تتصاعد الحرب الروسية في أوكرانيا، بشكل متسارع ومفتوح على كل الخيارات، حيث يرفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حتى الآن إيقاف العملية العسكرية، فيما جاءت ردود أفعال الدول الغربية صارمة من ناحية العقوبات التي فرضت على روسيا، ودعم الدول الأوربية للجيش الأوكراني بالسلاح وأنواع أخرى من الدعم.

وبين ذلك كله، أدت المعارك حتى الآن إلى تخليف دمار كبير في المدن الأوكرانية التي استهدفها الروس، وسقوط ضحايا من المدنيين، وتهجير الآلاف من المواطنين الأوكرانيين، الذين يقرعون الأبواب الأوروبية للجوء، دون أن يتضح الشكل الذي ستنتهي عليه هذه الحرب.

إقرأ:لهذا التاريخ ستدوم الحرب الروسية على أوكرانيا

سيناريوهات للنهاية

أحدثت الحرب الروسية – الأوكرانية تحولات كبيرة على الساحة الأوروبية هي الأولى بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والأخطر كمواجهة محتملة بين روسيا والغرب، بعد أزمة صواريخ كوبا قبل نحو 60 عاما.

ويرى الصحفي الأميركي، توماس فريدمان، في مقاله أمس في صحيفة “نيويورك تايمز”، أن هناك 3 سيناريوهات محتملة لنهاية الحرب الحالية في أوكرانيا.

ويقول فريدمان، في السيناريو الأول، الذي أسماه “كارثة مكتملة الأركان”، أن ما يحدث الآن يشير إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مستعد لقتل أكبر عدد ممكن من الناس وتدمير أكبر قدر ممكن من البنية التحتية الأوكرانية للقضاء على استقلال البلد وحريته وثقافته ومحو قيادته”.

وأشار فريدمان، إلى أنه إذا لم يغير فلاديمير بوتين تعاطيه، أو يتمكن الغرب من ردعه فإن هذا السيناريو”الذي يتكشف الآن” قد يقود إلى ارتكاب جرائم حرب لم تشهد أوروبا مثيلا لها منذ عهد النازيين، ومن شأن تلك الجرائم أن تجعل بوتين وأعوانه وروسيا كدولة بلدا منبوذا في شتى أنحاء العالم.

ويعتقد فريدمان، أن استمرار الحرب بهذا الشكل يقرب العالم خطوة نحو أبواب الجحيم، مضيفا بأن استمرارها قد يشعل أول حرب يستخدم فيها السلاح النووي في قلب أوروبا، وفي المقابل فإن السماح للرئيس الروسي بتحويل كييف إلى أنقاض وقتل آلاف المدنيين على النحو الذي جرى في حلب وغروزني سيمكنه من إنشاء أفغانستان أخرى في أوروبا، مما يؤدي إلى انتشار الفوضى وتدفق اللاجئين.

ويقول فريدمان، في السيناريو الثاني “التسوية القذرة”، أن يتمكن الجيش والشعب الأوكرانيان من الصمود لفترة كافية ضد الحرب الروسية الخاطفة، وأن تتمكن العقوبات الاقتصادية من إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الروسي على نحو يحمل كلا طرفي الحرب على السعي للتوصل إلى تسوية “قذرة”، حسب وصفه.

وأشار فريدمان، إلى أن هذه التسوية تشمل  وقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية مقابل تنازل أوكرانيا رسميا عن المناطق الأوكرانية الشرقية الواقعة الآن تحت سيطرة روسيا، إضافة إلى تعهد رسمي صريح من كييف بعدم الانضمام إلى “الناتو”.

وفي السياق نفسه، توافق الولايات المتحدة وحلفاؤها على رفع جميع العقوبات الاقتصادية التي فرضوها مؤخرا على روسيا، مع اعتقاده بأن هذا السيناريو صعب التحقيق لأسباب مختلفة، معظمها يتعلق بالرئيس بوتين نفسه.

من جهته، يرى  طه عبد الواحد، الباحث في الشأن الروسي، لموقع “الحل نت”، أن التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية لن تكون سهلة أبدا ولن تتم بسرعة، فالأمر معقد للغاية،  وهناك تناقض كبيربين ما يريده كل طرف من المفاوضات.

وأضاف عبد الواحد، أن روسيا قالت بوضوح على لسان بوتين ولافروف أنها تريد الاعتراف بالقرم ضمن السيادة الروسية، والاعتراف باستقلال الجمهوريتين الانفصاليتين لوغانسك ودونيتسك، ضمن الحدود الإدارية لمقاطعتي لوغانسك ودونيتسك الأوكرانيتين، وتريد روسيا نزع السلاح الأوكراني، وإعلان أوكرانيا دولة محايدة ، أي خارج الأحلاف، وفي المقابل من  الطبيعي أن الجانب الأوكراني لن يوافق على هذه الشروط، وربما يظهر مرونة في الشرطين الأخيرين، لكن المنطق يقول أنه لا يوجد رئيس يحترم نفسه يمكنه أن يوافق على التخلي عن أراضي بلاده.

قد يهمك:بحر آزوف” الهدف الجديد للغزو الروسي على أوكرانيا

هل تحتاج الأزمة عقودا للوصول إلى الخلاص؟

يرى فريدمان، أن السيناريو الثالث “الخلاص”، والذي يعتقد أنه الأقل احتمالا للحدوث، أن يهب الشعب الروسي بشجاعة دفاعا عن حريته كما فعل الشعب الأوكراني، ويخلص المنطقة من الحرب من خلال عزل بوتين من منصبه، معتقدا أن العديد من الروس قلقون من أنه طالما أن بوتين زعيم بلدهم فلن يكون لديهم مستقبل مشرق، وقد عكس ذلك نزول آلاف منهم إلى الشوارع، للاحتجاج على حربه ضد أوكرانيا رغم ما ينطوي على ذلك من مخاطر على سلامتهم الشخصية.

وتساءل فريدمان، عما إذا كان الشعب الروسي قد كسر حاجز الخوف، وما إذا كانت الهبة الشعبية قادرة على إنهاء حكمه في نهاية المطاف، لافتا إلى أن استمرار بوتين في حربه التي تدك المدن الأوكرانية سيدفع روسيا إلى سجن كبير نظرا للعزلة الدولية التي ستفرض عليها، وأن أمام الشخصيات المتنفذة في روسيا والشعب الروسي ككل خيارين، إما التعاون للإطاحة ببوتين أو ينتهي بهم المطاف في العيش معه في بلد معزول دوليا.

أما طه عبد الواحد، فيرى خلال حديثه لـ”الحل نت” أن التسوية الأوكرانية تتشابك بين مصالح الغرب بشقيه “الولايات المتحدة وأوروبا”، فالأولى قد لا تكون مهتمة بإنجاز تسوية حقيقية، على خلاف الثانية، وفق رأيه. مؤكدا أن “الوضع حقيقة أكثر من معقد وليس من الممكن في الوقت القريب رؤية أي تقدم إيجابي حقيقي. إن ما يجري أزمة ستستمر لعقود من الزمن، وستحمل كل مرحلة من مراحلها تغييرات جديدة في وجه العالم الذي نعرفه”.

وختم عبد الواحد، بأنه “لا شك بأن الحرب التي أطلقها بوتين في أوكرانيا مفتوحة عسكريا على مختلف السيناريوهات، ويصعب أن يحدد أي محلل أو خبير، مهما كانت المعطيات لديه، بأي اتجاه ستسير الأمور من ناحية المواجهات، واحتمالات التحول من حرب محدودة إلى مواجهة كبرى، لتبقى جميع الاحتمالات قائمة طالما الكلمة للسلاح”.

إقرأ:جولة جديدة للمفاوضات الروسية الأوكرانية مرهونة بالتطورات الميدانية

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.