الموظفون في العراق: هل بات التسريح هو الخيار الوحيد لمواجهة الأزمة الاقتصادية؟

الموظفون في العراق: هل بات التسريح هو الخيار الوحيد لمواجهة الأزمة الاقتصادية؟

تفاجأ الموظفون في العراق بتصريحٍ خطيرٍ وصادم. حمل أخباراً غير سارةٍ لمئات آلاف الأسر العراقية، التي تعتمد على الرواتب الحكومية في العراق لمعيليها لتأمين مستلزمات الحياة.

فجأة يخرج وزير المالية العراقي “علي علاوي” بتصريحٍ مثيرٍ. يقول فيه إنَّ «العراق سيضطَّر لتسريحِ موظفيه بعد عشر سنوات. بسبب قلة الاعتماد العالمي على النفط، وضعف الموارد المالية».

هذا التصريحُ أثار عاصفة من الانتقادات ضد الوزير. واعتبر الموظفون في العراق، وعديد من المحللين، أن “علاوي” استسهل إطلاق التصريحات، رغم خطورتها، بدلاً من البحث عن حلول لمشكلة خطيرة. على سبيل المثال شح الموارد المالية للدولة العراقية، وأسلوب تعاملها مع موظفيها.

وقبل أكثر من عام قرّر البنك المركزي العراقي رفع سعر الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي. ما أدّى لارتفاع أسعار المواد الغذائية وانكماش الأسواق المحلية. إضافة لذلك أدى لزيادة معدلات الفقر والبطالة. ما يجعل الوضع الاجتماعي في البلاد شديد الحساسية، وقابلاً للانفجار بأية لحظة.

الوزير “علاوي” كان قد أكد، في تصريحات صحفية، على أن «60% من استهلاك النفط العالمي يذهب الى قطاع النقل. وبعد عام 2030 سيتم التوقف عالمياً عن صناعة السيارات التي تعمل بالبنزين. وحتى عام 2040 ستكون جميع السيارات تعمل بالكهرباء».

كما أوضح أن «مستوى التهديد كبير جداً على المدى المتوسّط. والالتزامات التقاعدية خلال السنوات الخمس المقبلة سترتفع إلى خمسة وعشرين تريليون دينار سنوياً. وهي الآن تسعة عشر تريليوناً فقط. وخلال عشر سنوات سينهار سوق النفط، كما ستتراجع المبيعات. وبعد هذه المدة، لن يكون أمام العراق إلا تسريح الموظفين. وهذا الخيار سيخلق مشاكل سياسية كبيرة».

تناقضٌ حكومي بخصوص مصير الموظفين العراقيين

وفي تصريح مناقض، خرج مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية “مظهر محمد صالح” بكلام يخالف ما قاله الوزير “علي علاوي”، في واقعه تكشف عدم وجود اتفاق حول اتخاذ القرارات المصيرية داخل الحكومة العراقية

“صالح” قال، في تصريحاته لموقع «الحل نت»، إنَّ «الوظيفةَ الحكوميةَ مقدسةٌ بالعراق. والدولة مسؤولةٌ عن حمايتها وبقائها، كونها ضماناً لمعيشة أبناء الوطن. ومنهم الموظفون في العراق».

كما أضاف أنّه «لا يمكن تسريحُ أيَّ موظف في العراق. فنحنُ نختلف عن سوق العمالة الأوروبية، بالتالي عملية إنهاء خدمة الموظف تكون وفق القوانين. والوظيفة الحكومية جزء من سيادة العراق. لا يمكن المساس بها».

إلا أنه استدرك بالقول إن «هناك إفراطاً ساد في عمليات التوظيف في العراق في كثير من الأحيان. لكنّ الأمر اليوم أصبح واقع حال. بالتالي الموظفون في العراق خطٌ أحمر لا يمكن المساس به. والوزير كان يتحسس المستقبل فقط».

عدد الموظفين في العراق يبلغ عددهم، بحسب إحصائيات رسمية لوزارة التخطيط العراقية، أربعة ملايين ونصف. يعيلون أكثر من عشرين مليون مواطن. كذلك هناك ثلاثة ملايين متقاعد. إضافة لذلك يوجد حوالي مليون شخص يتلقون رواتب إعانات اجتماعية.

ومع كل هزة اقتصادية يتعرّض لها العراق والعالم، يصبح مصير الموظف العراقي في خطرِ. وذلك نتيجة لاعتماد الحكومة بنسبة تفوق 90% على النفط. بوصفه مورداً أساسياً في إيرادات الدولة المالية وموازنة البلد.

