لم شمل السوريين في أوروبا: معارك يومية مع البيروقراطية وطرق التهريب المسدودة

لم شمل السوريين في أوروبا: معارك يومية مع البيروقراطية وطرق التهريب المسدودة

تعتبر مسألة لم شمل السوريين في المغتربات إحدى أهم المشاكل التي تواجه المجتمع السوري. فقد أبعدت الحرب أفراد عوائل كثيرة عن بعضهم. لتحول البيروقراطية في دول اللجوء المختلفة، وخاصة في أوروبا، دون التقائهم ولم شملهم مجدداً .

كثير من السوريين يعيش اليوم حياته بانتظار الالتحاق بأهله أو أحبابه. مضطراً لإجراء معاملات معقدة، تتطلب وقتاً طويلاً. وقد لا تؤدي للنتيجة المرجوة. الأمر الذي دفع البعض للجوء لوسائل أخرى، مثل الهجرة غير الشرعية، للوصول إلى هدفه.

في انتظار لم شمل السوريين

لم يتوقف “سامي كحالة” عن التردد الى دائرة الهجرة السويدية. منذ حصوله على الإقامة في السويد بعد رحلة لجوء طويلة. ويعمل جاهداً للم شمله بزوجته وابنه ذي الثلاث سنوات.

يقول “كحالة” لـ«الحل نت»: «اضطررت للهجرة إلى السويد، فالحرب أخذت مني بيتي وعملي. أنا من ريف حلب. تعبت كثيرا من أهوال الطريق إلى أن وصلت إلى هنا. لكن المتعب أكثر هو هذا الوقت، الذي أقضيه منتظراً ملاقاة زوجتي وابني. وقد قدّمت أوراقي لدائرة الهجرة منذ عام تقريباً. ومازلت انتظر. ولا رد إلا الحجة ذاتها، وهي الأعداد الكبيرة لدعاوى لم شمل السوريين أمام محاكم الهجرة السويدية».

في المقابل يبدو أن الحظ حالف “منيرة عساف”، وهي سيدة سورية وأم لثلاثة أطفال، وصل زوجها الى هولندا في عام 2015. وهي الآن تلملم حاجياتها لتنطلق إلى بيروت ومنها إلى تركيا. بعد تحديد موعد مقابلة لم الشمل في السفارة الهولندية بتركيا. على أمل الالتحاق بزوجها، بعد دعوته لها عبر المحاكم الهولندية.

تصف “عساف” لـ«الحل نت» فرحتها بعد مشقة الانتظار: «أكاد لا أصدق أنني أخيراً سأتمكن من اللحاق بزوجي بعد مرور سبع سنوات. وكدت أفقد الامل بوصول إشعار لم الشمل من السفارة. خصوصاً أني سمعت عن مدى تعقيد مسألة لم شمل السوريين في أوروبا. وعن أسر كثيرة لم تفلح بذلك».

وفي تركيا تنتظر “ردينة” خطيبها العالق في سوريا. لعلَّ معجزة ما تحمله إليها، أو تحملها إليه في بلد ما، فيتزوجان. وتقتل الوقت انتظاراً. بعد أن عجز خطيبها عن القدوم إليها بطريقة نظامية. فلم يبق أمامه إلا عبور الحدود بشكل غير شرعي للوصول إلى تركيا.

تقول “ردينة” لـ«الحل نت»: «أعلم أن قضايا لم شمل السوريين تقتصر فقط على المتزوجين. وبالتالي لا يمكنني أن أتقدم بطلب لم شمل لخطيبي. ولذلك أندم كثيراً لأننا لم نتزوج قبل توجهي إلى أنقرة. ولكن مع ما أسمعه وأشاهده عن صعوبات لم الشمل حتى للمتزوجين، أشعر ببعض المواساة. ويبدو أن علينا أن نجد طريقة أخرى كي نكون معاً».  

دروب لم الشمل مسدودة، والبدائل تحمل الأخطار

مع تعثّر اجراءات لم شمل السوريين يلجأ البعض إلى العمل على إيجاد طرق بديلة للم الشمل العائلي. عبر تهريب الزوجة أو الأطفال. إلا أن هذا الأسلوب أثبت عدم جدواه. نظراً للمخاطر التي تتكبدها العائلة. خصوصا مع قيام السلطات في دول الاتحاد الأوروبي بسد الثغرات على حدودها، لاسيما الطريق البيلاروسي. وباتت منافذ كثيرة، اعتمدت عليها شبكات التهريب فيما مضى، لا تفي بالغرض.

إلا أن اللاجئ السوري “أحمد جاسم”  لم يأبه بكل ذلك. وجرّب الوصول لزوجته في ألمانيا بعيداً عن روتين لم الشمل. ويقول لـ«الحل نت»: «لقد نفد صبري لألحق بزوجتي، التي هاجرت مع أبويها. ووصلت ألمانيا عام 2017. وكان لا بد من إيجاد حل ما. بعد عدم استجابة المسؤولين عن الهجرة في ألمانيا لدعاوي زوجتي للم شملنا. فعزمت على اللحاق بها عبر طرق التهريب المتّبعة. والمخاطرة بركوب البحر. لكن خذلتني شبكة التهريب، وتعرّضت للاحتيال. وعدت أدراجي إلى سوريا».

