في ظل الحديث عن احتمالات تقارب روسي أمريكي في سوريا، لا سيما بعد اللقاء الرئاسي بين الجانبين أواخر شهر حزيران/يونيو الماضي، باتت تلوح في الأفق مؤشرات تحجيم أو إعادة تموضع للدور التركي في الملف السوري، ما يدفع للتساؤل حول إمكانية تحجيم فعلي للدور التركي في سوريا.

نظريا، فإنه وخلال الفترة الحالية والظروف الراهنة فإن الانسحاب العسكري التركي من سوريا هو أمر غير محتمل في الفترة القريبة المقبلة، وذلك في ظل وجود نفوذ وتأثير تركي كبير سواء على مناطق شمال غرب سوريا في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” المعارض، وكذلك في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا). إلا أن ذلك لا يعني ثباتا في حجم السيطرة والنفوذ للجانب التركي، لاسيما وأن الجانب الأميركي قد يكون له التأثير الأكبر إذا ما تقارب مع الروس، بمقابل أن تعمل موسكو على استغلال علاقاتها مع أنقرة، في العمل على إرساء قواعد التسوية السياسية، وحل استعصاء ملف شمال غرب سوريا، وفق رأي الصحفي والكاتب السياسي، أدهم غريب.

“بيضة القبان” الأمريكية؟

وأضاف خلال حديثه لـ”الحل نت” مُعلقا على ما أوردته صحف تركية نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، حول شروط انسحاب القوات التركية من سوريا، بأن “بقاء أنقرة مرهون بشكل رئيسي بحل مشكلة صراعها مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الشمال الشرقي، حيث تستمر اتهامات بتركيا، بعلاقة هذه القوات بحزب العمال الكردستاني، وإذا ما استطاعت واشنطن الانتهاء من هذا الملف من خلال منع أي تصعيد عسكري تركي، أو حتى تقديم إجراءات أمان لاستمرار حوار كردي-كردي، وكذلك الحوار بسياق مواز مع دمشق”.

واعتبر أن واشنطن “بيضة القبان”، فهي “تضمن استقرار الشمال الشرقي، وتقدم الآلية المناسبة لحل ناجع لكل الأطراف، وكذلك إذا ما تقدمت نحو موسكو، فإن الأخيرة قد تسعى للاستحواذ على نفوذ أوسع بمناطق السيطرة التركية، قد يكون من خلال تطبيق اللامركزية الإدارية، وتفكيك هيئة تحرير الشام ومثيلاتها من القوى الإرهابية والأجنبية منها على وجه التحديد، بمقابل إعادة تشكيل القوات العسكرية في الشمال الشرقي والغربي ضمن قواعد المرحلة الجديدة من سوريا”.

وكانت أنقرة نفت ما ورد في تصريحات المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، بعد اجتماعات رقم 17 لمسار “أستانا” حول سوريا. إذ تناولت تصريحاته، تطرق ممثلي الجانب التركي في إحدى جلسات الجولة الـ17 حول احتمالية مغادرة القوات التركية لسوريا “حين تسمح أول فرصة لذلك” وفق وصفه.

تقرير لصحيفة “حرييت” التركية، نُشر يوم الجمعة 24 كانون الأول/ ديسمبر، حول الشروط التي تضعها أنقرة للانسحاب من الأراضي السورية، والتي تعتبرها واضحة ويتم إيصالها في كل لقاء سوري. وذلك رداً على التصريح الروسي.

ووفق ما نقل التقرير عن مصدر خاص لم يسمه، بأن “بعض الجماعات” (يقصد روسيا) ساهمت في نقل“رسائل شديدة الوضوح”، وتم تفسيره بشكل مختلف، وفق الصحيفة.

وتلك الشروط التركية تتجلى من خلال توافق جميع الأطراف السورية على الدستور الجديد بما يضمن حقوق السوريين جميعهم، ليتلو ذلك إقامة نظام انتخابي يتيح لكل فئات السوريين المشاركة فيه بحرية، ومن تأليف حكومة شرعية وطنية بعد الانتخابات العامة.

