عن طريق التحكم بأسعار بيع العقارات السورية.. حبس السيولة لهذه الأسباب

عن طريق التحكم بأسعار بيع العقارات السورية.. حبس السيولة لهذه الأسباب

بين تجفيف الدعم ورفعه عن شرائح واسعة من السوريين، تسعى حكومة دمشق إلى حبس السيولة عن شريحة أخرى من السوريين، سعيا من دمشق إلى رفد عملياتها التمويلية خلال الفترة الحالية.

وأعلنت حكومة دمشق منتصف شهر شباط/فبراير الجاري زيادة نسبة التسديد في المصارف للبيوع العقارية، ورفع نسبة التسديد عند بيع السيارات وفقا لتاريخ صنعها.

ونص القرار، الذي حمل توقيع رئيس الوزراء، حسين عرنوس، على إلزام الجهات العامة المخولة بمسك سجلات ملكية العقارات والمركبات بأنواعها والكتّاب بالعدل؛ بعدم توثيق عقود البيع قبل إرفاق ما يشعر بتسديد الثمن أو جزء منه في الحساب المصرفي للمالك أو خلفه العام أو الخاص.

ونشرت مواقع محلية، صورة القرار الذي تضمن زيادة نسبة التسديد في المصارف للبيوع العقارية، بنسبة تعادل 15 بالمئة من النسبة الرائجة حسب القانون 15 لعام 2021.

عجز مالي شديد

ويتضمن القرار تشريح السيارات لفئات حسب سنة الصنع، لتصبح نسبة السداد عبر البنك عند إجراء عمليات بيع كالتالي، دفع 3 ملايين ليرة سورية للبنوك عند إجراء عملية بيع السيارات المصنعة قبل عام 2000، دفع 5 ملايين للسيارات المصنعة بين عام 2000 حتى 2010، دفع 10 ملايين للسيارات التي سنة صنعها بين 2011 حتى 2015، دفع 20 مليون للسيارات المصنعة عام 2016 وما فوق.

كذلك يتضمن تجميد مبلغ 500 ألف ليرة سورية في الحسابات المستخدمة لعمليات البيوع لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

تعاني حكومة دمشق من عجز مالي شديد، ما دفعها إلى زيادة الضرائب بشكل أو بآخر، وكذلك إلى إيجاد وسائل جديدة لترك سيولة متاحة لديها من خلال حبس السيولة للاستفادة منها قدر المستطاع، وفق حديث الخبير الاقتصادي، د.فراس شعبو.

وأضاف شعبو خلال حديثه لـ”الحل نت” بأن هذه السيولة عندما يتم حبسها لدى حكومة دمشق تساهم بتخفيف الطلب على الدولار. معتبرا أن دمشق تدرك تماما بأن هذه الأموال عندما تكون متاحة بين أيدي الناس كسيولة فإنها ستتحول بشكل كلي إلى دولار، وبالتالي يزيد العرض من العملة النقدية ويزيد الطلب على الدولار ما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره.

ورأى الخبير الاقتصادي أن دمشق تريد تقييد حركة الطلب على الدولار ما يساهم باستقرار سعر الصرف. إلا أن ذلك سينعكس على واقع المبيعات في السوق. “القيمة الرائجة للعقار تحددها مؤسسات الدولة ذات الاختصاص، وهذا قد يختلف عن سعر المبيع الحقيقي واختلاف سعر البيع عن السعر الرائج سيؤدي إلى عملية ركود كبيرة في بيع العقارات. تريد دمشق السيطرة على السيولة ليكون لها القدرة على التحكم بالسوق، وكذلك استخدام هذه الأموال في عملياتها التمويلية”.

وفي 25 من آذار/مارس 2021، أقر مجلس الشعب السوري قانون “ضريبة البيوع العقارية”، إذ يعتمد القانون على استيفاء الضريبة على العقارات المباعة بالاعتماد على قيمتها الرائجة، بدلا من القيمة المعتمدة في السجلات المالية.

وينص القانون على أن يشكّل وزير المالية لجانا مركزية ورئيسة وفرعية في المحافظات والمدن والمناطق ودوائر الخدمات، لتحديد القيمة الرائجة للمتر المربع الواحد من العقار لكل شريحة وفق المعايير المحددة لذلك، وتحميلها على خرائط إلكترونية مصممة لهذه الغاية.

ويبدو أن حكومة دمشق وفريقها الاقتصادي حكموا على أنفسهم الدوران في “حلقة مفرغة” شكلتها متوالية القرارات التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة لإدارة السيولة بما يضمن تحقيق استقرار في سعر صرف الليرة.

في حين أن الحالة الاقتصادية وما لحقها من عطالة بسبب المبالغة في “النزعة الحمائية” لليرة، كانت تقتضي الإسراع في معالجة تلك القرارات بقرارات معاكسة تماما، وهذا ما لا تريد الحكومة الإقدام عليه، لمخاوف علمها عند الحكومة وحدها.