في مكان آخر، وبالتحديد على جزيرة “كوس” اليونانية، تنتظر “سناء”، ابنة العشرين عاماً، ووالدتها “أميمة”، اللحاق بأبيها وإخوتها، الذين فروا الى ألمانيا بقوارب الموت. عبر ذات الطريق التي بدأت بسلوكه مع أمها.

وتصف “سناء” حالها لـ«الحل نت» بالقول: «كنت أعلم أن قرار الهجرة بهذه الطريقة محفوف بالمخاطر. لكن لم يعد أمامنا حل آخر. فالقوانين الألمانية حول لم شمل السوريين لا تسمح باستقدام الأبناء فوق سن الثامنة عشر لذلك ارتأينا المخاطرة وركوب البحر. ووصلنا الى اليونان، بانتظار أن نتمكن من متابعة الرحلة عن طريق البلقان».

من جهته يبدو “منهل جاموس”، وهو لاجئ سوريا يعاني بدوره من مشاكل لم شمل السوريين،  غير موافق على قرار “سناء” هذا. قائلاً لـ«الحل نت»: «بات صعباً اليوم التفكير بالهجرة غير الشرعية، كما كان الحال قبل ست سنوات.  لقد سافر أبي إلى أوروبا مع أختي وزوجها منذ أربعة أعوام. وهم الآن يقيمون في بلجيكا. وللأسف لا تسمح القوانين بلم شملي معهم. رغم هذا لن ألجأ لطريق غير شرعي للهجرة، مع أنني بدأت أشعر أني لن أتمكن من رؤيتهم مجدداً».

القوانين الأوروبية ومعوقات لم شمل السوريين

“عدنان حناوي”، الناشط الحقوقي السوري المقيم بألمانيا، والمهتم بقضايا اللجوء واللاجئين، وضّح لـ«الحل نت» مصاعب لم شمل السوريين بالقول: «لم الشمل محنة إنسانية راح ضحيتها لاجئون من مختلف بقاع العالم. ومن بينهم السوريون. بالنسبة لألمانيا، ولأن طلبات لم الشمل كثيرة، فقد قامت المنظمة الدولية للهجرة، بالتعاون مع وزارة الخارجية الألمانية، بافتتاح مكاتب في إسطنبول وغازي عنتاب وبيروت، لتقديم الدعم لأقارب اللاجئين السوريين، الذين يعيشون في ألمانيا، عند تقديم طلب للم شمل العائلة».

متابعاً: «يمنح قانون الإقامة الألماني الحق القانوني بلم الشمل العائلي  مع الأزواج فقط. والأطفال القصّر العازبين. ولا يشمل لم الشمل للأبناء أو البنات البالغين للسن القانوني، أو المتزوجين، أو الأشقاء مع أهلهم. إضافة إلى ذلك يكون لم الشمل العائلي ممكناً فقط عندما يقدم الراغب بلم الشمل إثباتات عن قدرته على تأمين نفقات المعيشة، والمسكن الكافي للعائلة. دون استخدام الأموال العامة. وتتم دراسة كل حالة على حدة، بعد إجراء مقابلة شخصية في قسم التأشيرات. وذلك بالاشتراك مع دائرة الأجانب المسؤولة».

أرقام توضح حجم المشكلة

تعتبر أوروبا من أبرز الوجهات التي لجأ إليها السوريون في هجرتهم وهروبهم من جحيم الحرب في بلدهم. وتعطي بعض الاحصائيات في الدول الاوربية صورة عن تشتت الأسر السورية. وحجم مشكلة لم شمل السوريين.

فقد أحصت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عدد اللاجئين السوريين، في آخر إحصاء أجرته في حزيران/يونيو من العام 2021، بنحو 6.7 مليون شخص. يوجد معظمهم في الدول المجاورة لسوريا (تركيا 3.7 مليون، لبنان 916000، الأردن 655000). بينما وصل عدد اللاجئين السوريين في أوروبا إلى مليون لاجئ (ألمانيا 800 ألف، السويد 190 ألفاً).

وتوجد لدى مصلحة الهجرة السويدية 28738 قضية لم شمل مفتوحة. مقارنةً بـ 99500 قضية طلب جنسية مفتوحة. مع العلم أن مصلحة الهجرة السويدية تقوم في كل شهر بالبت في نحو عشرة آلاف قضية جنسية.

 ووفقاً لتقرير صادر في شباط/فبراير 2019، عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أصدرت فرنسا 23200 موافقة للمّ شمل عائلات اللاجئين وطالبي الحماية على أرضها عام 2017. في حين لم يتجاوز العدد 2400 موافقة في عام 2016.

مقالات قد تهمك: اللاجئون السوريون والعودةُ المستحيلة.. كيف تستغلهم دول المَهْجَر؟

وكشفت مجموعة “فونكه” الإعلامية الألمانية عن وجود أكثر من عشرة آلاف طلب لم شمل للسوريين. موزّعة بين الممثليات القنصلية الألمانية في لبنان وشمال العراق وتركيا. وفي عام 2017 أصدرت ألمانيا أكثر من أربعة وخمسين ألف تأشيرة لأفراد عائلات حاصلة على الحماية في أراضيها. في حين كان عدد هذه التأشيرات اثنين وثلاثين ألفاً عام 2018، وفقاً لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.