خلال ستة أيام مضت استطاعت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بالتعاون مع “التحالف الدولي”، أمس الأربعاء، من القضاء على هجوم الخلايا النائمة لتنظيم “داعش” على سجن “غويران” في الحسكة شمال شرقي سوريا، والذي كان هدفه إطلاق سراح مقاتلين جهاديين سابقين. يعد هذا بنظر المحللين هو أكبر عمل مسلح يُسجل لـ”داعش” منذ هزيمته في آخر محطات القتال (بلدة الباغوز بريف دير الزور) قبلما يقرب من ثلاث سنوات.

التحرك الأخير لعناصر “داعش” هو بالحقيقة يعتبر بأنه آخر لحظات النهاية للتنظيم، فهذا الهجوم الذي خطط له على مدى ستة أشهر، كان بمثابة الفرصة الأخيرة لظهور التنظيم. فالهجوم كان لمحاولة لرفع معنويات أتباع “داعش” وخلاياه النائمة، من خلال العودة إلى أحد تكتيكاته الأصلية المتعلقة بإطلاق سراح الأعضاء المحتجزين في السجن. حيث استخدم استراتيجية “هدم الجدران” في مهاجمة السجون لمساعدة أنصاره على الفرار كما فعل في 2013 قبل سيطرة التنظيم على مناطق واسعة في سوريا والعراق عام 2014، إلا أن أي من ذلك لم ينجح البتة.

انتهاء فعلي للتنظيم

يعتقد المحلل السياسي والناشط الحقوقي، كادار بيري، أن الخلايا النائمة لهذا التنظيم والتي تتلقى دعما من جهات استخبارية أهدافها واضحة. وهي خلق حالة عدم استقرار وعدم ثقة بين المواطنين والقوات التي تقوم بحمايتهم. ومن ناحية أخرى كي تبقى المنطقة في حالة عدم استقرار؛ لأن هناك جهات تتربص بهذه المنطقة كتركيا وحكومة دمشق مع المليشيات الإيرانية لفرض سيطرتها على تلك المناطق. 

ويضيف بيري، خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن هذه الجهات دائما ما يبحثون عن حجج. وإحدى هذه الحجج هي خلق حالة الفوضى “من أجل أن يقولوا بأن قوات سوريا الديموقراطية غير قادرة على السيطرة على الموقف. ويجب أن نستلم نحن هذا الملف أو نسيطر على هذه المنطقة”.

ومن ناحية أخرى، يشرح بيري، أن “خلايا داعش بقيت تقوم بعمليات ميؤوسة. وهناك قسم كبير منهم أو مما تبقى منهم انضموا إلى المقاتلين في الطرف التركي “الجيش الوطني” ولكن تحت مسميات أخرى. ويقومون بدعم الخلايا النائمة من أجل أن تقوم بعمليات إرهابية”، وفق تعبيره. 

وعليه يرى المحلل السياسي، أن هذا الملف لن ينتهي بهذا الشكل، حتى يتم تسوية ملف تنظيم “داعش” بشكل عام. وأيضا عناصره الذين تم إلقاء القبض عليهم وعلى عوائلهم. 

للقراءة أو الاستماع: استياء شعبي من استمرار بقاء سجون مقاتلي “داعش” بين الأحياء السكنية

الحل لإنهاء “داعش” إعلاميا ومحليا

أكد “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة أمس الأربعاء، أن تنظيم “داعش لا يزال يشكل خطرا وجوديا للمنطقة، ويجب عدم السماح له “بالعودة من جديد”، وذلك بعد الهجوم الأخير الذي نفذه التنظيم في مدينة الحسكة.

وقال جون برينان، قائد قوة المهام المشتركة عبر “تويتر”، إن “السجون المؤقتة في جميع أنحاء سوريا تشكل أرضا خصبة لفكر داعش الفاشل”. مشددا على ضرورة التحقق في “الظروف التي سمحت بحدوث” الهجوم في الحسكة. وأشار إلى أن “هذه المشكلة ليست داخل هذه المدينة فقط. بل هي مشكلة عالمية تتطلب تضافر جهود العديد من الدول، لتطوير حل دائم طويل الأمد”.

المحلل السياسي الأردني، الدكتور منذر الحوارات، يقول لـ”الحل نت”، إن الهجوم على سجن “غويران” يعطي دلالة بأن تنظيم “داعش” لا يزال يمتلك الأرضية لتنظيم الأتباع والحالة السياسية والاقتصادية في سوريا والعراق. ما قد يسمح له بتشكيل خزان زويد التنظيم بالأنصار والمقاتلين. 

ويشير الحوارات، إلى أن عناصر التنظيم يختفون في الصحراء السورية والعراقية، وقد يشنون هجمات بين الحين والآخر. ما قد يطرح تساؤلات عدة حول قدرة “داعش” على تنظيم صفوفه. بحيث يعيد الكرة من جديد في محاولة إنشاء خلافته المزعومة. وهذا مرهون بقوة الضربات التي يمكن لـ “التحالف الدولي” أن يوجهها.

وبالتالي يرى أنه ما لم يحل ملف “داعش” وعناصره المحتجزين وكذلك الخلايا المنتشرة في المنطقة، بشكل جذري وتؤدي إلى تحسن الأوضاع. فإن “داعش” سيجد من يدعمه ويقدم له المقاتلين ويقدم لها أيضا التسهيلات على الأرض.

