أوضاع الشباب في دمشق: هل تشهد العاصمة السورية عملية تهجير متعمّد لأبنائها؟

أوضاع الشباب في دمشق: هل تشهد العاصمة السورية عملية تهجير متعمّد لأبنائها؟

أوضاع الشباب في سوريا بشكل عام ودمشق بشكل خاص باتت لا تحتمل. هذا ما يؤكده كثير ممن لا يزالون يعيشون في العاصمة السورية، التي أنهكتها سنوات الحرب. يُقال إن الوطن يجب أن يعيش فيك أولاً. وبعد ذلك تستطيع العيش فيه. لكن مع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، لم يعد أمام الشباب سوى التفكير بإمكانية الخروج من البلد. فالهجرة لم تعد مطلباً ملحاً فحسب. بل صارت ضرورة بالنسبة لمن بقي في دمشق.

السعي للهجرة بات هاجس كل الناس، الذين انحدر مستواهم المادي والاجتماعي. ليصبحوا جميعهم فقراء. بمن فيهم من كان يملك عملاً أو استثماراً يكفيه الحاجة. قبل تدهور الأمور.

«الحل نت» التقى في العاصمة السورية عدة أشخاص من خلفيات متعددة. لسؤالهم عن أوضاع الشباب في دمشق. وما الذي تبقى لهم من خيارات فعلاً.

تدهور أوضاع الشباب في دمشق لا يقتصر على الفقراء

أول من التقيناهم لمعرفة أوضاع الشباب في دمشق كان “محي الدين”، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه الحقيقي، وهو شاب من دمشق يبلغ السادسة والعشرين من العمر، ويملك شركة تسويق صغيرة. فضّل العمل فيها على السفر عند بدء الأزمة السورية. لكن عمله أخذ بالتراجع. نتيجة الظروف السيئة للمؤسسات الاقتصادية في البلاد. والطريقة التي تجبرها الحكومة السورية على العمل بها.

يقول “محي الدين”: «كثير من المعامل والشركات، التي أعرض عليها خدمات شركتي، لا تقبل التعامل معي. رغم انخفاض الأجر الذي أطلبه. فالنسبة الكبرى من تلك المؤسسات يديرها موالون للنظام، يعملون بمبدأ العلاقات والمحسوبية، وليس الكفاءة. ولا سيما شركات الموبايلات. أما المجدّون في عملهم من أصحاب الشركات فتجبرهم الحكومة السورية على التخلي عن النسبة الأكبر من أرباحهم. بحجة الضرائب ودعم الدولة في أزمتها الاقتصادية. وبالتالي لم يعد لديهم القدرة على الاستعانة بشركات إعلامية مستقلة مثل شركتي».

كما يتابع: «لم يعد العمل مجدياً. أنتظر فرصة عمل في بلد آخر منذ سنتين. وسأغادر البلاد فور حصولي عليها».  

“عاصم”، البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً، هو الابن الوحيد لوالديه، يعمل في متجر للأجهزة الإلكترونية، رغم امتلاكه شهادة جامعية، ويتحدث لموقع «الحل نت» عن أوضاع الشباب في دمشق: «على الرغم من كل الخيرات المتوفرة في سوريا إلا أن الحياة في بلدنا صارت فوق مستوى صبرنا. وكل من يملك إمكانية الهجرة لن يبقى دقيقة واحدة في سوريا. ويبدو أن هذا نوع من التهجير الممنهج لشباب البلد، الذي بات مهدداً بهجرة كل الفئات الفاعلة فيه. ولن يبقى إلا المنتفعون من وجود الفوضى والفساد، والفقراء غير القادرين على تأمين ثمن تذكرة سفر. فيقضون أيامهم في الحسرة، والعيش على فتات الفاسدين». حسب تعبيره.

أوضاع الشباب العاملين في دمشق

وإذا كانت أوضاع الشباب في دمشق متدهورة حتى بالنسبة لأصحاب الاستثمارات الصغيرة، فكيف هو حال الطبقات العاملة؟

“عامر”، البالغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، خسر منزله في منطقة القدم بدمشق، بعد تعرّضه لقصف القوات النظامية، ويعمل حالياً في ورشة للخياطة في منطقة الكسوة. يؤكد لموقع «الحل نت»: «الرواتب قليلة ولا تكفي لتأمين مستلزمات الحياة. ولذلك فإن العمل لساعات طويلة لم يعد مجدياً. فئة الشباب تريد الهجرة لأسباب متعددة. منها الفقر ولا جدوى العمل وارتفاع الأسعار. والتخلّص من الخدمة العسكرية الإلزامية. فوضع البلد بحد ذاته يغرق الإنسان في الاكتئاب. ويجعله محطماً معنوياً».

ويتابع: «بما أن عملي لا يكفيني للحياة اعتمد على حوالة مالية شهرية. تصلني من أحد أقربائي في ألمانيا. لدفع الأجارات وتأمين الأدوية والمواصلات وغيرها. وحتى لو أمّنت النقود فهنالك أزمة كهرباء وبنزين وغاز. فضلاً عن طوابير البشر المتدافعين أمام الأفران في دمشق. كل مقومات الحياة أصبحت معدومة. إضافة للقيود الأمنية، فالشباب المطلوبون، سواء للخدمة الإلزامية أو لأسباب أمنية، ليس بمقدورهم التحرّك ضمن البلد. ويبذلون جهدهم كي لا يخرجوا عن منطقة سكنهم. وإذا اضطروا للذهاب بعيداً يعتمدون على هويات أحد معارفهم غير المطلوبين. كل هذا يجعل أوضاع الشباب في دمشق لا تحتمل. ولا سبيل إلا الهجرة».  

مقالات قد تهمك: الطبقية في سوريا: كيف أدت السياسات الحكومية لزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟

“محمد”، البالغ من العمر سبعة عشر عاماً، طالب في نهاية المرحلة الثانوية، ويعمل في سوبر ماركت بعد الدراسة. جلّ ما يتمناه أن يحصل على الشهادة الثانوية، ويسافر إلى دبي أو بيروت، التي يقيم بها ابن عمه. متأملا أن يساعده على إيجاد فرصة عمل.

ويشير “محمد” إلى أن «عدداً كبيراً من الصناعيين الذي يعرفهم أقدموا على بيع معداتهم والتوجه إلى العراق. ليجدوا فرصاً أفضل لهم. ولم  يبق في البلد سوى الروس والإيرانيون وتوابعهم». حسب وصفه.

أوضاع دروب السفر

وأمام أوضاع الشباب المزرية هذه، ما إمكانياتهم الفعلية للهجرة؟

“نوار”، أستاذ مدرسة في دمشق، يرى أن «مشكلة الهجرة ليست بتكاليف السفر. بل بفرصه المحدودة. فالخيارات المطروحة حالياً للهجرة الشرعية هي أربيل العراقية أو مصر أو ليبيا. وعلى الرغم من أن هذه الوجهات قد تؤمّن فرصاً للعمل والحياة بالنسبة للشباب، إلا أن المهاجرين إليها يعانون كثيراً. وتبقى فرص الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وهي قد تكون حلاً مناسباً لتدهور أوضاع الشباب في دمشق. رغم مخاطرها».

ويضيف: «صارت دبي مؤخراً وجهة هجرة مفضلة لدى الشباب. بعد أن فتحت الإمارات باب التأشيرات للسوريين. وتصل تكلفة الفيزا مع تذكرة إلى نحو مليون وسبعمائة ألف ليرة سورية. وتحتاج لتجديد كل فترة».

وعلى الرغم من تكاليف السفر المرتفعة شهدت الفترة الماضية هجرة أكثر من ألف وخمسمئة شاب من ريف دمشق. غالبيتهم توجّه إلى لبنان وبيلاروسيا. بتكاليف قد تصل إلى سبعة آلاف دولار أميركي.  

وتلجأ نسبة كبيرة ممن يودون الهجرة لبيع ممتلكاتهم ومقتنياتهم. لتأمين تكاليف السفر. والبعض يلجأ إلى الاستدانة لدفع التكاليف.

يشار إلى أنّ قسماً من المهاجرين عبر المكاتب السياحية في دمشق، تعرّضوا لعمليات نصب واحتيال، أوصلتهم لحالة مزرية. خاصة من طمحوا للوصول إلى الاتحاد الأوروبي عبر بيلاروسيا، التي فشلوا في مغادرتها.

ويرى ناشطون أن وضع الشباب في دمشق جانب من حالة سورية عامة، يمكن اعتبارها عملية تهجير واسعة، لم تعرفها البلاد منذ أيام “السفر برلك” في مطلع القرن الماضي. كما أن التهجير بسبب الفقر وانعدام الخدمات قد يكون مكمّلاً للتهجير المباشر لأهالي بعض المحافظات، التي دخلتها القوات النظامية. مثل درعا مثلاً.

وبحسب دراسة استقصائية، صدرت عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC)، في أيار/مايو الماضي، واهتمت بتقصي أوضاع الشباب في دمشق، هناك «نية واضحة، لدى من أُجريت عليهم الدراسة، في الهجرة إلى الخارج». ويبدو أن دمشق اليوم مليئة بحقائب السفر، التي يعدّها الشباب للخروج من وضعهم الجحيمي، والبحث عن وطن بديل. أكثر أماناً وحفاظاً على الكرامة والإنسانية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.