تتأرجح خيارات الإدارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية منذ نحو عامين بين مساري حوار أحدهما كردي-كردي و يجري برعاية أميركية، وآخر مع الحكومة السورية تحت رعاية روسية.

ورغم تناوب المحاولات على كلا المسارين، إلا أن نتائجمها المخيبة حتى الآن وخاصة للسكان في شمال وشرقي سوريا، تفتح باب التساؤل عن الفروقات بينهما وعن جدية راعيهما،وهل من أسباب تجعل أحدهما أكثر موثوقية من الآخر؟، وبالتالي لما تبق الإدارة الذاتية و”مسد” عليهما بدل حسم الأمر والاعتماد على أكثرهما جدية وموثوقية؟!.

للقراءة والاستماع: لقاء أميركي روسي حول شرق الفرات.. أسباب معروفة ونتائج حاسمة

المسار الروسي

بحسب عضو هيئة الرئاسة في مسد سيهانوك ديبو “تخضع سوريا اليوم لآلية معقدة وإيقاع استثنائي لمناطق نفوذ إقليمية ودولية، والتنسيق الأمريكي الروسي في سوريا يجعل من توافقهما المبدئي مصدر إنضاج الحل السوري وإعطاء الزخم السياسي للعملية السورية”.

ويرى ديبو أن “أدوار موسكو وواشنطن في سوريا تتسم بالمكاملة والتتام”، لذا فالمسألة بالنسبة له ليس تأرجحاً على مسارين بل هو “الاقتناع إلى أن تعقيدات الأزمة السورية وتشبيكها مع أعقد ملفات المنطقة والعالم أكسبها خصائص متفردة لا شبيه لها”.

ويقول ديبو الذي شارك في لقاءات مع مسؤولين حكوميين في دمشق سابقاً إن”الحوار مع السلطة في دمشق يكتسب جدية إضافية إنْ كان برعاية روسيا، كما أنه سينتقل إلى حيز التأثير إن تم بغطاء أميركي”.

مضيفاً بأنهم ينظرون “بجدية ومسؤولية إلى دعوات الخارجية الروسية لوفود مسد والإدارة الذاتية والمباحثات البنّاءة المهمة ونعول عليها”.

ويعود مسار الحوار بين دمشق ومسد إلى أب/ أغسطس من العام 2018، حيث توصل وفدا الطرفين في دمشق إلى “مناقشة العديد من الملفات منها الدستورية والخدمية” وفق تقارير صدرت حينها.

وكان اتفاق روسي مع قوات سوريا الديمقراطية قد مكن من انتشار قوات الحكومة السورية على طول الحدود ومع نقاط التماس مع القوات التركية وفصائل الجيش الوطني الموالية لها، عقب اجتياحها لمنطقتي رأس العين-(سري كانيه) وتل أبيض-(كري سبي) في العام 2019.

من جانبه يتفق عضو هيئة الرئاسة في المجلس الوطني الكردي سليمان أوسو أيضا على أهمية الدور الروسي في حل الأزمة السورية، ذلك أنها “دولة عظمى ولها اليد الطولى في الحل السوري ومن اللاعبين الرئيسيين الذين لن يكون هناك حل بدون مراعاة مصالحهم”.

ويقول أوسو في تصريح لـ الحل نت إن “الإدارة الذاتية لن تستطيع الاتفاق مع النظام وروسيا بدون موافقة أمريكا” مرجعاً ذلك إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية تابعة لأمريكا من جميع النواحي”.

كما يتهم سكرتير حزب يكيتي الكردستاني-سوريا حزب العمال الكردستاني بأنه “يدفع باتجاه الاتفاق مع النظام”، بحسب تعبيره.

لكن عضو هيئة رئاسة مسد سيهانوك ديبو يقول بإنهم يمتلكون إرادة القرار الكافية لكي يكونوا “جزأ فاعلاً من الحوار بين السلطة في دمشق والإدارة الذاتية/ مسد”،ويرون بأن “موسكو بمقدورها القيام بهذا الدور ونأمل أن تقنع دمشق وتقتنع بذلك”.

ويشدد ديبو على أن زياراتهم إلى موسكو وقناعتهم بآلية الحوار “لن يكون على أساس إعادة إنتاج النظام المركزي الاستبدادي أو تسليمه أيّاً من مناطق الإدارة الذاتية،كما يُثار في كل مرة”.

للقراءة والاستماع: روسيا تستفز أهالي شرق الفرات بمحاولاتها العبور من أراضيهم شمالي دير الزور

المسار الأميركي

يقول “أوسو” إن “واشنطن تضغط على الإدارة الذاتية للاتفاق مع المجلس الوطني وإخراج كوادر العمال الكردستانيPKK من المنطقة لإقناع تركيا بأنه ليس هناك أية تهديدات تجاهها، والاتفاق مع المعارضة، ليجلس مسد إلى جانب المجلس الوطني الكردي ضمن المعارضة السورية وفي مختلف المحافل الدولية الخاصة بحل الأزمة السورية”.

ويعتقد القيادي في المجلس الوطني الكردي أن المسار الأميركي “أكثر واقعية وقابلية للتطبيق، لكن المشكلة الأساسية” بحسب رأيه “هو عدم اقتناع حزب الاتحاد الديمقراطي (pyd) بالشراكة الحقيقية مع المجلس”.

وعليه فهو يجد أن على الجانب الأميركي “ممارسة ضغط حقيقي علىpyd لقبول الشراكة مع المجلس والتخلص من كوادر pkk لنزع الذرائع من يد تركيا لإيقاف تدخلها في المناطق الكردية في سوريا”.

وكان رئيس المجلس الوطني الكردي سعود ملا قد شكك لأول مرة خلال تصريحاته الأخيرة في جدية واشنطن “للضغط على حزب الاتحاد الديمقراطي لاستمرار الحوار الكردي-الكردي”.

وترعى الولايات المتحدة الأميركية الحوار الكردي-الكردي، بين أحزاب المجلس الوطني الكردي ENKS وأحزاب الوحدة الوطنيةPYNK، إلا أن الحوار توقف منذ أكتوبر/ تشرين الاول 2020 قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد التوصل خلال ستة أشهر إلى رؤية سياسية ومرجعية سياسية للكرد في سوريا.

وشهدت الأشهر الفائتة توترا بين الطرفين الكرديين المتحاورين، قبل أن تستبدل واشنطن الدبلوماسي ديفيد براونستين المكلف بالإشراف على الحوار الكردي الكردي، بالدبلوماسي مات بيرل كنائب لمبعوث الأميركي إلى سوريا.

ومن المنتظر أن “ينتقل بيرل قريبا إلى شمال وشرق سوريا للعمل أيضا على ملف الحوار الكردي الكردي”، وفق ما أفاد الرئيس المشترك لممثلية مجلس سوريا الديمقراطية في واشنطن، بسام سعيد اسحق لـ الحل نت، بعد زيارة أجراها الأول لممثلية مسد في واشنطن الأسبوع الفائت.

“لا للعبة المحاور”

يقول “ديبو” إن “خصوصية الأزمة السورية وتعقيدها هي التي تجعل من واشنطن مؤثرة إلى درجة كبيرة في القيام بالدور الإيجابي من إنجاح الحوار الكردي الكردي وبالتالي فإن التعويل على واشنطن بهذا الخصوص لن يكون خطأً أبداً”.

لكنه يضيف “أن من الأهمية بمكان التوضيح بأننا لسنا ولم نكن في محور ضد محور آخر، ولا نتحمل بالأساس لعبة المحاور”.

مردفاً “بتنا متأكدين بأن الشراكة مع التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد الإرهاب خلّفَتْ نتائج مبهرة أبرزها بأن قسد رمز محلي وإقليمي ودولي ضد الإرهاب؛ ومن المهم أن تتطور هذه الشراكة في جانبها السياسي”.

ويعتبر “ديبو” الذي كان في عداد وفد “مسد” الذي زار موسكو مؤخراً “أن وجود روسيا يشكل عامل توازن مهم في سوريا ورادع مع الوجود الأميركي لإفشال أي عملية عسكرية تركية محتملة ضد مناطق الإدارة الذاتية”.

ويقول عضو هيئة رئاسة مسد إنهم يلتمسون “جدية متقدمة هذه اللحظة من واشنطن وموسكو حين الحديث عن دعم الحوار السوري أو حين الحديث عن انضمام آمن ووازن للإدارة الذاتية ومسد إلى العملية السياسية السورية”.

وكان وفد مشترك من مسد والإدارة الذاتية قد زار أواخر الشهر الفائت موسكو في ثاني زيارة له خلال ثلاثة أشهر، اعقبتها تصريحات من أعضاءه تحدثت عن استعداد روسي لإطلاق حوار بينهم وبين دمشق.

لكن القيادي في “مسد” علي رحمون، قال في تصريح سابق للحل نت “عدم وجود توافق أميركي وروسي في ما يتعلق بالملف السوري، مع وجود تخبط في إدارة الملف السوري على المستوى الدولي”، الذي وصفه بأنه “بات ملفاً منسيا وغير موجود على طاولة المجتمع الدولي”.

للقراءة والاستماع: تحركات روسية لزيادة السيطرة على شرق الفرات

من أكثر موثوقية؟

وحول الفارق بين المسارين من حيث الجدية، يعتبر المحلل السياسي جوان يوسف، أن «روسيا حتى الآن هي غير حيادية في الصراع الدائر، بل تعمل من أجل مصالحها الاستراتيجية في سوريا التي تعود لنحو 50 عام».

ويقول “يوسف”، المقيم حالياً في سويسرا، إن «موسكو ومنذ اليوم الأول من تدخلها في سوريا عام 2015 تعتمد على ممارسة الضغط للوصول إلى تنازلات لصالح دمشق”.

ويضيف “يوسف” أن “خيارات الإدارة الذاتية ضعيفة ذلك أنها محاطة بالأعداء من الداخل والخارج”، مشيراً إلى أن “روسيا والنظام السوري لن يقدما لها شيئاً إذا لم يكن هناك دعم أميركي حقيقي لها”.

ويعتقد يوسف أن “التحالف بين الإدارة الذاتية والولايات المتحدة ضد داعش هو تحالف مبدئي، وسيكون له ديمومة على المدى المنظور ولذا فإنها بحاجة إلى مزيد من التحالف والتعشيق مع المكونات الداخلية ومع واشنطن لتكون قادرة على مواجهة مختلف الأطراف المعادية لها في محيطها”.

ويشير المحلل السياسي إلى أنه “وحتى إن لم تحقق الإدارة الذاتية من المسار الروسي إلا أن ذلك لا يمنع من تواصلها مع الروس ومع النظام في سبيل تخفيف حدة العداء مع النظام ومع الروس على حد سواء”.

ولكن فيما يتعلق بالموثوقية فإنه يوسف يجد أن “المسار الأميركي هو أكثر موثوقية ويجب التقاطع والتعشيق مع المشروع الأميركي حتى النهاية”.

ومنذ الانسحاب الأميركي من افغانستان خرج العديد من المسؤولين الأميركيين السياسيين والعسكريين بما فيهم منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك للتأكيد على بقاء قواتهم في شمال وشرقي سوريا إلا أن ذلك لا يعني أن الولايات المتحدة قد فقدت الكثير من المصداقية في المنطقة على مستوى الشارع والنخب على حد سواء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.