النفوذ الإيراني في سوريا، والمماطلة والمناورة الإيرانية في ملف المفاوضات النووية، كلاهما سيان وفق تقديرات متابعين للشؤون الإقليمية، وذلك بالانطلاق من اعتبار أن مواجهة أي من هذه الملفات أو سواها بما يوازيها من حضور إيراني في المنطقة، ينطلق من ضرورة وضع استراتيجية لمواجهة سياسة طهران في التمدد بالمنطقة واستغلال ملف المفاوضات النووية كورقة سياسية رابحة لتحقيق مصالحها.

آخر الاستفزازات الإيرانية التي تقع ضمن خانة رغبة طهران في تعميق نفوذها وتواجدها لا سيما في سوريا، ما حدث ضد قاعدة “التنف” الأميركية، التي تعمل ضمن إطار التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، فخلال أقل من شهرين، تعرضت القوات الأمريكية المتواجدة في قاعدة التنف جنوب شرق سوريا للهجوم مرتين بطائرات مسيرة تتبع للنفوذ الإيراني في المنطقة.

القوات الأمريكية أعلنت في الـ 16 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، أن طائرة مسيرة دخلت المجال الجوي لقاعدة التنف جنوب شرقي سوريا

وقال بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة الأميركية الوسطى، إن القوات المتواجدة في القاعدة رصدت طائرتين دون طيار دخلتا المجال الجوي للتنف، وأكد أنه “لدى مواصلة إحدى المسيرتين مسارها إلى عمق منطقة التنف لفض النزاع، توصلنا إلى تقييم أنها تظهر نية عدائية وتم إسقاطها، وفق قناة “إن بي سي” الأميركية.

مناورات إيرانية

بينما أسقطت الطائرات الحربية البريطانية، في الـ14 من كانون الأول، طائرة إيرانية بدون طيار، وهي التطورات التي تنذر بتحركات قد تكون لازمة في الفترة المقبلة ضد النفوذ الإيراني في سوريا على وجه التحديد، وذلك في ظل استمرار المناورات الإيرانية الرامية لتعزيز نفوذ طهران في سوريا والمنطقة.

وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، اتهم مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون إيران بهجوم خمس طائرات مسيرات على قاعدة التنف الأميركية، وفق صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية.

إن حجم النشاط الإيراني في سوريا لم يتغير بشكل دراماتيكي، الأمر الذي لم يلزم ظاهرا، إسرائيل برفع الوتيرة، فكمية الأهداف الإيرانية في سوريا هبطت بشكل جوهري منذ سنة، والتواجد الإيراني هناك، هبط بنحو 50 في المئة، مع الإشارة، إلى أن نوعية وكمية الوسائل القتالية التي أدخلتها طهران لسوريا تغيرت في صالح إسرائيل، وذلك في وفق ما أفادت به صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، في تقرير نشرته خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

الكاتب المتخصص في الشؤون الإيرانية عمار السعيد، قال خلال حديثه لـ”الحل نت” إن استمرار الاستهدافات الإيرانية على شاكلة ما حدث في “التنف”، يعني بالضرورة أن إطار التصعيد العسكري والمناكفة الإيرانية سيصل إلى المناطق التي تتواجد بها القوات الأمريكية في مناطق شمال شرق سوريا، طالما أن سياسة المواجهة المباشرة والرادع لم تتم ضد الأعمال العدوانية الإيرانية، بحسب تعبيره.

إن آلية التصعيد الإيرانية عبر الميليشيات المدعومة من طهران، مشابهة لما فعلته حركة “طالبان” في أفغانستان ضد القوات الأميركية، وفق ما أفاد به السعيد، مشيراً إلى أن الإيرانيين يريدون إجبار القوات الأمريكية على الانسحاب من “التنف” بشكل رئيسي من أجل أن يتاح لهم نقل الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية العراقية من ناحية البادية المتماهية مع منطقة التنف.

طهران تسعى للضغط على واشنطن ودفعها للانسحاب من التنف، ومن ثم تخفيف تواجدها في شرق الفرات، من أجل تقوية خط نفوذها الممتد من طهران إلى بغداد ومنها إلى دمشق وآخرا في بيروت، بحسب السعيد.

