حقل العمر النفطي: هل ستنسحب واشنطن من عقدة الصراع الأهم في شرق سوريا؟

حقل العمر النفطي: هل ستنسحب واشنطن من عقدة الصراع الأهم في شرق سوريا؟

تعرّض حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، والذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، إلى هجوم بقذائف الصاروخية، مطلع شهر كانون الثاني/يناير الحالي، انطلقت من مدينة الميادين، التي تسيطر عليها إيران. وذلك بالتزامن مع الذكرى السنوية الثانية لاغتيال “قاسم سليماني”، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني. وتحدثت تقارير إعلامية عن دخول تعزيزات عسكرية، أرسلتها قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، إلى القاعدة الأميركية.

ويعتبر حقل العمر النفطي أكبر وأهم حقل للنفط في سوريا، من حيث المساحة والقدرة الإنتاجية. وهو مثار لصراع عدد من القوى العسكرية والسياسية، منذ عام 2013 وإلى اليوم. فقد وقع في العام 2013 تحت سيطرة “الجيش الحر”، التابع للمعارضة السورية. ثم تمكّن تنظيم داعش من الاستيلاء عليه في العام 2014. إلى أن سيطرت عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، بمساندة من قوات التحالف الدولي خلال العام 2017. ومن ثم أقامت الولايات المتحدة في المنطقة التي يقع فيها إحدى أكبر قواعدها العسكرية في سوريا.

وكان “حسين عرنوس”، رئيس مجلس الوزراء السوري، قد عبّر عن أمله بـ«استرجاع الحكومة السورية لحقل العمر النفطي». ووعد، خلال مؤتمر اتحاد العمال السوري، بأن «مشكلة الغاز في سوريا لن تكون موجودة العام المقبل». بحسب صحيفة “سوريا نيوز”.

تصريحات “عرنوس” بدت متسقة مع الحديث عن نية الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة. رغم هذا لا تُظهر الولايات المتحدة الأميركية أية نية للانسحاب من قاعدتها في شرق سوريا. لهذا يطرح الصراع حول حقل العمر النفطي كثيراً من الأسئلة: لماذا تبدو الولايات المتحدة متمسّكة بالحقل. وتستمر بالتعاون مع دول التحالف بإرسال التعزيزات إليه، رغم إعلان نيتها بالانسحاب من سوريا والعراق في وقت سابق؟ وهل يستند رئيس الوزراء السوري إلى تطمينات، تلقاها من حلفائه الروس أو الإيرانيين، حول إمكانية استعادة حكومة دمشق للحقل النفطي؟ وما دور الموارد النفطية المتنازع عليها في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة في سوريا؟ 

هل ستتخلى أميركا عن حقل العمر النفطي؟

حلفاء حكومة دمشق أطلقوا في الفترة الماضية تصريحات متضاربة حول التواجد الأميركي في سوريا. فقد قال “ألكساندر لافرينتيف”، المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، إن «الأميركيين يعتزمون البقاء في سوريا حتى الآن. ويقولون ذلك بشكل صريح». ثم استدرك بالقول: «الأميركيون سيخرجون من سوريا عاجلاَ أم آجلاً» بحسب ما نقل عنه موقع” روسيا اليوم”.

وكان قد صرّح، قبل ذلك بأيام، أن «الولايات المتحدة الأميركية لا تبدي أية نية بالانسحاب من قاعدتها في شرق سوريا على المدى المنظور».

وتعليقاً على عدم وضوح النوايا الأميركية والروسية يقول المحلل السياسي “رامي الخليفة العلي” لموقع «الحل نت»: «أعتقد أن الولايات المتحدة لديها عدة أسباب للاحتفاظ بقاعدتها في حقل العمر النفطي. أولها ضرورات استمرار وجودها في شرق سوريا، الذي يضمن لها قطع خطوط إمداد النفوذ الإيراني بين العراق وسوريا ولبنان. وإذا لا حظنا أماكن تموضع القوات العسكرية الأميركية في سوريا سنجد أنها موجودة على الحدود السورية العراقية. سواء في قاعدة التنف جنوب شرقي البادية السورية. أو في حقل العمر النفطي شرقي البلاد. أو في منطقة القامشلي في أقصى شمال سوريا، حيث توجد بعض القواعد الصغيرة التابعة للولايات المتحدة الأميركية. وبالتالي فإن أميركا غير مستعدة للتفريط بتواجدها الاستراتيجي في تلك المناطق».

