد يجب أن يشمل هذا الأدلة التي قدمها مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، وآخرين والتي تفيد بأن الأسد يحاول إعادة إنتاج أسلحته الكيميائية”.  

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.