في أول محاكمة من نوعها على مستوى العالم، أدانت محكمة ألمانية ضابط سوري رفيع المستوى بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حيث تمت إدانته بالإشراف على تعذيب أربعة آلاف شخص، مما أدى إلى مقتل سبعة وعشرون منهم.

لقد كانت عملية تحقيق شاقة استمرت لعامين وانتهت بانتصار تاريخي ونادر للناجين من التعذيب، وإصدار حكم بالسجن مدى الحياة بحق الضابط السوري المدان. وقد وصفها الممثل الخاص للمملكة المتحدة في الملف السوري بأنها “تاريخية وخطوة نحو العدالة للشعب السوري”. وغرد السفير البريطاني في ألمانيا بأن المملكة المتحدة تدعو إلى “الملاحقة القضائية لجرائم الحرب بموجب القانون الجنائي”.

ملاحقة منتهكي جرائم الحرب السوريين في بريطانيا؟

بحسب تقرير نشرته صحيفة “اندبندنت” البريطانية، وترجمه موقع “الحل نت”، فإن الحقيقة المحبطة تكمن في أنه بعد مرور عقد على اندلاع الحرب المروعة في سوريا، هنالك أمل ضئيل في أن يحصل السوريون على العدالة داخل بلادهم، حيث تقول منظمات حقوقية أن عشرات الآلاف من الأشخاص قد تعرضوا للاعتقال التعسفي والاحتجاز غير القانوني والإخفاء القسري والتعذيب، ناهيك عن نصف مليون قتيل. وقد نفت السلطات السورية ذلك مرارا وتكرارا، وبالتالي لا مصلحة لها في إجراء تحقيقات في تصرفات أجهزتها الأمنية.
ويعني ما سبق أن المسؤولية تقع على عاتق الديمقراطيات في الخارج، كما فعلت مدينة كوبلنز الألمانية. وهو ما يمكن للمملكة المتحدة أن تفعل على مستوى دولة إذا ما قررت اتخاذ إجراء حقيقي.

يشير التقرير إلى وجود أربعة سبل منفصلة يمكن للسلطات البريطانية إتباعها. السبيل الأول يتمثل في السير على خطى ألمانيا من خلال استخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية، والذي يسمح للدول بملاحقة مرتكبي الجرائم بغض النظر عن مكان حدوثها.

أما السبيل الثاني، فهو اتخاذ إجراءات أمام “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”، بينما يتعلق السبيل الثالث بـ”محكمة العدل الدولية”، على غرار ما فعلته كل من هولندا وكندا. أما السبيل الرابع والأخير، فهو البدء بالتحقيقات في “المحكمة الجنائية الدولية” التي وبالرغم من تعقيدها، لا تزال ممكنة.

لم تتبع حكومة المملكة المتحدة حتى الآن أيا من هذه الخيارات، وبالتالي فإن السؤال بات مشروعا لمعرفة السبب.

خصصت الحكومة البريطانية موارد كبيرة للمساعدة على تدريب المحامين السوريين من أجل توثيق الجرائم المرتكبة في سوريا، ولكن ولسبب ما لم تقدم فعليا أي تحقيق للعدالة أمام محكمة إنكليزية، كما يوضح توبي كادمان، وهو محام ومؤسس مشارك لمجموعة Guernica” 37 ” التي تتخذ من لندن مقرا لها، والتي تحقق وتدعم طرقا متعددة لرفع دعاوى ضد الجرائم المرتكبة في سوريا.

واستنادا لمبدأ الولاية القضائية العالمية، قدمت بالفعل المجموعة البريطانية شكاوى بشأن الجرائم المرتكبة في سوريا إلى شرطة العاصمة البريطانية ولا تزال هذه الشكاوى قيد الدراسة. ومن بين هذه الشكاوى، تحقيق في اعتقال وتعذيب وقتل الطبيب الجراح البريطاني عباس خان داخل سجن سوري، والذي قضت هيئة محلفين بريطانية في العام 2014 بأنه قتل بشكل غير قانوني.

في ذلك الوقت، تمت إحالة هذه القضية إلى شرطة العاصمة البريطانية، إلا أنه لم يتم دراسة القضية بسبب نقص الأدلة الكافية، ويرجح ذلك إلى حد كبير إلى نقص الموارد، بحسب كادمان، الذي يرى أنه ينبغي لسلطة التحقيق وسلطات الادعاء أن تأخذ زمام المبادرة، حيث يقول: “تحتاج المملكة المتحدة إلى إلقاء نظرة فاحصة على ما تفعله، وإعطاء سلطات إنفاذ القانون وسلطات الادعاء لدينا الموارد اللازمة للعمل”.

إجراءات إضافية

وبغض النظر عن المحاكم البريطانية، هناك هيئات دولية يجب الرجوع إليها. فهناك “المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان”. ورغم أن هذه المحكمة ليس لها ولاية قضائية على سوريا، إلا أن هناك جهودا جارية لرفع دعوى أمام هذه المحكمة ضد روسيا بشأن قصفها لمستشفيات في سوريا، وهو اتهام تنفيه موسكو بشدة. وإذا ما نجح ذلك، فقد يؤدي إلى إجبار موسكو على دفع تعويضات لضحايا تلك الهجمات وعائلاتهم التي لا تزال على قيد الحياة. ويؤكد محامو حقوق الإنسان أن المملكة المتحدة يمكنها نظريا تحريك الدعوى بنفسها أمام المحكمة المذكورة، وهو ما لم تفعله بعد.

وهناك خيار آخر يتمثل بالسير على خطى هولندا وكندا. فقد أعلنت هولندا في أيلول 2020 أنها أبلغت سوريا بنيتها تحميلها مسؤولية التعذيب بموجب اتفاقية “الأمم المتحدة” لمناهضة التعذيب. وانضمت كندا إلى هذه الجهود في آذار/مارس 2021. وكلا الإجراءان يمكن أن يؤديا إلى إجراءات ضد سوريا أمام محكمة العدل الدولية.

أما “المحكمة الجنائية الدولية”، فهي أكثر تعقيدا، حيث لا تتمتع هذه المحكمة بالولاية القضائية على سوريا. ولكن تم تقديم طلبات منفصلة من قبل “Guernica 37 ” وشركة “Stoke White” ومقرها لندن ومحاميهم رودني ديكسون كيو سي، الذي يمثل مجموعة من اللاجئين السوريين، لفتح تحقيقات في جرائم ضد الإنسانية تتمثل في نزوح سوريين قسريا إلى الأردن. ولا يزال بإمكان المحكمة المذكورة التصرف على أساس أن هذه الجرائم بدأت في سوريا وانتهت على أراضي الأردن، الدولة العضو في المحكمة، حيث يعيش السوريون الآن في مخيمات اللاجئين.

ولم يتخذ المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قرارا بشأن هذه الطلبات، لكن يمكن للمملكة المتحدة، بصفتها دولة طرفا بارزا، تقديم التماس مباشرة إلى المحكمة لممارسة اختصاصها القضائي في هذه المسألة، وتسريع العملية. كما تمتلك المملكة المتحدة سلطة الطعن في حال رفض المدعي العام لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، من خلال إحالة الأمر برمته إلى قضاة المحكمة الدولية، وهو أمر لا يستطيع ضحايا هذه الجرائم من السوريين القيام به.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة