تحاول روسيا والصين، باعتبارهما دولتين تتنافسان مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الساحة الدولية، إيجاد موطئ قدم لهما في الشرق الأوسط، حيث تتمثل الإستراتيجية الصينية والروسية الجديدة في تقليص النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، إثر الحضور الأمريكي في مناطق النفوذ المباشر للصين وروسيا في أوروبا الشرقية ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

ذلك الأمر استلزم تطوير إستراتيجية للصين ولروسيا لتكون معادية لواشنطن وفي قلب مناطق النفوذ الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط. إن محاولة الاستغلال الروسي الصيني للتواجد بقوة في الشرق الأوسط قد يكون بمثابة “سلاح هجوم” لخلق الاستقرار الجيوسياسي في الشرق الأوسط بعد تواضع وهزال أمام قوة الولايات المتحدة هناك. الأمر الذي وضع روسيا والصين في قلب مناطق أزمة الشرق الأوسط ودوائر الصراع في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، بخاصة فيما يتعلق باستخدام روسيا والصين حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي لمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في الملف السوري والبرنامج النووي الإيراني على وجه الخصوص.

التدخل الروسي والصيني في سوريا

وكذلك هناك اعتبارات خاصة بأمن الطاقة للصين ثم روسيا من خلال توطيد العلاقات الصينية والروسية في الشرق الأوسط، والركائز الإستراتيجية بالنسبة لهما في هذه المنطقة، ما يتجلى وفق رؤيتهما بالدفع نحو “عالم متعدد الأقطاب”. لذلك برزت روسيا والصين كدولتان تنجحان في كسب النفوذ على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي أدى إلى زيادة التوتر والاستقطاب السياسي الدولي بين واشنطن وحلفائها في مواجهة التحالفات الصينية الروسية.

ووفق تقرير لموقع “مودرن ديبلوماسي” الأمريكي، وترجمه موقع “الحل نت”، فإن أحد أهم جوانب المنفعة الروسية الصينية في الشرق الأوسط يتمثل في التدخل العسكري الروسي والصيني لاحقاً في سوريا لإنقاذ بشار الأسد عام 2015. والأخطر هو استضافة سوريا للقاعدة البحرية الوحيدة لموسكو في البحر المتوسط. كما أن محاولة الجانب الروسي التواجد في ليبيا، من خلال دور موسكو كطرف فاعل في الحرب الليبية، وكذلك الدعم الروسي لقوات خليفة حفتر بغارات جوية وأسلحة وشركات عسكرية خاصة وقوات خاصة روسية، ونشر روسيا لمتعاقدين عسكريين خاصين في السودان لدعم “المجلس العسكري الانتقالي”، الذي تولى السلطة بعد الإطاحة بعمر البشير، وإبرام روسيا اتفاقاً مع المجلس العسكري الانتقالي في ليبيا لبناء قاعدة بحرية روسية قبالة سواحل السودان في البحر الأحمر، توضح هذه المنفعة.

كما أن زيادة مبيعات الأسلحة الروسية الصينية في الشرق الأوسط هي إحدى أبرز نتائج الوجود الصيني الروسي في المنطقة، في وقت يمثل الشرق الأوسط منطقة إستراتيجية مهمة للصين بالنسبة لمبادرة “الحزام والطريق”. وكذلك وجود الصين كأكبر مستهلك للنفط في المنطقة، وأكبر شريك تجاري لها، وأكبر مستثمر، وكذلك المسعى الصيني لدمج مبادرتها الطموحة “الحزام والطريق” مع الإصلاح الاقتصادي والوطني وبرامج التنمية التي تنتهجها عدد من الدول في المنطقة، ووجود زيادة كبيرة في مبيعات الأسلحة الصينية إلى المنطقة، هي أيضا من منافع الوجود الصيني والروسي في المنطقة.

الأهمية الاقتصادية

كما أن الإستراتيجية الصينية والروسية للسيطرة على طرق التجارة والنفط المهمة للغاية في المنطقة، مثل قناة السويس ومضيق هرمز أو شرق البحر الأبيض المتوسط، قادرة على حماية المصالح والاستثمارات الاقتصادية للصين من خلال مبادرة “الحزام والطريق”. وهنا الخوف الأمريكي من أن تسيطر الصين على طرق التجارة المهمة جداً في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيجعلها تهيمن على أهم طرق التجارة والنفط في منطقة أوراسيا الكبرى.

وأخيراً، فإن أحد المخاوف الأخرى هو أن القوى الإقليمية المعارضة، مثل إيران، أو دول أخرى مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية، قد تلجأ إلى التقارب مع موسكو وبكين لتكونا القوى الكبرى الراعية، إذا ما انسحبت الولايات المتحدة من المنطقة، الأمر الذي يدفع بميزان القوة العالمية ليميل أكثر نحو قوى الشرق التي تمثلها الصين وروسيا استراتيجيا. ويبقى ذلك ضمن إطار الاحتمالات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.