ويتابع “العلي” بالقول: «السبب الثاني هو أن سيطرة الولايات المتحدة، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، على مناطق إنتاج النفط. وعلى رأسها حقل العمر النفطي، يعطي الإمكانية لاستمرار الحكم الذاتي في شمال وشرق سوريا، الذي أقرّته وساندته الولايات المتحدة. وهذا سيجعل لها دوراً كبيراً في رسم مستقبل سوريا، في إطار أي مفاوضات قادمة. باعتبار أن قوات سوريا الديمقراطية أحد أهم حلفاء الجانب الأميركي في الحرب السورية. ما يجعل منهما أداة في أية مفاوضات حول مستقبل البلاد. وبالتالي أعتقد أن الولايات المتحدة لن تنسحب إلا في إطار تفاوض شامل. وبعد الاتفاق على مستقبل النظام السياسي في سوريا برمته».

على ماذا تعوّل حكومة دمشق؟

وحول تصريحات رئيس الوزراء السوري حول استعادة حقل العمر النفطي اعتبر “العلي” أن «حكومة دمشق تتحدث دائماً عن استعادة كافة الأراضي السورية. سواء في شرق أو شمال شرق أو شمال غرب البلاد. بما في ذلك محافظة إدلب. ومناطق سيطرة تركيا».

افتراض وجود تطمينات روسية، دفعت رئيس الوزراء السوري لإطلاق تصريحاته، يبدو أمراً وارداً بالنسبة لـ”العلي”، الذي يحلل الموقف في شمال وشرق سوريا بالقول: «هنالك مسألة أساسية تحاول روسيا وحكومة دمشق استغلالها. وهي الصراع بين القوى الكردية من جهة وتركيا من جهة أخرى. فكلما ازداد احتمال قيام الأتراك بعملية عسكرية جديدة شمال شرق سوريا تسارع قوات سوريا الديمقراطية لعقد تفاهمات مع حكومة دمشق. وروسيا تستغل هذه المسألة من أجل دفع الكرد لتقديم تنازلات للحكومة السورية. باعتبار أن الولايات المتحدة هي من سمح لتركيا بالقيام بعمليتها العسكرية الأولى. عندما دخلت القوات التركية إلى منطقة رأس العين. وأقامت منطقة أمنية في أقصى شمال الجزيرة السورية».

ويخلص المحلل السياسي السوري إلى القول: «تتوقع حكومة دمشق أنه بإمكانها استعادة مناطق واسعة من الكُرد مقابل حمايتهم، بمساعدة الجانب الروسي، من أي هجوم تركي. وطبعاً يقوم هذا على الشك في صلابة الموقف الأميركي بمساندة الكُرد. وربما لهذا تظن حكومة دمشق أن بإمكانها استعادة حقل العمر النفطي. ولكن باعتقادي أن الأمر لا يتعلّق أساساً بموقف قوات سوريا الديمقراطية. بقدر ما يتعلّق بالاستراتيجية الأميركية بعدم الانسحاب من المنطقة. قبل الاتفاق على المستقبل السياسي لسوريا».  

ما موقف “قسد” من الصراع الدائر؟

وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد صرّحت رسمياً أنها «تنأى بنفسها عن الاستهدافات الإيرانية والرد الأميركي». مؤكدةً أن هدفها الأساسي «تحييد مناطق شمال وشرق سوريا عن الصراع الدائر بين إيران وأميركا».

“سيامند علي”، المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، أكد، في تعليقه على الهجمات التي تعرّض لها حقل العمر النفطي، أن «أي هجمات، من أية جهة كانت، على قوات سوريا الديمقراطية أو قوات التحالف الدولي، تعيق جهود مكافحة الإرهاب».

