في وقت سابق، دقّ وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، ناقوس الخطر مع حلول فصل الشتاء، محذراً من تفاقم الأزمة الإنسانية في سوريا بعد تدهور الأمن الغذائي، وانخفاض منسوب المياه، وزيادة في عدد المصابين بفيروس كورونا، مما يعقد الأمر على القوى المسيطرة في مواجهة هذه الأزمات مجتمعة.

وحيث أن الثابت حتى اللحظة في سياسة الإدارة الأمريكية الحالية، هو دعم الجهود الإنسانية وإيصال المساعدات عبر الحدود، والذي تكلل بإصدار قرار مجلس الأمن الدولي 2585 في صيف العام الجاري، بعد اتفاق الرئيسان الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، في جنيف السويسرية، منتصف حزيران/يونيو من هذا العام، على استراتيجية «خطوة بخطوة»، وتفاهما على الحد الأدنى من الخطوط الحمراء، حيث يتخذ كل طرف بالتقدم خطوة نحو الطرف الآخر لإنجاز الحل السياسي وفق رؤيتهما، أو بالأحرى بما يتسق مع المصلحة الروسية واستمرار حالة اللامبالاة الأمريكية.

الإنعاش المبكر

وبحسب مختصين، فإنَّ تضمين “الانعاش المبكر” كأحد بنود التفاهم الروسي الأمريكي لتمرير قرار مجلس الأمن 2585، في تموز/ يوليو الماضي بشأن تمديد تدفق المساعدات عبر الحدود إلى شمال غرب سوريا، يعد تنازلا أمريكيا، بعد تشددها في السابق بعدم توفير أي منفذ يؤدي لـ “إعادة الإعمار”، بينما لا توفر موسكو أي فرصة تساهم في تثبيت حكم حليفها بشار الأسد وإعادة تعويمه.

ولتوظيف ذلك، مرر الروس خطوة القرار الدولي على أن تقوم واشنطن بخطوة مماثلة في سياق آخر.

فقد شهدت السنوات العشر الأخيرة، عند دخول فصل الشتاء تفاقما للأوضاع الإنسانية في الشمال السوري بالقرب من الحدود مع تركيا، الأمر الذي يدفع بالمنظمات الإنسانية والمبادرات الشعبية للقيام بحملات تبرعات ومناشدات للمنظمات الدولية، وحث المجتمع الدولي على التدخل من أجل تقديم المساعدات لتخفيف معاناة النازحين جراء برد الشتاء وغرق مخيماتهم، التي تتحول مع كل هطول للأمطار إلى مستنقعات من الطين والوحل.

لكن هذا العام يبدو مختلفا عن السنوات السابقة، بسبب شح المساعدات، ونقص التمويل، وعدم إيفاء بعض الدول لتعهداتها في مؤتمر المانحين الأخير في العاصمة البلجيكية بروكسل، الأمر الذي ينذر بكارثة إنسانية، تجتاح “مدن القماش (المخيمات)”، طالما أصبحت هذه الأراضي الترابية مسكنا لهم.

ولا بد هنا من الإشارة، إلى أن أكثر من مليون سوري يعيشون في المخيمات بالقرب الحدود السورية-التركية، بعد تهجيرهم من مدنهم وقراهم، حيث يتجاوز عدد تلك المخيمات 1300 مخيم، ثلثهم موزعين بشكل عشوائي.

تزايد في معدلات الفقر

مدير فريق “منسقو استجابة سوريا” محمد حلاج، تحدث لـ “الحل نت”، بأن «العمل جار منذ عام 2014 وفق القرار 2165، لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود ومن أربعة معابر، وذلك حتى 10 تموز 2021 إلى أن تقلص عدد المعابر إلى ثلاثة، ثم اثنان، ليبقى معبرا واحدا، وهو باب الهوى».

وبين حلاج، أن القرار الأخير 2585 يتم العمل عليه عبر الحدود وخطوط التماس وهو على مرحلتين، بدأت الأولى فور صدوره، وهي لستة أشهر، بحيث يتم تمديده لستة أشهر أخرى بناءً على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة في الثلث الأخير من الشهر المقبل.

وأردف، أنه قبل فترة قريبة، «صدر تقرير جزئي للأمين العام، يحض على زيادة عدد معابر خطوط التماس، بحيث تصل المساعدات الإنسانية بشكل كامل إلى شمال غرب سوريا، مضيفا: أن لغة الأرقام تشير إلى إنه حتى اللحظة أدخلت 29 شاحنة عبر الخطوط، و480 شاحنة مساعدات أممية عبرّت من الحدود في معبر باب الهوى».

