البطالة وضعف القوة الشرائية في سوريا: المهن البديلة وسيلة مناسبة؟

البطالة وضعف القوة الشرائية في سوريا: المهن البديلة وسيلة مناسبة؟

بفعل عدة عوامل، تأثر الاقتصاد السوري المتدهور بشكل أدى إلى نسب بطالة غير مسبوقة في سوريا، في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية، وارتفاع كبير في نسبة التضخم وتدهور القدرة الشرائية الناتج عن تدهور سعر الليرة، ما خلق صورة قاتمة لمستقبل السوريين وأمنهم الغذائي.

الأولى على مستوى العالم في البطالة

خلال عام 2020 بلغت نسبة البطالة بين السوريين نسبة 75 بالمئة، بحسب ما أفادت به “منظمة العمل الدولية”، حيث سجلت البطالة آنذاك معدل ارتفاع قارب الضعف عما كانت عليه عام 2016، بينما تصل النسبة وفق بيانات حكومية من دمشق 14.8 بالمئة عام 2010.

كثيرة هي البيانات التي صدرت عن مراكز أبحاث ومنظمات غير حكومية، تشير فيها إلى نسبة البطالة في سوريا التي ازدادت بشكل متزايد خلال السنوات العشر الفائتة، فكان الصراع العسكري له تأثيره بأشكال متعددة على مختلف المجالات الإنتاجية والخدمية، إلى جانب موجات النزوح واللجوء وترك سوريا أو غياب الفاعلين في إعادة تنشيط الحركة الاقتصادية بفعل الاعتقال أو الموت وكذلك هجرة رؤوس الأموال على وجه الخصوص.

المحلل الاقتصادي، محمد لومان، اعتبر خلال حديث لـ”الحل نت” بأن نسب البطالة في سوريا قد تتجاوز حاليا أكثر من 80 بالمئة، للفئات العمرية القادرة على العمل بين 18 عاما و60 عاما، لاسيما في ظل عدم توفر فرص عمل للشباب المتخرجين من الجامعات والباحثين عن فرصة هجرة خارج البلاد.

وتابع لومان “أصحاب الشهادات الجامعية هم الأكثر تأثرا، حيث بات نسبة كبيرة منهم عاطلين عن العمل، بسبب ندرة فرص التوظيف في القطاع العام، وشبه غياب لفرص عمل مناسبة بدوام مستمر وكامل في القطاع الخاص ضمن أجور مناسبة، وذلك في الوقت الذي يجد فيه الكثير من الخريجين وحتى الطلاب الجامعيين أنفسهم بمواجهة تحديات عدة، في ظل الاضطرار للبحث عن العمل بالمياومة أو العمل بشكل مؤقت في أعمال خاصة صباحية أو مسائية”.

الكاتب المتخصص في الشؤون الاقتصادية، سمير طويل، أشار في حديثه لـ”الحل نت” إلى ارتفاع نسب البطالة في سوريا، لافتا بأن “عمل المواطن اليوم صعب جدا في مناطق (سيطرة حكومة دمشق)، فهو يحتاج إلى العمل لمدة 24 ساعة بمختلف المهن لن يستطيع تلبية الالتزامات المالية للحاجيات اليومية”.

وأكمل “متوسط دخل الفرد يصل إلى حوالي 150 ألف ليرة، بينما المصاريف تصل لـ600 ألف ليرة شهريا. فرص العمل قليلة في ظل توقف المصانع وعدم دوران عجلة الإنتاج وتوقف شبه كلي للزراعة”.

ضغط المصاريف

باتت مصاريف الحياة مرهقة جدا في سوريا، حيث لا يمكن تأمين تلك المصاريف في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، وضعف القوة الشرائية لدى السوريين.

مصطفى عامر (اسم مستعار لخريج جامعي يقيم في حماة)، تحدث لـ”الحل نت” أن مساعيه في الحصول على فرصة عمل في مؤسسة عامة باءت بالفشل منذ سبع سنوات، وهو يعمل “ملمع أحذية” في ساعات الصباح حتى أن يحين موعد عمله الثاني كبائع للعصائر والأكلات الشعبية من فول وحمص على عربة متنقلة.

وتابع “لست الوحيد هنا ممن تخرج من الجامعة دون أن يجد أي فرصة عمل دائمة، بل بات الحديث الآن أن من يجد أي فرصة عمل في المهن البديلة يكون من سعيدي الحظ، هناك خريجو تخصصات علمية يشتغلون كسائقي سيارة أجرة، ومنهم من يشتغل بطلاء الدهان وتنظيفها، بينما يسعى كثر للالتحاق بالعمل في الشركات الأمنية الخاصة، هي باتت ملجأ الكثيرين، ممن لا يرغب بالمشاركة في أي أعمال عسكرية مع المجموعات المسلحة التي توالي الجيش السوري”.

وأشار إلى أن المردود الشهري في معظم المهن البديلة غير ثابت، ويتراوح بين 200 و300 ألفا، لافتا إلى أن قلة أفراد عائلته (والدة واخت)، كان معينا له على تحمل ضغوط المتطلبات اليومية، وزاد بالقول في هذا السياق “هناك من يستطيع تحصيل عائد إضافي سواء بسبب توفيقه في عمله، أو لأنه يعمل لوقت إضافي، أو أن العمل الذي يشغله يبرع فيه أكثر من غيره”.

بحلول عام 2020، وصلت تكلفة الصراع من ناحية الأضرار المادية والخسائر في الأنشطة الاقتصادية إلى ما يقرب من حوالي 500 مليار دولار. فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 79 بالمئة -متراجعاً من 62 مليار دولار إلى 13 مليار دولار- وشهدت معدلات الفقر زيادة بلغت 70 بالمئة، في الوقت ذاته، وصلت معدلات البطالة في البلاد بين كافة السكان البالغين إلى 50 بالمئة في حين بلغت 78 بالمئة في صفوف الشباب. علما بأن كل هذه التقديرات أُحتسبت قبل اندلاع جائحة “كورونا” وقبل الأزمة المالية اللبنانية والعقوبات الأميركية المفروضة بموجب “قانون قيصر” والانخفاض الذي شهدته العملة السوريةمؤخرا. وبالفعل، تراجع دخل الموظف الذي كان يجني 500 دولار شهريا في عام 2010 إلى حوالي 20 دولار شهريا اليوم، بحسب ما أفاد به تقرير نشره موقع “مبادرة الإصلاح العربي”.

علي ياسين (اسم مستعار، لمهندس يقيم في دمشق) يسعى للسفر نحو مصر أو العراق، أملا بتحصيل فرصة عمل مناسبة، وقال حول ذلك خلال حديثه لـ”الحل نت”، “كان تفكيري ينحصر في التقديم على إحدى السفارات الأوروبية لبدء محطة جديدة. الآن تضاءل طموحي وباتت رغبتي السفر للعراق أو مصر من أجل العمل هناك ضمن ظروف بشرية طبيعية، حتى لو عملت في أي مهنة بديلة كتلميع الأحذية حتى، لكن أريد العمل في مهنة تكسبني مالا أستطيع من خلاله إرسال حوالات ولو ببضعة قروش إلى عائلتي. لم أعد أفكر بالإقامة في دبي ولن أعيد التفكير بأوروبا، ما أحتاجه الآن عمل مستقر ودائم بأجر مجزي، في حياة طبيعية استطيع فيها مشاهدة الكهرباء لأكثر من 4 ساعات يوميا، ولا يكون فيها الغاز مكرمة على الشعب وكذلك الخبز وحتى الماء”.

وكان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيث، قدّر أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 بالمئة من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيرا منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

ودعا غريفيث -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي نهاية العام الفائت حول مستجدات الأزمة السورية- المجتمع الدولي إلى تقديم مساعدات عاجلة “منقذة للحياة” وإيصالها بشكل فعال وشفاف إلى ملايين الأشخاص المحتاجين في شمال غربي سوريا، حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم بكرامة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.