وتعليقاً على موقف قوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية من الصراع الإيراني-الأميركي في سوريا يقول الصحفي الكردي السوري “باز البجاري” لموقع «الحل نت» إن «الإدارة الذاتية تنأى بنفسها فعلياً عن الانخراط في هذا الصراع. لكنها بكل تأكيد لن تكون يوماً خارج الحرب ضد داعش. تأسيس قوات سوريا الديمقراطية، والتعاون بينها وقوات التحالف الدولي، أساسه محاربة تنظيم داعش الإرهابي. وقد تكون هناك معوقات في بعض الأوقات. مثل الفترة التي قام بها الاحتلال التركي بالهجوم على عفرين، وأيضاً حين احتلت تركيا ومرتزقتها من الفصائل السورية سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض. فقد انشغلت “قسد” آنذاك بصد العدوان التركي، ما عرقل جهود محاربة داعش. ولذلك فستحاول “قسد” اليوم عدم التورّط في صراع أميركي-إيراني. قد يعرقل مكافحة الإرهاب». حسب تعبيره.

الصراع على النفط وملف إعادة الإعمار

ولكن هل يتعلّق الصراع على حقل العمر النفطي فقط بالقضايا الاستراتيجية والسياسية؟ ماذا عن الأهمية الاقتصادية للموارد النفطية السورية في مرحلة إعادة الإعمار في البلاد؟

“بجاري” يرى أن «ملف النفط ركن من أركان الصراع على شرقي الفرات. فالإدارة الذاتية تعتبره ورقة رابحة بيدها. تستطيع وضعها على الطاولة، في حال التفاوض مع الحكومة السورية أو المعارضة. إلى جانب كون النفط مصدر تمويل مهم لمؤسسات الإدارة. من جانبها تسعى حكومة دمشق، بإيعاز روسي، للعودة والسيطرة على ملف النفط. لأسباب عدة. أولها الظهور بمظهر المنتصر. واستكمال سيادتها على الأرض السورية. وثانيها أنها تعيش حالة انهيار اقتصادي، وهي بحاجة لكل مصدر يمكن ان يدرّ عليها المال. وحقل العمر النفطي، في حال وقع بيد حكومة دمشق، سيخفف عنها العبء الاقتصادي».

السيطرة على حقل العمر ضرورية لكل الأطراف

وحول مسارات الصراع المتوقعة حول حقل العمر النفطي يقول “بجاري” : «الحديث عن ملف النفط لا يقتصر على ما يتم إنتاجه اليوم. فأغلب آبار النفط لا تعمل حالياً. وإن عملت تكون في الحدود الدنيا لإنتاجها. وبالحديث عن موضوع إعادة الإعمار، والدور الذي يمكن للنفط السوري أن يلعبه في هذا الملف.  فإن إعادة الإنتاج النفطي إلى المستوى الذي كان عليه، في دير الزور والحسكة، سيعطي للموارد النفطية دوراً مركزياً في إنعاش الاقتصاد السوري. وهذ طبعاً يتوقف على إمكانية تأمين المنطقة. وتطهيرها من خلايا داعش النائمة. وأيضاً على إمكانية توافق مختلف الفرقاء على الاستفادة من النفط لإعادة إعمار البلاد».

ويختتم “بجاري” حديثه بالقول: «بهذا المعنى يصبح النفط سبباً رئيساً من أسباب الصراع في سوريا. فمن يملك النفط يحجز لنفسه مقعداً في مقطورة المسيطرين على ملف إعادة الإعمار. وبالتالي سيكون شريكاً في المسار السياسي. وهذا ما تحتاجه الإدارة الذاتية كثيراً. وبالتأكيد حكومة دمشق. فضلاً عن المعارضة السورية، التي خرجت من معادلة النفط في سوريا بعد هزيمتها أمام داعش، وانسحابها من دير الزور. وهي تسعى اليوم جاهدة للعودة إلى المعادلة. ولكل هذه الأسباب فإن السيطرة على حقل العمر النفطي ضرورية لكل الأطراف».

مقالات قد تهمك: سوريا في ميزان الانسحاب الأميركيّ من أفغانستان

وكانت الأمم المتحدة قد تحدثت عن تكلفة إعادة إعمار سوريا، التي قد تصل إلى أربعمئة مليار دولار. مع إعلان دول غربية وعربية أنها لن تشارك في إعادة الإعمار إلا بعد تحقيق انتقال سياسي للحكم. وإعادة بناء مؤسسات البلد على أسس قانونية وسياسية تحترم حقوق الإنسان حسب المعايير الدولية. وتطمح كل من روسيا وإيران للاستفادة المالية والسياسية من هذه العملية، والتمويل الأميركي والأوربي والعربي المتوقع لها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.