وعلل حلاج، بأن ضعف التمويل يعود لعدم التزام المانحين الدوليين مذ مؤتمر بروكسل 4، عندما تعهدوا بتقديم 5.9 مليار دولار، لم يُفرج سوى عن35 حتى 40 بالمئة منها، على امتداد العام الحالي إلى العام القادم.

وأعتبر أن نقطة التحول في الملف الإنساني، يجعله ملفا تفاوضيا بين القوى الفاعلة في الشأن السوري، روسيا -الولايات المتحدة الأمريكية، لاستمرار تدفق المساعدات من معبر باب الهوى.

وأكمل حديثه: إذا ما أصرّت روسيا على إدخال المساعدات عبر خطوط التماس، فسيكون لذلك تأثير كبير على أهالي ونازحي الشمال السوري (قطاع إدلب الممتد من ريف إدلب الغربي إلى شمالها، إضافة لجزء من ريف حلب الغربي)، الأمر الذي سيشكل كارثة إنسانية ويزيد في معدلات الفقر، فضلاً عن تأخر المساعدات كما في حالة مخيم الركبان في الجنوب السوري، أو تأخير وصول قوافل المساعدات إلى المنطقة الشرقية.

وتشير الإحصاءات إلى أن هناك 4.5 مليون شخصا في قطاع إدلب، تقدر نسبة النازحين 48 بالمئة، يعيش مليون ونصف منهم في المخيمات، ومن المرجح أن تساهم الأزمة المعيشية بانتقال ساكني المنازل لعجزهم عن دفع الإيجارات إلى المخيمات العشوائية، وبالتالي؛ تتضاعف الاحتياجات عما كانت عليه في السابق.

نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، قال يوم الأربعاء الماضي، إن إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا عبر الخطوط لا يمكن أن يضاهي حجم ونطاق العمليات عبر الحدود، مشيراً إلى قافلتين، كل منهما 20 شاحنة، نقلت المساعدات الإنسانية عبر الخطوط إلى إدلب.

وفي مؤتمر صحفي، قال حق “إننا بحاجة إلى تسخير جميع طرائق الاستجابة لمساعدة المحتاجين”، وأكد على ضرورة “تسليم المساعدات بطريقة أكثر استدامة.

وأوضح أن لدى الأمم المتحدة “خطة تشغيلية لإرسال شحنات مساعدات منتظمة، ويمكن التنبؤ بها من مناطق خاضعة لسيطرة حكومة النظام السوري عبر خطوط النزاع وصولا إلى الشمال الغربي”. مشيراً إلى أن “القوافل عبر الخطوط، لا يمكن أن تضاهي حجم ونطاق العمليات عبر الحدود، لكنها مكمّل مهم للعملية الضخمة عبر الحدود، وتوفر سبيلاً آخر لإيصال المساعدات إلى الأشخاص المحتاجين في شمال غربي سوريا”.

وفي وقت سابق، نشرت وكالة “الصحافة الفرنسية” تقريراً سرياً قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن، قال فيه إن المساعدات الإنسانية عبر الحدود لشمال غربي سوريا من دون موافقة دمشق ما زالت ضرورية.

وأضاف غوتيريش “في هذه المرحلة، لم تبلغ القوافل عبر خطوط الجبهة وحتى المنتشرة بشكل منتظم، مستوى المساعدة الذي حققته العملية العابرة للحدود عند معبر باب الهوى بين سوريا وتركيا”، مشدداً على أن “المساعدة عبر الحدود تبقى حيوية لملايين الأشخاص المحتاجين في شمال غربي سوريا”.

وبالرغم من كل العقبات، إلا إنه لا تزال الحلول ممكنة، من خلال دخول المنظمات الدولية للعمل في الشمال السوري، وتوزيعها لقسائم شرائية من شأنها إيجاد حلاً للأزمة، في خطوة لتجاوز قرارات مجلس الأمن الدولي، فيما لو أصرت موسكو على تسييسها للملف الإنساني.

فقد تسببت أزمة الغذاء العالمية، بتقليص “برنامج الأغذية العالمي” لكميات ومحتويات مواد السلة الغذائية، التي توزعها على الفقراء والمحتاجين في البلدان التي تشهد صراعات وكوراث طبيعية.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان “تحذر”

قال رئيس “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” فضل عبد الغني، لـ “الحل نت”، إنَّ “الروس يتبعون تكتيكاً يهدف إلى إغلاق المعابر الحدودية السورية التركية، من خلال المساومة مع الأمريكيين، وقد نجحوا في تمرير القرار 2585، وبذلك تأتي المساعدات من دمشق إلى شمال غرب سوريا”.

وحذر عبد الغني، من نشوء كارثة إنسانية في الشمال السوري (قطاع إدلب)، تكرارا لما حدث بعد إغلاق معبر اليعربية (الواقع بين منطقتي اليعربية في الحسكة وربيعة بكردستان العراق) والذي كان يشكل شريان حياة أساسي في منطقة شمال شرق سوريا.
وأكمل، بأن “هناك جهود حثيثة من قبل المنظمات الحقوقية والإنسانية للعمل مع المكتب القانوني لمنظمة الشؤون الإنسانية، والضغط من أجل دخول المساعدات إلى شمال سوريا، دون إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، انطلاقاً من مبدأ الحيادية، بعد تسييس الملف من قبل الجانب الروسي واستخدامه للفيتو في مناسبات عديدة”.

وفي معرض حديثه حول المآلات، “طالب الدول المانحة بتقديم المساعدات عبر المنظمات الدولية ثم إلى المنظمات المحلية، بحيث لا تمرّ عبر منظمة الشؤون الإنسانية، وبذلك يتم تجاوز مسألة ابتزاز النظام للمانحين”. لكنه في الوقت نفسه، لا ينفي أن الواقع لا يبشر بالخير لأهالي ومهجري الشمال السوري، إذا ما بقي الملف الإنساني موضع مساومة سياسية.

وفي المحصلة، نجد أن الفئة الأكثر تأثرا وبشكل مباشر بكل ما سبق، هم الأطفال، الأمر الذي يساهم في زيادة معدل العمالة بينهم، ويدفع الأسرّ لتخفيف عبء المعيشة، إلى اللجوء لتزويج القاصرات، وهذا يُعد انتهاك آخر لحقوقهم، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي قد تنتج أو نتجت في الآونة الأخيرة.

وتصل المساعدات الأممية للسوريين إما عبر الحدود (cross-border) من المعابر مع دول الجوار، أو عبر آلية “المساعدات عبر خطوط التماس (cross-line)”، ويعني ذلك وصول المساعدات للمحتاجين من منطقة سيطرة إلى أخرى، وهي الآلية التي حاولت فيها الأمم المتحدة إيصال المساعدات للمناطق المحاصرة عن طريق مناطق سيطرة حكومة دمشق، والتي فشلت في كل مرة بسبب رفض دمشق ووضعها العراقيل والحجج.

ودخلت آلية تسليم المساعدات الإنسانية حيز التنفيذ في عام 2014، حيث وافق مجلس الأمن على أربعة معابر حدودية، هي باب الهوى وباب السلامة مع تركيا، ومعبر اليعربية مع العراق، ومعبر الرمثا مع الأردن.

وخلال السنوات الماضية، بقيت آلية نقل المساعدات الإنسانية إلى سوريا محل جدل وخلاف بين أعضاء مجلس الأمن الدولي، حيث يطالب المجتمع الدولي بإدخال المساعدات إلى سوريا عبر الحدود من دون التنسيق مع دمشق، في حين كانت كل من روسيا والصين تدعوان للتخلص من هذه الآلية، وإدخال المساعدات بالتنسيق مع دمشق.

في عام 2020، هددت روسيا باستخدام حق النقض “الفيتو” وأجبرت مجلس الأمن على إغلاق ثلاثة من المعابر الحدودية الأربعة المصرح بها، مما أدى إلى قطع مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود عن الشمال الشرقي تماماً، وجعل توزيع المساعدات في الشمال الغربي أكثر صعوبة.

وفي حزيران الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي، بإجماع أعضائه، قراراً يقضي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا لمدة عام عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وبقائها عبر الخطوط.

ويمدد القرار آلية إيصال المساعدات الإنسانية لمدة 6 أشهر، ثم يتم تمديدها لـ 6 أشهر أخرى، بعد أن يقدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً لأعضاء المجلس بشأن تنفيذ القرار مطلع العام المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.