ما الذي تريده موسكو من ورقة اللجنة الدستورية السورية؟

ما الذي تريده موسكو من ورقة اللجنة الدستورية السورية؟

رسائل روسية عدة صدرت من موسكو مؤخرا تطرقت فيها بشكل مباشر وغير مباشر تجاه مستقبل العملية السياسية في سوريا، والتي يأتي على رأسها مصير اللجنة الدستورية السورية ومآلاتها خلال الفترة المقبلة.

بعد عدة جولات “صفرية فاشلة” من عمل اللجنة الدستورية السورية، ناقشت نقاط عامة وشكلية لم تقترب من المضامين التي يتوجب نقاشها. خرج المبعوث الروسي الخاص إلى روسيا، الكسندر لافرنتييف، بتصريح أثار الكثير من اللغط بين أوساط المعارضة السورية حول جدية موسكو ودمشق تجاه اللجنة الدستورية من بداية انطلاقتها وحتى الآن.

تصريحات لافرنتيف أشارت بشكل مباشر إلى أن أي دستور قد يتمخض عن اللجنة الدستورية، يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة، معتبرا أن “الحكومة السورية راضية عن الدستور الحالي، وفي رأيها لا داعي لتعديلات”.

لم تساهم اللجنة الدستورية بأي تطور داخل أروقة العملية السياسية ولا يبدو أن الأداء السلبي لها خلال الجولات الستة الماضية سيساهم بوضع بنود لدستور جديد يفتح صفحة انتقال سياسي في سوريا، وفق ما أفاد به المحلل السياسي رامي الخليل.

جاءت تصريحات لافرنتيف، لتزيد من خيبات اللجنة الدستورية السورية، ولتقضي على أي أمل يرتجى من تطوير عمل اللجنة من خلال إمكانية توسيعها وضم تيارات سياسية وطنية سورية وفئات مجتمعية مهمشة بفعل بعض الدول المتدخلة في الشأن السوري.

تصريحات لافرنتيف قد تكون إشارة واضحة تدلل على نوايا موسكو في الاستمرار بالمراوغة ضمن مسار المفاوضات، والتي لن تؤدي بالنهاية إلى تغيير السلطة في دمشق، بحسب الرغبة الروسية، وفق ما يعتبر الخليل خلال تصريحاته لـ”الحل نت”.

رسائل ودلالات روسية

تُخبئ التصريحات الروسية العديد من الدلالات حول عزم موسكو تمييع اللجنة الدستورية بعد استخدامها كورقة سياسية للالتفاف على المسار الدولي في جنيف عبر القرار 2254.

لافرنتيف قال إن إنشاء الدستور السوري الجديد يجب ألا يهدف إلى تغيير السلطة أو تغيير صلاحيات الرئيس. ما قد يعني إغلاق أبواب الحل السوري، فضلا عن أنه أوقع المعارضة في مأزق.

وقال في تصريحات خلال اجتماعات الجولة 17 من مباحثات “أستانا” حول سوريا، التي انطلقت في العاصمة الكازاخية إن: “المعارضة السورية تطرح غالبا مطالب غير مقبولة، مما يعيق تحقيق التوافق في عمل اللجنة الدستورية بجنيف”.

واعتبر المبعوث الروسي أن مطالب المعارضة “استفزازية” فيما يتعلق بعمل اللجنة الدستورية، بحيث تجبر الجانب الموالي للحكومة على اتخاذ موقف متشدد إلى حد ما، بحسب قوله.

باتت اللجنة الدستورية تعتبر أحد أهم ركائز الرؤية الروسية للحل في سوريا، وهو ما يدفع موسكو على الدوام لاستثمار ملف اللجنة في استخدامه للمساومة والمراوغة مع القوى المتدخلة في الملف السوري. في الوقت الذي تريد فيه روسيا أيضا استغلال اللجنة من أجل إعادة دمج دمشق مع المرحلة السياسية المقبلة دون أي تغيير في هيكلية السلطة أو رموزها، وهو ما قد ستسعى إليه موسكو لاحقا بشكل حثيث لصياغة دستور جديد وإجراء انتخابات وفق الرؤية الخاصة بها.

لعل الاعتبار الروسي القائل بأن اللجنة الدستورية السورية هي مفتاح الحل السياسي في سوريا من أجل كسب الوقت، بحسب الباحث السياسي سامر البشير، حتى تعويم وإنتاج السلطة السياسية الحالية في سوريا من جديد.

وفي الجولات الخمس للجنة كان الحديث يدور عن “عملية تعديل الدستور ووضع آخر جديد”، قبل أن يتحول الأمر في الجولة السادسة إلى “عملية إصلاح دستوري” بتخطيط روسي على امتداد الفترة الماضية، وفق حديث البشير لـ”الحل نت”.

مشيرا إلى أن موسكو سعت منذ البداية إلى الدفع لمراجعة دستور 2012 ضمن أروقة اللجنة الدستورية، وهو الدستور الذي كُتب تحت كنف حكومة دمشق آنذاك، ليكون هذا الدستور نموذجا قابلا للتعديل الطفيف والترويج لإتمام عملية الصياغة الدستورية، واستكمال الالتفاف على القرار الدولي 2254.

تعديلات دستورية بإشراف موسكو؟

والتعديل الدستوري الذي تروج له روسيا بأساليب متعددة، يتجه إلى تعديل دستور معين ومحدد (دستور عام 2012) يتطلب التوافق على تعديله، أما الإصلاح الدستوري، فلا يمكن حصره بدستور محدد وإنما قد يؤدي إلى تغيير دستوري بما يعني بالضرورة إنجاز دستور جديد بشكل كامل.

وكان تقرير لمركز “جسور للدراسات” أفاد في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي، بأن تصريحات المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا، الكسندر لافرنتييف، التي اعتبر فيها أن عملية إعداد دستور جديد في سوريا يجب ألا تهدف إلى تغيير السلطة في البلاد تحمل عدة رسائل ودلالات.

ولفت المركز إلى أن التصريحات الروسية تشير إلى تعثر في مسار الحوار الإستراتيجي بين موسكو وواشنطن، والذي انطلق في تموز/يوليو 2021، لبحث الملفات الخلافية بين الجانبين في ملفات متعددة.

واعتبر التقرير أن تصريحات لافرنتيف، والتي تبدو عودة روسية للوراء، تأتي في خضم الرسائل المتبادلة مع واشنطن، وأكد في الوقت ذاته أن هذه التصريحات ليست ذات تأثير فعلي على المسار الدستوري؛ لأن روسيا لم تظهر أصلا جدية في إعداد دستور جديد يقلص صلاحيات الرئيس، بل إن مسار “أستانا” تجاوز في بياناته مسألة الدستور الجديد منذ فترة، واستبدله بالإصلاحات الدستورية، وبالتالي فإن تصريحات لافرنتيف، هي الأكثر تعبيرا عن حقيقة التوجهات الروسية، طالما أن موسكو لم تحصل على مقابل ملموس يدفعها للتصرف بعكس هذا الاتجاه.

هذا وقد انطلقت أولى جولات صياغة الدستور في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2019، تنفيذا لبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي يرى في اللجنة الدستورية بوابة للانتقال السياسي في سوريا، عبر صياغة دستور جديد، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء استفتاء على مسودة دستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بناء على دستور جديد.

وبعد تلك الجولة، اجتمعت وفود المعارضة والنظام برعاية أممية خمس مرات أخرى في محادثات معدومة التأثير، كان آخرها في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2021، حيث انتهى جميعها بالفشل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.