وقبل عامين تعرّضت أسعار النفط لانتكاسة كبيرة. هبط خلالها سعر البرميل لأدنى مستوى له. بسبب ظهور فيروس كورونا. ما أدّى لقيام الحكومة العراقية بإطلاق حزمة إصلاحات اقتصادية. لتقليل الاعتماد على النفط، وزيادة الموارد المالية من مصادر أخرى.

هذه الإصلاحات سرعان ما تلاشتْ فور عودة أسعار النفط لوضعها السابق. الأمر الذي يؤكد، بحسب معظم المحللين، عدم وجود رؤية اقتصادية، تُدار من خلال الدولة، لحماية الداخل القومي.

«تصريحات “علاوي” لا يُعتد بها»

“جمال كوجر”، عضو اللجنة المالية السابق في البرلمان العراقي، قال إنَّ «عمر الحكومة الحالية انتهى قانونياً. كما أصبحت حكومةَ تصريف أعمال. بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة في الأسابيع المقبلة».

ويضيف، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنَّ «العراق، خلال الأربع سنوات المقبلة، متجهٌ لإصلاح اقتصادي يشمل جميع القطاعات. وبالتالي فإنَّ تصريح وزير المالية الحالي لن يكون واقعاً إطلاقاً. والموظفون في العراق يجب أن لا يأخذوه بوصفه نية فعلية للسلطات العراقية مستقبلاً».

كما أشار إلى أنَّ «الجميع يعرف بأنَّ الاعتماد على النفط سيقلّ خلال السنوات المقبلة. وبالتالي يجب تنشيط القطاعات الأخرى في البلد. وأهمها الزراعة والصناعة. وتقليل التوظيف في مؤسسات الدولة، وتفعيل الاستثمار. وهذه الإصلاحات يجب أنْ تتبناها الحكومة الجديدة. دون أن يدفع الموظفون في العراق ثمنها. وإلّا فالخطر قادمٌ».

للقراءة أو الاستماع: الأزمة المالية في العراق: لماذا تعود الأحاديث عن استقطاعات جديدة في رواتب الموظفين رغم ارتفاع أسعار النفط؟

وكُلَّما قررت الحكومات العراقية المختلفة تنشيط القطاعات الاقتصادية الحيوية. على سبيل المثال الزراعة والصناعة، تظهر أمامها معوقات عديدة. فتخفيض تركيا وإيران لحصة العراق من مياه الأنهار النابعة منهما، وقف حائلاً أمام تطوير القطاع الزراعي. في وقتٍ تقول فيه جهات مختلفة إنَّ «دول الجوار نفسها، وتحديداً تركيا وإيران، تدفع باتجاه عدم تنشيط القطاع الصناعي في العراق. ليبقى البلد يعتمد على ما تصدّره إليه تلك الدول بشكلٍ كبير. ما يعود بالفائدة المالية عليها».

وتدفع الحكومة العراقية شهرياً حوالي خمسة مليارات دولار. يعيش عليها الموظفون في العراق والمتقاعدون. فيما لاتتجاوز الإيرادات المالية للعراق شهرياً أكثر من ستة مليارات دولار.

هل سيستفيد الموظفون في العراق من إعادة هيكلة الاقتصاد؟

«إرادة سياسية، وحكومة قوية، والتصدي للفساد، وعلاقات دولية متينة». تلك أبرز الحلول، التي يؤكد عليها الخبير في الشأن الاقتصادي “خالد حيدر”. كما يعتبر أن تنفيذها سيمكّن العراق من تجاوز الأزمة الاقتصادية المقبلة.

وبالوقت نفسه، فإن تصريح وزير المالية العراقي كان جريئاً، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي، حتى لو اعترض الموظفون في العراق عليه. فقد «وصف بدقة الحالة الاقتصادية في العراق، في ظل فشل الحكومات المتعاقبة. ولا بد الآن من وضع خطة محكمة، تنهض باقتصاد الدولة».

ويرى “حيدر”، في حديثه لموقع «الحل نت»، أنَّ «العراق يحتاج لحكومة لها إرادة سياسية. وقوة تمكّنها من جعل مصالح البلد أولى اهتمامها. لتعيد هيكلة الاقتصاد، وتنهض بقطاعات الصناعة والزراعة، وتتفاوض على المياه. عبر استخدام الوسائل التي تمتلكها».

كما يضيف: «نحتاج خطة قوية للقضاء على الفساد، الذي ينخر مؤسسات الدولة. وعلاقات دولية تشجّع الدول والشركات على الاستثمار وتفعيل القطاع الخاص في العراق. الأمر الذي سيقلل من التوظيف في القطاع الحكومي. كما ينعش الموازنة المالية. والموظفون في العراق، وعموم الموطنين، سيستفيدون من هذا بالتأكيد».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.