لقد جاء الوقت الذي يجب أن تدرس فيه إمكانية وجود قوات دولية في هذه الأماكن مع حماية دولية. طالما أنه لم يحصل فيها حل حقيقي لمسألة الصراع الأهلي وعدم اعتراف الحكومة السورية بأن هنالك معارضة يجب الحوار معها، وفق المحلل السياسي الأردني. 

ويؤكد الحوارات، أنه بالفعل جاء الوقت لمحاكمة علنية لأنصار تنظيم “داعش” سواء من الدوليين أو من الدول الأخرى. مضيفا “لأنه نلاحظ هناك تعتيم على عناصر داعش بشكل كبير. ولو جرت محاكمات حقيقة لأظهرت الفظاعات التي قام بها هذا التنظيم. وبالتالي خلقت نوعا ما رأيا معارضا له، وهذا يعيق عملية وإمكانية تنظيمه للأفراد الجدد حينما تكشف جرائمه وما فعله”.

إلى ذلك، اقترح بيري، حلين لأزمة تنظيم “داعش”، الأول إما أن تقوم كل دولة بأخذ هؤلاء المقاتلين من رعاياها وبهذا ينتهي من هذا الملف. ويبقى السوريون ويتم محاكمتهم ضمن مناطق “الإدارة الذاتية”.

 أما الشق الآخر ولأن الكثير من الدول الأوروبية يرفضون أخذ رعاياهم. فيمكن خلق محاكم في مناطق شمال وشرق سوريا، وهو المكان الذي تمت فيه الجريمة بحق سكان تلك المنطقة. 

كما نوه بيري بأن الحل يجب أن يشمل أيضا عائلات مقاتلي التنظيم في مخيم “الهول”. فالكثير منهم ما زال بنفس العقلية، وفق وصفه. حيث سيكون ذلك بداية النهاية أو بداية القضاء عمليا وفعليا على تنظيم “داعش”. 

وتابع بالقول “هناك دول إقليمية تستثمر في ملف الإرهاب. ولا تريد الاستقرار لسوريا وهذه هي النقطة الرئيسية بتر يد كل من لا يريد إيجاد حل للملف السوري”.

في حين لفت الحوارات إلى أن “المحاكمات ستؤثر في عملية تنظيم من الأتباع لـ داعش. فالعالم يجب أن يكون أكثر حسما في ملاحقة فلول داعش، وعدم الركون إلى أنه انتهى. لأنه نلاحظ بين الحين والآخر أنهم يعودون ليمارسوا أعمال إرهابية وإجرامية. يجب أن نجد نهاية لهذه المعاناة بالذات بالهجوم الأخير الذي ترك 45 ألف نازح، وهذا رقم في الشتاء أمر مأساوي. يفاقم معاناة البشر هناك ويعزز آلامهم وشعورهم بالحرمان والقهر”.

للقراءة أو الاستماع: هل يمكن لـ”داعش” أن تعود إلى مسرح الأحداث في سوريا دون مساعدة إقليمية؟

تفاصيل الهجوم

وكانت “قسد”، قد فرضت مساء الخميس الفائت، طوقا أمنيا في محيط السجن، تزامنت مع ثلاث انفجارات في الجوار. حيث دارت اشتباكات متقطعة في محيط السجن، وعلى أطراف حي الزهور جنوب الحسكة، بعد أن فر إليه عناصر من “داعش”.

وكان طيران “التحالف الدولي” قد شارك في قصف نقاط تمركز لعناصر التنظيم في مبنى كلية الاقتصاد. ومعهد المراقبين الفنين التابعين لجامعة الفرات الحكومية. وتسببت الاشتباكات المتواصلة بحركة نزوح كبيرة لسكان أحياء غويران والنشوة وحوش البعر والفيلات الحمر، إلى الأحياء الوسطى والشمالية من الحسكة.

وأعلنت “قسد” لاحقا عن إلقاء القبض على نحو 110 من معتقلي تنظيم “داعش”. كانوا قد تمكنوا من الفرار من سجن “الصناعة” في حي غويران. إذ يضم سجن “الصناعة” نحو 5 آلاف عنصر من معتقلي تنظيم “داعش”. اعتقل غالبيتهم خلال حصار مخيم بلدة الباغوز بريف دير الزور في آذار/مارس 2019.

وذكر المركز الإعلامي لـ”قسد”، على موقعه الرسمي، إن “قوى الأمن الداخلي تمكنت بمساندة من “قسد” من السيطرة على استعصاء جديد نفذه ارهابيو “داعش” داخل سجن غويران في الحسكة”.

 وتحتجز “قسد” نحو 12 ألف معتقل بينهم نحو 4 آلاف أجنبي في سجون تفتقد للأمان. وفق ما تقوله قيادات “الإدارة الذاتية” التي تطالب المجتمع الدولي بمساعدتها على بناء سجون ذات مواصفات عالية الأمان. وإجراء محاكمة ذات طابع دولي للمحتجزين لديها.

للقراءة أو الاستماع: الحسكة.. هذه العوامل التي ساعدت “داعش” في هجومها على سجن الصناعة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.