أدى احتكار الدواء ونقصه بالأسواق السورية في مناطق سيطرة حكومة دمشق، إلى ظهور سوق سوداء للأدوية، يتم فيها بيع الأدوية بأسعار ملتهبة، في ظل انتشار الأمراض الموسمية والمزمنة. دون أن تنفع الزيادة الأخيرة في أسعار الأدوية بأن تكسر الاحتكار أو جشع بعض الصيدليات ومستودعات الأدوية.

مصادر محلية في محافظة دمشق، أفادت لـ”الحل نت” بوجود تفاوت في أسعار الأدوية بين الصيدليات، مرجعة أسبابه إلى احتكار الدواء من قبل المعمل أو مستودع الأدوية، حيث يتم فرض السعر الخارجي على الصيدليات دون التقيد بأسعار النشرة الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة السورية.

وتابعت المصادر “هناك تقصد لجعل بعض الأدوية مفقودة من قبل بعض المستودعات، وهم يعرضون على بعض الصيادلة إذا أردتم تأمين هذه الأدوية فيجب دفع مبالغ مضاعفة، وهذا ما يخلق فعليا سوق سوداء للدواء. رفع سعر الدواء من قبل وزارة الصحة لم يوفر جميع الأصناف؛ رغم توافر بعضها، إلا أنه يوجد الكثير منها مازال مفقودا ويباع في السوق السوداء فقط”.

اختلاف في أسعار الأدوية

يختلف سعر بعض الأصناف الدوائية إن وجدت، بحسب الصيدلية، وعند الرغبة بشراء دواء مفقود يتم طلب مبلغ إضافي. حتى المضادات الحيوية مفقودة بشكل كبير على أهميتها، مشيرة المصادر إلى أن الأسعار حقيقة ارتفعت أكثر من 60 بالمئة وليس فقط 30بالمئة.

وزارة الصحة كانت قد رفعت أسعار جميع الأدوية بنسبة 30 بالمئة، في منتصف الشهر الماضي، للمرة الثانية خلال عام 2021، وذلك بهدف “تأمين استمرار الأدوية” في ظل ارتفاع تكاليف إنتاجها، على حد قولها.

الخبير الاقتصادي، محمد النايف، قال خلال حديث لـ”الحل نت” إن تضاعف أسعار الأدوية للمرة الثالثة سيكون حاصلا خلال الفترة المقبلة، لاسيما وأن الارتفاع السابق لم يكن كافيا بعد ارتفاع أسعار جديد لمعظم المستلزمات التي تدخل في الصناعة الدوائية.

رفع أسعار الأدوية للمرة الأولى، أقرته وزارة الصحة في شهر تموز/يوليو الماضي، حيث قاربت النسبة آنذاك الـ40 بالمئة، وعللت الوزارة الزيادة بأنها تأتي لـ “ضمان استمرار عجلة الإنتاج في المعامل”.

وجاء ارتفاع أسعار مختلف أصناف الأدوية، بعد تهديد أصحاب المعامل بوقف الإنتاج، حيث طالب أصحاب معامل الأدوية خلال الفترة الماضية، بمزيد من رفع أسعار الدواء في سوريا ليصل إلى 100 بالمئة، وذلك في ظل ارتفاعها بشكل مسبق وغياب أنواع عدة منها.

عضو مجلس نقابة صيادلة سوريا، جهاد وضيحي، أفاد مطلع شهر كانون الثاني/يناير الجاري، بقرب توافر الأدوية المقطوعة في الأسواق، متوقعا تحسن الأمور خلال الفترة القريبة المقبلة، حيث “تتبين الأمور بشكل أوضح باعتبار أن الشركات بحاجة إلى وقت لشحن الأدوية إلى المحافظات”.

وأشار إلى أن النقص الحاصل كان في أدوية المضادات الحيوية، في حين أن هناك أدوية غطتها بعض الشركات مثل أدوية الضغط، والمتعلقة أيضا بالأمراض المزمنة.