بالإضافة إلى ذلك تتطلب مغادرة القوات التركية، قضاء تلك الحكومة على “التنظيمات الإرهابية” التي تستهدف وحدة أراضي تركيا على خط الحدود بين البلدين، ووضعها في إطار التنفيذ، بحسب ما أفادت به صحيفة “حرييت” التركية، في وقت سابق.

تراجع حضور تركي؟

الباحث سعيد الحسن، قال لـ “الحل نت”، أن روسيا اعتادت الضغط على تركيا، “ليس معنى ذلك خلافات متزايدة بين الطرفين وإنما تنتهج موسكو ذلك لفرض وجودها العسكري الوحيد على الأرض السورية، وهي تنطلق من ذلك كنهج واحد ضد باقي القوى العسكرية الأخرى المتواجدة في سوريا”.

معتبرا بوجود خلاف بين الجانبين، وهو ما يؤثر على شكل العلاقة بينهما داخل سوريا فقط، وما قد يدفع لزيادة احتمالات التقارب الروسي الأمريكي بسوريا على حساب الوجود التركي؛ سواء السياسي أو العسكري.

بينما يؤكد من أن هذه الطلبات الروسية باتت أنقرة تستوعبها، “ليس بالمعنى الإيجابي، وإنما من إدراك أنقرة أن أي تصعيد بين الطرفين سيعني خسارتها لأوراق كثيرة في سوريا، بمقابل وجود خيارات عدة للروس إذا ما قبلت واشنطن ببحث تسوية سياسية للملف السوري. المسألة لا ترتبط بروسيا وتركيا فقط، وإنما بقوى كبرى مؤثرة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك هناك أطراف أخرى مهمة مثل الدول العربية المنخرطة في الملف السوري”.

وتابع حول ذلك “لا حل قريب إلا إذا فرضت الولايات المتحدة الأمريكية شروطها. وإلا سيبقى التواجد التركي حاضرا، شأنه في ذلك شأن الحضور والنفوذ الإيراني المزعج لكل الأطراف، ما سيؤدي إلى أن يكون الاختلاف قائما في الملف السوري بين عدة أطراف”.

ووفق تقرير نشرته صحيفة “العرب” اللندنية، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، فإنه وبعد نجاح القوات السورية بدعم مباشر من روسيا في استعادة السيطرة على درعا كآخر معاقل المعارضة الداخلية، يعتقد مراقبون أنه لم يعد أمام بوتين لتثبيت حكومة دمشق سوى الضغط لإخراج القوات الأجنبية، وخاصة تركيا التي تسعى لتحويل سيطرتها على إدلب والشمال الغربي من سوريا إلى أمر واقع.

وأضافت الصحيفة، أن بوتين يريد فصل الوضع في سوريا عن الملفات الأخرى التي يتم فيها تنسيق تركي – روسي، وهو ما يعني أن موسكو لن تقبل بقاء القوات التركية التي تعرقل الهدف الرئيسي للتدخل الروسي وهو الإبقاء على سوريا موحدة، خاصة أن تركيا نجحت في استقطاب الآلاف من عناصر المعارضة المسلحة وحولتهم إلى ورقة ضغط في مفاوضاتها غير المباشرة مع الأسد، ووجود هؤلاء المقاتلين على المدى البعيد قد يحول التقسيم إلى أمر واقع، بحسب ما أشار تقرير الصحيفة اللندنية.

ووفق دراسة نشرها مركز “إدراك للدراسات” في وقت سابق، فإن هناك عدة عقبات أمام قرار أنقرة تجاه أي مسألة في وجودها داخل الملف السوري، يتمثل أبرزها بتفوق روسيا عسكريا عليها، بالمقارنة المباشرة بين الجيشين وبسيطرتها التامة على الأجواء السورية، وكذلك الموقف الرسمي العربي الرافض لأي تدخل دور أكبر لتركيا في سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة