عوائل مقاتلي الحكومة السورية: هل ما زالت “الحاضنة الاجتماعية للنظام” متحمّسة للقتال؟

عوائل مقاتلي الحكومة السورية: هل ما زالت “الحاضنة الاجتماعية للنظام” متحمّسة للقتال؟

تعتبر معاناة عوائل مقاتلي الحكومة السورية واحدةً من أكبر المشكلات الاجتماعية في البلاد. فحكومة دمشق تحاول إظهار ذاتها بمظهر المهتم بعائلات القتلى والمفقودين والجرحى من العسكريين و”قوات الدفاع الشعبي”. إلا أن كل ما يتم الإعلان عنه من “عطايا” متواضعة، لا يساهم في تخفيف حالة العوز التي تعيشها تلك الشرائح، بدرجة أكبر من بقية السوريين.

“العطايا” التي تتلقاها عوائل مقاتلي الحكومة السورية

وفي ظل اشتداد الضائقة المعيشية، وكثرة المطالبات والشكاوى من قبل عوائل مقاتلي الحكومة السورية، أقرّ مجلس الوزراء السوري زيادة التعويض الشهري لجرحى العمليات من قوات “الدفاع الشعبي”. وبذلك ارتفع التعويض لشريحة نسب العجز بين 70 إلى 79%، من 110 إلى 130 ألف ليرة سورية. أما التعويض الشهري لشريحة نسب العجز من 40 إلى 69% فوصل إلى 100 ألف ليرة سورية. في حين أصبح راتب العجز الكلي 140 ألف ليرة سورية (عند حدود ثلاثين دولاراً أمريكياً).

لكن التعويضات الشهرية هذه تتوقف فور وفاة عنصر الدفاع الشعبي. بخلاف العسكريين، الذين تتحول معاشاتهم لأسرهم، لكونهم يعتبرون من شريحة الموظفين.

ويأتي ذلك بعد إصدار المرسوم رقم “30” للعام 2015، الذي أقر زيادة الرواتب بنسبة 25% للعسكريين المتقاعدين، وأسر القتلى العسكريين وقوى الأمن الداخلي. بحيث يتراوح ما تتقاضاه أسر قتلى العسكريين بين 60 و120 ألف ليرة سورية. بحسب الرتبة العسكرية للقتيل.

وإلى جانب ذلك تحصل أسر القتلى العسكريين على ميزات أخرى. منها منح زوجة القتيل أفضلية في العمل لدى دوائر الدولة، أو لمن تختاره من أولادها، بموجب عقود سنوية تتجدد تلقائياً. ومنح أولاد القتيل نسبة 50% من الشواغر المراد ملؤها، بموجب المسابقات والاختبارات التي تجريها الجهات العامة.

ومن المزايا الأخرى، ترخيص الأكشاك لجرحى العسكريين وذوي القتلى. إلا أنه، وبسبب زيادة عدد الأكشاك، أمهلت الحكومة السورية أصحابها حتى انتهاء العام 2022 لإغلاقها. معلنة، في الثاني والعشرين كانون الأول/ديسمبر الماضي، عن تمديد رخصة الإشغال لمدة سنة واحدة فقط، غير قابلة للتجديد. مع تعهد من قبل عوائل مقاتلي الحكومة السورية بعدم المطالبة مجدداً بالتجديد.

سرقة أملاك المُهجّرين لحساب عوائل مقاتلي الحكومة السورية

وفي إطار “العطايا” المغدقة على عوائل مقاتلي الحكومة السورية أعلنت إدارة مشروع “جريح وطن” عن إصدار بطاقة التأمين الصحي لجرحى “الدفاع الشعبي”، من شريحة العجز المتراوحة بين 40 إلى 69%. وذلك بعد أن كانت البطاقة تمنح فقط لنسب العجز الكبيرة، والعجز الكلي.

وتؤمّن البطاقة مجانية الطبابة في المستشفيات الخاصة بقوات “الدفاع الشعبي”. نظراً لعدم إمكانية تلقي عناصرها العلاج في المستشفيات العسكرية. كما هو حال الجرحى من العسكريين والشرطة.

وعلى صعيد المساعدات الأخرى تقود مؤسسة “جريح وطن”، التي تشرف عليها “أسماء الأخرس”، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، عمليات الإغاثة لعوائل مقاتلي الحكومة السورية في منطقة الساحل السوري. وتُتهم المؤسسة من قبل مصادر في المعارضة بالسطو على ممتلكات المُهجّرين. واستخدام عائداتها لدعم العائلات الموالية لحكومة دمشق.

وفي هذا السياق يؤكد المحامي “عبد الناصر حوشان”، عضو “هيئة القانونين السوريين” المعارضة، أن «مؤسسة “جريح وطن” استولت على آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية في أرياف حماة الشمالية». ويوضح لـ«الحل نت» أن «المؤسسة سطت على أشجار الزيتون، وبدأت باستثمارها عبر تأجيرها. وكذلك على مزارع السمك المنتشرة بكثرة في المناطق التي سيطرت عليها القوات النظامية في العام 2020. علاوة على العقارات وغيرها من الممتلكات».


الفتات لعوائل مقاتلي الحكومة السورية

وبالنظر إلى تراجع قيمة العملة المحلية، والتضخّم الكبير الذي يسود الأسواق، يصف الصحفي المعارض “بسام اليوسف” كل التعويضات التي تتلقاها عوائل مقاتلي الحكومة السورية بـ«الفُتات».

ويقول لـ«الحل نت» إن «السلطات تتعامل مع عوائل مقاتلي الحكومة السورية على أنهم مجرد عبيد. أدوا المطلوب منهم، ثم تم رميهم. فيضطر أصحاب الإعاقة منهم إلى الذهاب لأكثر من مؤسسة، للحصول على أدوية للتخفيف من الآلام الناجمة عن إصابتهم في العمليات الحربية».

ويشير “اليوسف” إلى القصص، التي يتم تناقلها على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تصوّر مدى الفقر وحالة العوز، التي يعاني منها غالبية الجرحى العسكريين، وخصوصاً في الساحل السوري، الذي تكثر فيه أعداد الجرحى والقتلى الموالين للحكومة السورية.
غير أن المشكلة تكمن، يحسب الصحفي السوري، في «عدم توفّر خيار الانشقاق أمام مقاتلي القوات النظامية والميلشيات الموالية لها. خاصة المنحدرين من الطائفة العلوية». موضحاً: «في البيئة العلوية لا تتوفر الجهة القادرة على حماية الجندي المنشق. كما هو الحال في محافظة السويداء على سبيل المثال. وكذلك لا يستطيع الشاب العلوي أن يتخلّف عن الخدمة العسكرية. بسبب كثرة أعداد المخبرين».

«لكن ذلك لا يعني أن السوريين من الطائفة العلوية بغالبيتهم على استعداد لإرسال شبابهم إلى الموت»، كما يقول “اليوسف”، مضيفاً: «هم يحاولون تجنيب أولادهم الخدمة العسكرية. من خلال اللجوء إلى دفع الأموال (الرشاوى) شهرياً، أو البحث عن طريقة للهجرة خارج سوريا. مع إدراكهم لمدى عبثية معاداة نظام الأسد». حسب تعبيره.


التطوّع بدلاً من الخدمة الإلزامية

ويتقاطع حديث “اليوسف”، عن زيادة هجرة الشباب من الساحل السوري، تفادياً للالتحاق بالخدمة الإلزامية، مع معلومات حول توجّه عدد كبير من الشباب السوريين من الطائفة العلوية إلى إقليم كردستان العراق والسودان ومصر، وغيرها من الدول التي أتاحت للسوريين دخول أراضيها. وفق تأكيد المحامي السوري “عروة سوسي”.

وتفسيراً لأسباب ذلك يركّز “سوسي”، في حديثه لـ«الحل نت»، على «الأوضاع الكارثية، التي تعيشها عوائل مقاتلي الحكومة السورية». لافتاً إلى أن «هناك حالة من الإجماع الشعبي على رفض إرسال الشباب للخدمة العسكرية».

ويضيف المحامي، المنحدر من ريف محافظة اللاذقية، أن «الحاضنة الموالية، من عوائل مقاتلي الحكومة السورية، فقدت حماسها تجاه الخدمة العسكرية الإلزامية. لكن هذا الحال لا ينطبق على الإقبال على الكليات والمدارس العسكرية والأفرع الأمنية للتطوّع».

مقالات قد تهمك: ريف اللاذقية الشمالي: لماذا تهدد عودة المُهجّرين مصالح حكومة دمشق والقوات الروسية؟

وهنا لا بد من التذكير، من وجهة نظر “سوسي”، أن «الفقر وانعدام فرص العمل يساهمان في زيادة الإقبال على التطوّع في القوات النظامية والميلشيات، من قبل أبناء الساحل السوري».

ويشدد المحامي السوري على أن «الدور الروسي في الحد من نفوذ الميلشيات في الساحل السوري يدفع الشباب إلى الإقبال على التطوّع في الكليات العسكرية». مشيراً إلى «اختفاء عديد من الميلشيات، التي كانت تؤمن بعض الدخل للشباب المتطوعين فيها. مثل “الحارث”، و”صقور الصحراء”، و”فوج مغاوير البحر”».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.