ويتابع حول ذلك “إن إيران تعتبر أن عدم وجود رد أميركي على هجماتها الاستفزازية، هو علامة إيجابية بالنسبة لها بما يسمح لها الاستمرار بأعمالها واستفزاز واشنطن أكثر”.

سياسة المواجهة

من جانبه اعتبر المحلل الاستراتيجي والباحث في العلاقات الدولية محمود حمادة، بأن الحاجة الأساسية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة وفي سوريا بالتحديد، أن يكون هناك رد مباشر من قبل قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية في مناطق شمال شرق سوريا، من أجل العمل على تحجيم النفوذ الإيراني وإضعاف تواجده هناك، لا سيما في مدن البوكمال والميادين؛ التابعات لمحافظة دير الزور.

وأضاف خلال حديثه لـ”الحل نت”، “لا يمكن عزل مواجهة النفوذ الإيراني في العراق عن شبيهه في سوريا، ولا بد من آلية للمواجهة تتمثل بتشكيل حلف إقليمي دولي، يساهم في وضع استراتيجية اقتصادية وعسكرية ضد النفوذ الإيراني في 3 دول رئيسية، وهي العراق وسوريا ولبنان، فما يحدث داخل العراق ولبنان لا يمكن فصله عما يحدث في سوريا. يجب أن تكون سياسة واحدة وخطة كاملة تستهدف القوات الأمريكية.

منذ العام 2012، عزّزت الميليشيات التي تسلّحها وتموّلها وتدرّبها إيران قوّتها على الأرض، وأدّت دوراً محورياً في الاستيلاء على مناطق عدة، منها مدينة حلب في شهر ديسمبر من العام 2016، وفي تغيير ميزان القوى لمصلحة القوات الحكومية وداعميها الإيرانيين. فخلافاً لخصوم إيران الساعين إلى تحقيق نفوذ في سوريا، أمضى الزعماء الدينيون الإيرانيون نحو أربعة عقود يزرعون المجموعات المسلحة في مختلف أنحاء العالم العربي لتعزيز نفوذهم.

لقد أثبتت إيران نيّتها وقدرتها على الاستفادة من الصراع ومن ضعف الدولة في سوريا والمنطقة عموماً. وذلك بحسب دراسة نشرها معهد “بروكينغز للدراسات الاستراتيجية”.

كما حصدت رعاية إيران للمجموعات المسلحة أرباح مهمة في السنوات الأخيرة. حيث اندمجت ميليشياتها بالوكالة في العراق بشكل كامل في النظام السياسي وشكلت جهة موازية للجيش العراقي الأضعف منها بكثير. وحين احتدم الصراع السوري، وسّعت هذه الميليشيات عملياتها عبر الحدود وأنشأت مجموعات تابعة لها في سوريا لتحارب إلى جانب قوات حكومة دمشق.

إلى جانب حزب الله في لبنان (الذي ترك بصمته بعد أن استولى على القصير في العام 2013)، أدّت الميليشيات العراقية دوراً حاسماً في تغيير ميزان القوى لصالح الأسد.

تتشابه سياسة إيران في أغلب الدول التي تسيطر عليها، فتكون البداية من خلال التقرب الثقافي ومحاولة التغيير العقائدي، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية، وفق حمادة.

إن مواجهة إيران بشكل حقيقي تتطلب مقاربة طويلة الأمد إزاء مشكلة معقدة ودائمة التطور، وليس تدابير مجزأة. على نحو مثالي، قد تصل الولايات المتحدة إلى مستوى يعادل تفاني إيران والموارد التي استثمرتها في سوريا.

لقد أشارت دراسة “بروكينغز” إلى أنّ الحل قد يتجسد في اتفاق مع روسيا لكبح إيران وميليشياتها بالوكالة، إلا أنّ الرباط حول يدي موسكو محكمٌ – إذ كما أظهر تعطيل إيران لعملية الإجلاء من حلب، حدت روسيا من تأثيرها على أعمال إيران في سوريا. ومع تحقيق نظام الأسد وميليشيات إيران بالوكالة مكاسب إضافية، من المحتمل أن تبتعد أكثر عن دائرة النفوذ الروسي. ويقدّم هذا الأمر فرصةً لواشنطن للتنسيق مع موسكو بينما تحاول احتواء نفوذ إيران في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.