كما يكاد يجمع مختلف المتابعين للشأن الاقتصادي على عبثية الاستمرار في نهج محاولة حبس السيولة كحل وحيد لضمان عدم حدوث انهيارات في سعر الصرف، وفق ما أفاد به موقع “المشهد” المحلي.

التفاف وطرق احتيال

وحدد القانون قيمة الضريبة على البيوع العقارية التي ستُفرض على العقارات بالمعدل الآتي، 1 بالمئة من القيمة الرائجة للعقارات السكنية والأراضي الواقعة خارج المخطط التنظيمي والأسطح والعقارات السكنية. 2 بالمئة للأراضي الواقعة داخل المخطط التنظيمي المصدّق. 3 بالمئة عن بيع العقارات غير السكنية.

وتخضع العقارات غير السكنية المؤجرة للسوريين وغيرهم لضريبة دخل بمعدل 10 بالمئة من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل ضريبة الدخل عن ستة بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر.

المحلل الاقتصادي، محمد لومان، اعتبر في حديث لـ”الحل نت” أن المصارف، ستتقاضى رسوم نقل الملكية حسب السعر الحقيقي للعقار المباع، ما سيحقق لها عمولة للمصارف نتيجة الإيداع والسحب.

وذلك في الوقت الذي يعتبر فيه أن من أبرز تبعات القرار هو حدوث جمود كلي في سوق العقارات، وذلك بالانطلاق من أن أصحاب العقارات سيمتنعون عن البيع والشراء، أو قد يلجأ بعض المضطرين إلى الالتفاف على القرار بالاتفاق مع البائع على سعر وهمي للعقار.

وحول الهدف من حصر البنوك كجهة معتمدة لتسجيل عقود الشراء، كتب المحامي السوري عارف الشعال، عبر “فيسبوك”، أن القرار محاولة استقطاب الكتلة النقدية الناجمة عن هذه البيوع التي يدخرها الناس، وإيداعها في المصارف، والسيطرة عليها من خلال عمل المصارف على تحديد سقف السحوبات الجاري تطبيقه حتى الآن.

وحدد الشعال طرقا لما وصفه بـ”الالتفاف” على القرار، وذلك عبر إدراج العقار بصفة “الفراغ” الذي يعتبر “عقد هبة” وليس “عقد بيع”، والاكتفاء بوضع مبلغ رمزي في المصرف كجزء من ثمن العقار الذي تم شراؤه.

العقارات السكنية ستخضع لضريبة دخل بمعدل 5 بالمئة من بدل الإيجار السنوي، على ألا تقل عن ثلاثة بالعشرة آلاف من القيمة الرائجة للعقار المؤجر، كما يتضمن القانون تحديد معدلات ضريبة البيوع على العقارات التي تؤول هبة أو بموجب الوصية الواجبة بمعدل 15 بالمئة من المعدلات على البيوع العادية.

وسمح القانون أن يعترض المُكلف على الضريبة خلال 30 يوما تلي تاريخ تبلغه أمر القبض، لكن بشرط تسديده مبلغ الضريبة وإضافاتها ومتمماتها كاملة قبل تسجيل الاعتراض، وبعد أن يسدد مبلغ تأمين بنسبة 1 بالمئة من الضريبة المفروضة، ويصبح مبلغ التأمين إيرادًا للخزينة إذا لم يكن محقًا في طلب الاعتراض.

وتحظر مواد مشروع القانون على دوائر السجل العقاري والكتاب العدل وكل جهة مخولة بتسجيل الحقوق العينية العقارية أن توثق أو تسجل أي حق عيني عقاري، ما لم يبرز أصحاب العلاقة براءة الذمة من الدوائر المالية ذات العلاقة.

كذلك يعتبر لاغيا كل توثيق أو تسجيل يتم خلافا لذلك، ويحظر على المحاكم إصدار الأحكام المتعلقة بتثبيت البيوع العقارية أو حق الإيجار إلا بعد تقديم وثيقة من الدوائر المالية تتضمن إشعارا بتسديد مبلغ يعادل الضريبة المفروضة على موضوع النزاع بالدعوى.

وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي تقول عبر منشور لها على موقع “فيسبوك”، أنها تحاول فهم المنطق الذي تتمتع به الحكومة، في اتخاذ قرار من ملزم لتحويل 15 بالمئة من ثمن البيت “العقار” عبر البنوك في حين أن سقف السحب اليومي المسموح به هو مليوني ليرة فقط!.

عاصي تساءلت: “هل الهدف هو رفع السيولة في البنوك التي تعاني أصلا من ارتفاع معدلات السيولة لديها بشكل غير صحي؟!. وتبين ان هذا الاجراء للتداول عبر الجهاز المصرفي قد يكون صائبا، ولكن حتما في حالة عدم تحديد سقف السحب اليومي.

بينما يشير خبراء في مجال العقارات الى أن التجارب السابقة دفعت المواطنين للتغلب على هذا القرار من خلال التوجه إلى القضاء والحصول على قرارات قضائية بعمليات البيع، ما يؤدي وفق تصريحات إعلامية للخبير العقاري عمار يوسف، إلى إغراق المحاكم بآلاف القضايا غير المجدية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.