في الوقت الذي تحاول فيه روسيا صرف النظر عن خسائرها الفادحة في غزوها لأوكرانيا، من خلال استخدام فصل الشتاء كسلاح ضد المدنيين الأوكرانيين، لاسيما بعد التقدم الكبير للجيش الأوكراني في هجومه المضاد الشهر الماضي، وعلى خلفية الانكسار الكبير للجيش الروسي بعد أن اضطر للانسحاب من مدينة خيرسون، تحدثت معلومات استخباراتية عن تراجع تأييد الشعب الروسي للرئيس فلاديمير بوتين، في الحرب التي يقودها.

إذ أن الدعم العام في روسيا لغزو بوتين لأوكرانيا ينخفض بشكل كبير، وفقا لتقرير نقلت فيه صحيفة “ذا صن” البريطانية، معلومات جديدة صادرة عن وزارة الدفاع، وبينت أن الشعب الروسي بدأ في المطالبة بمحادثات سلام، حيث يواصل بوتين حربه الوحشية في أوكرانيا.

وفق ذلك، فأن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن الدعم الشعبي الروسي للغزو الروسي لأوكرانيا آخذ في الانخفاض بشكل كبير، حسبما قالت المخابرات، مبيّنة أنه وسيلة إعلامية روسية مستقلة توصلت إلى البيانات التي جمعتها خدمة الحماية الفيدرالية الروسية للاستخدام الداخلي.

الرأي العام الروسي بالأرقام

البيانات أشارت إلى أن 55 بالمئة من الروس يؤيدون محادثات السلام مع أوكرانيا، حيث يدعي 25 بالمئة فقط أنهم يؤيدون استمرار الصراع، وبطبيعة الحال فأن هذا مؤشر كبير على مدى رغبة الشعب الروسي الذي فقد الكثير من أبنائه في الحرب.

يأتي ذلك في الوقت الذي يؤكد فيه الجانب الأميركي والأوكراني، أن روسيا تشن هجمة متعمدة لتدمير البنى التحتية للطاقة الأوكرانية، أملا في استخدام فصل الشتاء ضد كييف، وفي وقت نجح فيه الجيش الأوكراني بإفشال المخططات الروسية للاستيلاء على مدينة باخموت.

اقرأ/ي أيضا: رسائل استباقية لحكومة نتنياهو.. إلى أين يتجه مسار الحل بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟

بحسب تقارير مختصة يشكل ما تتعرض له روسيا من خسائر وانسحابات من المعارك انتكاسة عسكرية وسياسية كبرى لموسكو، إضافة إلى الدلائل التي تشير إلى أن روسيا باتت في موضع حرج كبير أمام شعبها، لا سيما بعد إعلان الرئيس بوتين في أيلول/سبتمبر الماضي التعبئة العسكرية الجزئية التي تسببت في ذهاب الكثير من الشباب الروسي إلى جبهات المعارك دون عودة، أعادت كلها تشكيل وعي الشعب الروسي من الحرب التي يقودها بوتين، وهو ما دفع للسؤال حول أسباب ذلك التراجع في التأييد الشعبي، ومآلاته.

في هذا الشأن يقول الباحث السياسي غالب الدعمي لموقع “الحل نت“، إن ما يتعرض له الرئيس الروسي وعلى الرغم من وجود بعض المؤيدين، إلا أنه يعكس ردود الفعل من الحرب التي يشنها الجيش الروسي منذ حوالي عام من الآن.

الدعمي أضاف كذلك، أن الحرب انعكست سلبا على الشعب الروسي والدولة بكاملها، وهو ما تسبب بتراجع مستوى التقنيات وتأخرها وتأخر المشاريع الروسية، ما دفع لمشكلات كثيرة، لتتجلى كلها في تراجع رغبة الشعب الروسي في دعم الرئيس فلاديمير بوتين.

بوتين مهدد بخسارة الانتخابات الرئاسية

الباحث السياسي لفت إلى أن، تراجع الدعم الروسي وفقدان بوتين التأييد للحرب ضد أوكرانيا واستمرارها طوال هذه المدة، وتأثيراتها على حياة المواطنين والدولة الروسية التي سبق ذكرها أنفا، ستؤدي إلى تضاؤل حظوظ بوتين في الانتخابات المقبلة، وهو ما يعني أنه لن يكون رئيسا للجمهورية مجددا، إذا ما لم يستخدم وسائل أخرى مثل التزوير وغيرها.

الدعمي اختتم حديثه إلى “الحل نت” بالقول، إن كل تلك التأثيرات هي نتيجة للضغط الغربي الذي يُمارس لغرض كبح رغبات روسيا، وتقويض نفوذها وإعادة تموضعها الى المحلية، وفك ارتباطاتها بالدول الموالية لها مثل سوريا والعراق وإيران ومن ثم الصين وتركيا.

وأمس الأحد، قال مركز أبحاث بريطاني، إنه حصل على خطة من 4 أجزاء وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحدد كيف سيتمكن جيشه من السيطرة على أوكرانيا خلال 10 أيام.

ووفقا لنسخ الأوامر الصادرة لمجموعة من الوحدات الروسية الموضحة في تقرير حديث صادر عن المعهد الملكي البريطاني للخدمات المتحدة، كان لدى الجيش الروسي خطط لمفاجأة العدو بقوة نيران ساحقة، مستخدما موقفا عدوانيا لفرض تنازلات من المجتمع الدولي، وزعزعة استقرار القيادة الأوكرانية وتمهيد الطريق أمام ضم روسيا للبلاد بحلول آب/ أغسطس الماضي.

تقرأ/ي أيضا: وصول القوات السورية إلى مناطق النفوذ التركي.. حصيلة تطبيع أنقرة مع دمشق؟

لكن من الواضح أن الأمور، كما أشارت مجلة “نيوزويك” في تقرير لها، لم تسر كما كان مخططا بعد نحو 10 أشهر من بدء الحرب، إذ لا يزال وقف إطلاق النار بعيد المنال، ولا تزال القيادة السياسية الأوكرانية سليمة، لافتة إلى أن مخطط الغزو الروسي تمحور حول نجاح 4 افتراضات رئيسية، وهي؛ أن يحدث الغزو بسرعة، مما يقضي على قدرة المجتمع الدولي على الاستجابة بشكل هادف، من ثم الإطاحة بالقيادة الأوكرانية بسرعة، مما يتيح للأوكرانيين الموالين لروسيا تولي مناصب السلطة تحت ستار الدعاية.

تقديرات روسية خاطئة

إضافة إلى السيطرة على خدمات التدفئة والكهرباء خاصة محطات الطاقة النووية والبنية التحتية المالية في البلاد، وأخيرا، بسط الهيمنة الروسية بثاني أقوى جيش في العالم، كما قال الجنرال الروسي فاليري غيراسيموف قبل بدء الحرب، على أوكرانيا في ساحة المعركة.

المجلة ذكرت أن كل هذه الافتراضات التي استنتجها تقرير مركز الأبحاث، كانت تستند إلى حد كبير إلى القوة العسكرية الروسية، وأساسيات حرب روسيا التي أخطأ فيها “الكرملين” وبوتين بشكل خاص في تقدير دعم الأوكرانيين، إضافة إلى أداء وحدات روسيا العسكرية الضعيف في ساحة المعركة، مما أعطى المجتمع الدولي متسعا من الوقت للرد عبر المساعدات المالية والعسكرية.

ووفقا لتقرير المركز، لم يعلم معظم العسكريين الروس بالغزو لأوكرانيا حتى قبل أيام من الغزو، ومن اللافت أن افتقار روسيا لنظام مراقبة متطور في البلاد جعلها عاجزة عن مراقبة تحركات القوات، أو تأكيد العمليات الناجحة ضد البنية التحتية الحيوية، مما أدى إلى تحمل البلاد عددا من المخاطر غير الضرورية التي أدت إلى خسائر كبيرة وضعف المعنويات بين صفوفها.

محللو مركز الأبحاث ختموا بأنه كانت هناك عيوب في خطة بوتين، إذ كان هناك تركيز أكثر من اللازم على كمية المعدات، وليس نوعية الأفراد وقيادتهم وتدريبهم ودوافعهم، مما دفع دولا مثل بريطانيا وأميركا، إلى الإحجام عن معارضة القوات الروسية علانية.

وكان رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية الجنرال مارك ميلي، قد قال في تشرين الثاني/نوفمبر، إن أكثر من مئة ألف جندي روسي قُتلوا أو جرحوا منذ بداية الغزو، مشيرا إلى أن الخسائر في صفوف القوات الأوكرانية قد تكون مماثلة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة