المدن الصناعية العراقية: هل يمكن إنشاء استثمارات سورية في العراق برعاية إيرانية؟

المدن الصناعية العراقية: هل يمكن إنشاء استثمارات سورية في العراق برعاية إيرانية؟

أعلنت هيئة المدن الصناعية العراقية، التابعة لوزارة الصناعة والمعادن في العراق، عن تلقيها عروضا من دول عربية، منها سوريا، لبناء مدن صناعية على الأراضي العراقية. ما أثار جملة من التساؤلات، نظرا لأن المناطق الصناعية في سوريا شبه متوقفة عن العمل. نتيجة الحرب في البلاد، التي أنهت عقدها الأول.

ومنذ توارد تلك الأنباء شكك مراقبون اقتصاديون بدقة الإعلان، وانشغلوا بمتابعته، لمعرفة الجهات السورية التي تقدمت بذلك الطلب.
وكان حامد عواد محمد، مدير عام هيئة المدن الصناعية العراقية ، قد تحدث لوكالة الأنباء العراقية عن “وجود توجه من الدول المجاورة لبناء مدن صناعية في العراق”. مؤكدا تلقي الهيئة “عروضا عدة من سوريا والاردن والسعودية وايران والكويت”.
وأشار إلى أنه “تم توقيع أول اتفاقية لإنشاء مدينة اقتصادية مع الأردن. وتم اكمال الإجراءات لغرض إعلانها”. مبينا أن “تلك المدن لها اهمية كبيرة. منها موقعها الجغرافي، الذي يقع على الحدود. إضافة إلى بعض المناطق الصحراوية، والتي قد تكون رخوة أمنيا، لكنها ستتحول إلى مناطق مأهولة بالسكان والخطوط الإنتاجية، وتقدم خدمات للبلد”.
وأضاف عواد محمد أنه “خلال فترة قياسية تم توقيع أول عقد في كربلاء، لتشييد مدينة صناعية مختصة بالبتروكيمياويات والصناعات الهندسية، ضمن مساحة 5300 دونم. كما تم الاعلان عن مدينة صناعية في واسط أيضا، بمساحة 5000 دونم. فضلا عن وجود مدينة في محافظة ذي قار. وننتظر العروض من قبل المستثمرين”.

مدن صناعية وسط الأزمات الاقتصادية

الباحث الاقتصادي رضوان الدبس قال إن “العراق شأنه شأن سوريا يعاني من حالة عدم الاستقرار، وانعدام البنى التحتية، ما يعني أن قدرة الجانبين على إنشاء مدن صناعية مشتركة غير وارد”. مشيرا إلى المثل الشعبي: “ميت ما بيحمل ميت”.
مضيفا، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “المدن الصناعية بحاجة إلى بنى تحتية من طرق وكهرباء ومياه واتصالات، ويتبعها مدن سكينة (سكن عمالي)، مزودة بمراكز صحية وقوات أمن. وتجهيز كل ذلك أمر المكلف، وخصوصا على العراق وسوريا”.
والأهم من كل ذلك، بحسب الدبس، فإن “البلدين يعانيان من هشاشة أمنية. وخصوصا في المناطق الحدودية بينهما، التي ما زالت تنتشر فيها خلايا تنظيم داعش. مما يعني أن الزج باسم سوريا يبدو متعمدا من جانب العراق، التي تعتبر حكومتها من الحكومات المقربة من دمشق. إلا أن هذا المشروع في الواقع خارج نطاق المنطق. ولا يعدو كونه دعاية إعلامية. وقد يكون لإيران دور في كل ذلك”.
ويعتقد الباحث الاقتصادي أن “الإعلان انتهى في وقته. شأنه شأن المشاريع التي يعلن عنها على الإعلام فقط. فمن غير الممكن أن تساهم سوريا في أي مشاريع استثمارية خارج حدودها. بسبب عجزها المالي الكبير. المقدّر بنحو خمسة ترليونات ليرة سورية في الموازنة المالية الأخيرة فقط”.
وأشار في هذا السياق إلى “قيام حكومة دمشق بحرمان شريحة كبيرة من السوريين من الدعم الحكومي، على أمل تقليل نسبة العجز الاقتصادي. وهو ما يعني أن حكومة دمشق غير قادرة على تنفيذ مشاريع حتى بالداخل السوري. فما بالك بإنشاء المدن الصناعية في العراق”.
يذكر أن غالبية المعامل في المدن الصناعية الرئيسية السورية، وهي عدرا بدمشق، وحسياء بحمص، والشيخ نجار بحلب، قد توقفت بعد الحرب السورية. بسبب غياب حوامل الطاقة، وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، وارتفاع أسعار المواد الأولية، على خلفية هبوط قيمة الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية.

المدن الصناعية العراقية محطةً لعبور “كبتاغون”

الصحفي السوري عبد العزيز الخطيب تساءل، خلال حديثه لـ”الحل نت”، عما تستطيع سوريا تقديمه اقتصاديا للعراق. قائلا: “تعيش سوريا أسوأ أيامها. وباعتراف حكومة دمشق هناك زيادة في هجرة أصحاب رؤوس الأموال والصناعيين إلى مصر وغيرها”.
وأضاف أن “سوريا تحولت نتيجة توقف عجلة الإنتاج إلى مرتع لتجارة الممنوعات”. مؤكدا بلهجة ساخرة: “قد تخدم سوريا العراق في موضوع تجارة “كبتاغون”. وقد تتم التغطية على هذه التجارة من خلال الحديث عن إنشاء مدن صناعية مشتركة في العراق”.
وبحسب الخطيب فإن “تجارة كبتاغون تحتاج إلى محطات تبييض أموال. ويبدو أن هذا هو الهدف من الحديث عن المدن الصناعية العراقية، والاستثمار السوري فيها”.
ومن هذا المنطلق لم يستبعد الخطيب أن “يكون العراق تلقى بالفعل طلبا سوريا، من خلال تجار الحرب والأثرياء الجدد وقادة الميلشيات، مثل مجموعة قاطرجي القابضة”.

أصابع إيرانية وراء الإعلان الأخير

وفي السياق ذاته، يتفق الخطيب مع الدبس في الحديث عن وقوف إيران وراء التصريحات عن استثمارات سورية في المدن الصناعية العراقية. مبينا أن “إيران متحكمة في قرار الحكومتين العراقية والسورية. وتريد من خلال هذه التصريحات القول إن اقتصاد بغداد ودمشق في طريقه إلى التحسن”.
وثمة تفسير آخر، يشير إليه الصحفي السوري بالقول: “قد يكون هدف طهران من كل ذلك زيادة تشبيك الاقتصاد السوري والعراقي. لأن ذلك يخدم مصالحها وتواجدها في البلدين، بحيث يسهل عليها التحكم باقتصاديهما”.
وفي هذا الصدد أشار الخطيب إلى “مشاركة مئات التجار العراقيين في معرض صنع في سورية، الذي ينظم حاليا على أرض مدينة المعارض في دمشق”.
وكانت وسائل إعلام الحكومة السورية قد أكدت حضور أربعمئة وخمسين تاجرا عراقيا إلى سوريا، للمشاركة في ذلك المعرض. وقال سامر الدبس، رئيس غرف صناعة دمشق، إن “المعرض سيجمع بين مصنّعي الألبسة السورية بكافة أنواعها ورجال الأعمال في العراق. الأمر الذي سيساهم بشكل كبير في تطوير التعاون بين الطرفين في المجال الصناعي والتجاري. خاصة أن السوق العراقية تعتبر بوابة لثماني دول خليجية”. مبينا أن “المعرض سيشهد أيضا إقبالا من رجال أعمال أردنيين ومصريين ومن دول الخليج”.

مقالات قد تهمك: الصناعة السورية تراقب التدهور الاقتصادي وتسجل تراجعاً صادماً

وفي أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2021 أجرى منهل عزيز خباز، وزير الصناعة العراقي، زيارة إلى دمشق، أكد فيها على “أهمية تبادل الخبرات البينية، والاستفادة من التجربة السورية المتطورة في مجال المدن والمناطق الصناعية. وتيسير التجارة معها”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.