ولفت إلى أن النقابة وضعت تعرفة رسمية لأسعار الأدوية بعد ارتفاع أسعارها، وإذا كان هناك اختلاف بالسعر لدى بعض الصيادلة فهذا تصرف شخصي من الصيدلي.

مبالغ باهظة

مصادر “الحل نت” أوضحت بأن نسبة الرفع الثانية لم تكن ملائمة لطموحات أصحاب المعامل؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى عدم توفر زمر الأدوية المقطوعة خلال الفترة المقبلة، وذلك ضمن اعتبار أصحاب المعامل بأن استيراد المواد الأولية وتصنيعها محليا سيكون خسارة لهم.

سعر علبة الدواء من صنف الصادات الحيوية التي كانت تباع في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بحوالي أربعة آلاف ليرة يتراوح سعرها بين 20 و30 ألف ليرة سورية حاليا.

عائلة لديها شخصان يحتاجان لدواء للأمراض المزمنة كالضغط والسكر والقلب والربو يكون مصروف الدواء للأسرة حوالي 70 ألف ليرة سورية شهريا، أي ما يعادل حوالي 50 بالمئة، من إجمالي دخل العائلة فهل تمت دراسة هذه الحسابات من قبل الجهات المسؤولة عن رفع أسعار الأدوية، لو لم تكن غايتهم التجارة بأمراض الناس وإيجاد سوق سوداء للأدوية من أجل مضاعفة أرباحهم.

توجد هناك صعوبات محلية لصناعة الأدوية لاسيما وأنها تتأثر بالتدهور المستمر في سعر صرف الليرة، فمصانع الأدوية تستورد المواد الأولية وملحقاتها اللازمة في عملية الإنتاج بالدولار الأمريكي، وفق سعر صرف السوق الموازي، في حين تفرض وزارة الصحة التسعيرة وفق سعر صرف الحوالات الرسمية، ما كان يؤدي خلال الفترة الماضية إلى خسائر ونقص في الزمر الدوائية.

تؤمن معامل الأدوية المحلية نحو 90 بالمئة من حاجة السوق المحلي، من خلال 70 معملا قيد الإنتاج والعمل حاليا، تتوزع في محافظة ريف دمشق وحلب وحمص وحماة وطرطوس واللاذقية، وتنتج كل المستحضرات الطبية باستثناء أدوية السرطان والهرمونات، إضافة إلى مستحضرات الحقن والكريمات والمعقمات والكبسولات والمحافظ والأقراص الملبسة والمحاليل والقطرات والمعلقات الجافة والأدوية السائلة، والتي تعالج الأمراض المزمنة كالسكري والضغط والقلب ومضادات الحساسية والالتهابات و الكورتيزون وأدوية التخدير وغيرها.

فيما كانت الصناعات الصيدلانية في سوريا قبل عام 2011 تغطي أكثر من 93 بالمئة من حاجة السوق المحلية، وتُصدر منتجاتها إلى 54 دولة عربية وأجنبية.

وبحسب أحدث إحصائية لوزارة الصحة السورية في عام 2017، فإن نسبة الأدوية المُصنعة محليا ارتفعت إلى 83 بالمئة مقارنة بالأدوية المستوردة.

وفي حزيران/يونيو الماضي، طالب رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية، رشيد الفيصل، بضرورة تدخل وزارة الصحة وإجراء تعديل أو “رفع بسيط جدا” يكون “محدودا إذا ما قورن بأسعار الدواء الأجنبي”، في أسعار العديد من الزمر الدوائية، “نظرا إلى ارتفاع أسعار المواد الأولية وسعر الصرف”، وأثره على المعامل التي تُصنع الأدوية، وطالب البعض من أصحاب المعامل بأن تزيد الأسعار بنسب تصل إلى 100 بالمئة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.